تشهد مختلف دول العالم تحولات متنوعة خلال تاريخها، وتظل الدول العريقة صامدة مهما حدث بها من تحولات تصل أحيانا إلى ما يشبه حالات تقرير المصير نتيجة الحروب الداخلية والخارجية، وليس أقلها تأثيرا” الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تعتبر من مهددات الأمن الوطني، وقد تتغير أنظمة وأسر حاكمة ولكن العراقة تفرض نفسها في البقاء دائما، والسلطنة هي أحد البلدان التي تنطبق عليها هذه القاعدة، فرغم ما تعرضت له خلال حقب من التاريخ بقيت بلدا معروفا بجميع سماته وخصائصه، وبقيت في هذه البقعة الجغرافية من العالم منذ ما قبل الإسلام وحتى اليوم بنفس الاسم الحالي، رغم تمددها في فترات معينة من التاريخ وتقلصها في فترات أخرى، ولكن تبقى المهددات المذكورة أعلاه قائمة بدرجات متفاوتة، ومن رحم تلك المهددات تبرز مصادر القوة الوطنية .
لقد تعرضت عمان خلال تاريخها الطويل إلى كثير من الحروب الخارجية وصلت في بعض الأحيان إلى احتلال مباشر، كما حدث في القرن السابع عشر من قبل البرتغاليين، والقرن الثامن عشر من قبل الفرس، وإن كانت تلك الحالات في أجزاء محددة من الإقليم، إلا أنه سرعان ما يعود العمانيون لتوحيد جبهتهم الداخلية والعمل على طرد الغزاة والمحتلين، وهو ما حدث مع كل الغزاة في العهد القديم والحديث، وهذا ينطبق أيضا على العديد من الأقطار العربية كاليمن ومصر وسوريا والعراق كونها الدول الأكثر عراقة، وهذا المهدد الخطير تعرضت له مؤخرا بعض الدول العربية فحاولت قوى الاستعمار تفكيكها وتقسيمها حسب خطط معدة سلفا لذلك لكنها فشلت مما يؤكد على صلابة هذه الدول. وهنا تبرز مصادر القوة التي تحتفظ بها هذه الدول ممثلة بالقوة العسكرية والسياسية والاقتصادية وقدرات شعوبها وإمكاناتها المتجددة. وبالنسبة لهذا الوطن العزيز فقد فرضت الظروف نفسها في تجارب سابقة ومنها في عهد قريب، وأثبت هذا الوطن قدرته على تجاوز تلك المهددات بما يمتلكه من شعب عريق ذي شكيمة وبأس شديد وقدرات حكامه واستخدام بقية أوراقه في تجاوز تلك الظروف .
التهديد السياسي هو عدم قدرة الدول والأنظمة الحاكمة على مجابهة المشكلات السياسية والأزمات الحادة التي تفرضها الظروف الدولية والقوى الدولية والأقليمية والتي قد ينتج عنها ضغوط سياسية، ومنها ما يتعلق بالتورط في صراعات وأزمات داخلية وخارجية، وكذلك ما يتعلق بعدم قدرة الدول على الدفاع عن مصالحها في المؤسسات الدولية، وعدم قدرتها على كبح جماح القوى الدولية التي تحاول التأثير على القرار السيادي والاستقلال الوطني، ومجابهة ذلك التهديد تعتمد على قدرة النظام الحاكم وأوراقه السياسية المستخدمة وقدراته في المناورة والتأثير السياسي. ولا شك أن الأنظمة العتيدة والقيادات الحكيمة هي صمام الأمان والضامن الرئيس للأمن الوطني، والسلطنة لله الحمد حظيت بتلك الأوراق والقدرات الذاتية، وهنا تبرز الثقة الشعبية الوطنية العارمة والثقة الدولية بما تمتلكه السلطنة من مزايا في هذا الجانب، وقد برهنت على قدراتها السياسية والدبلوماسية في مختلف الظروف والأزمات السياسية الدولية، وهو ما يعد دليلا على النهج السياسي الفريد للسلطنة وقدراتها السياسية المتقدمة .
المهدد الثالث والأخير الذي نستعرضه في هذا المقال هو المهدد الاقتصادي، وهو الأخطر في ظل الأوضاع الراهنة والأزمات المالية الدولية، ولن أتطرق هنا إلى المسببات المؤثرة على الأوضاع الاقتصادية فهناك هموم وطنية قائمة ولكن علينا البحث عن الحلول، ولذا فإن التلاحم الوطني مطلوب بقوة في هذه المرحلة، لأن الطرح السلبي لا يقدم شيئا إلا مزيدا من السلبية، ولكن تعزيز اللحمة الوطنية وعدم الضغط على المواطن بشكل مستمر خصوصا ما يتعلق بتزايد الضرائب، وبالتالي فإن هناك مجالات قد تطرقها الدولة وهي أقدر على ذلك وجديرة وأكثر بصيرة، ونقترح من هذا المنبر الوطني الاعتماد على أصحاب رؤوس الأموال في رفد الاقتصاد الوطني، فرجال المال الوطنيون والوافدون الذين أمضوا سنوات طويلة في السلطنة لم يتحقق لهم هذا الثراء إلا من خلال تشغيل الاقتصاد الوطني والاعتماد عليه، وقد آن الأوان أن يقوم هؤلاء الرجال بدورهم في رفد الاقتصاد الوطني بنسب محدودة لا تتأثر منها ثرواتهم لرد الجميل لهذا الوطن، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان؛ فالوطن للجميع وحمايته والدفاع عنه من مسؤوليات الجميع، وأهل الغبيراء قادرون على تحمل مسؤولياتهم الوطنية في مثل هذه الظروف كجزء من الحل، وكل ما على الدولة هو التوجيه نحو هذا المشروع الوطني، وعلى رجال عمان المبادرة .
خميس بن عبيد القطيطي