علي بن بدر البوسعيدي
يقول رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”..
وقد فسر الفقهاء أنّ العلم الذي يُنتفع به إما أن يكون علما نشره العالِم قبل مماته بين الناس أو كتب ألفها وانتفع بها غيره، أو كتب اشتراها وأوقفها وانتفع بها الناس، والنقطة الأخيرة هي بالضبط ما فعله أبناء المرحوم معالي السيّد محمد بن أحمد البوسعيدي، حين قرروا أن يجعلوا مكتبته العامرة بالسيب وقفا وصدقة جارية يستفيد منها الباحثون وطلبة العلم والمهتمون بالتراث والمخطوطات القديمة والنادرة.
الأسبوع الماضي كان لي شرف أن أزور هذه المكتبة الأكثر من رائعة بصحبة نفر كريم، وهي مكتبة عريقة افتتحت عام 1986 ولها مكانة مرموقة في الخارطة العلمية والثقافية في عمان. وبحق تُعتبر من أهم وأضخم المكتبات العمانية المرجعية؛ فقسم المخطوطات وحده يحوي قرابة أربعة آلاف مخطوطة نادرة تتنوع مواضيعها بين المصنّفات الفِقْهية واللغوية والأدبية والفلسفة والتاريخ والمعارف العامة.
وتحظى المكتبة بإقبال كبير، فهي قبلة علم يزورها الباحثون من أوربا وآسيا والعالم العربي وشتى أنحاء العالم.
المكتبة تبرز الدور الريادي للعمانيين، وتؤرخ لمجد السلطنة على مر العصور من خلال اللوحات وصور القلاع والحصون والأماكن الأثرية، إضافة إلى تحف فضية متمثلة في الخناجر والسيوف والبنادق والتروس والمسكوكات والحلي النسائية بمختلف أنواعها وأشكالها. وقد هالني تنظيمها وطريقة تبويبها. فمعالي السيد – رحمه الله – لم يبخل عليها بنفائس المخطوطات وأمهات الكتب كالوثائق التاريخية من زنجبار، وخصها بوثائق الإمام سالم الخروصي، ومكاتبات السيدة سالمة بنت سعيد. بجانب قسم الهدايا التذكارية المتنوعة لمعالي السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، ومنها ساعات منحت له من رؤساء دول وملوك، وكذلك قطعة سجاد منحت له من الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، بالإضافة إلى صور تكريمه من قبل مولانا صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- والذي شرّف المكتبة بزيارة سامية؛ فجلالته –أيده الله- يقدر العلم وما تحتويه الوثائق والمخطوطات القديمة وأمهات الكتب بوصفها ناقلا علميا أمينا على ما جادت به معارف الأقدمين.