مسقط في 6 سبتمبر /العمانية/ يقدِّم الفنان التشكيلي علي الجهوري تجربته الفنية بعمق
الرؤية الفنية البصرية المُغايرة؛ فهو يسلك واقع الفن من خلال تجميع بقايا الحديد
المُستهلكة وإعادة تدويرها بواسطة اللحام الحراري، ليخرج بها قطعة فنية مبهرة، هكذا
عُرف عنه ومَن معه مِمَّن أتقنوا فن التشكيل البصري المادي والملموس، فهو بلا شك يقدِّم
تلك الأفكار التي طرحها المذهب التشكيلي العالمي المعروف بـ”الفن الجاهز”، الذي يقوم
على أساس توظيف الأشياء المُشَكَّلة طبيعيًا أو المصنوعة من قِبل الإنسان والتي عادة ما
تُعطي دلالات ورؤى تعبيرية جديدة تأتي من خلال دمج مجموعة الأشياء في نطاق
تشكيلات مبتكرة تتنافى مع الأشكال الوظيفية العادية التي وجدت من قبل لتظهر برؤية
فنية معبّرة مختلفة.
المتابع لسيرة الفنان الجهوري، يرى أنّه قد استمد تجربته من خلال تلك الأعمال
والمشاركات الداخلية والخارجية، والتفاعل المباشر مع زملاء المسيرة الفنية. وللمهنة
الوظيفية دور بالغ في ذلك مرورًا بكونه عضوًا في الجمعية العُمانية للفنون التشكيلية،
وفاعلاً مهمًّا في مرسم الشباب، وعضوًا مؤثرًا في بيت فن صحار.
يصف الفنان الجهوري تجربته بدءًا من تأثر ذات الفنان بمحيطها الخارجي والمجتمع،
فهو يُشير إلى أنّ البدايات لا بد أن تكون مواكبة لكل تأثير خارجي، ويعتبر حقيقة الفن
على مرّ العصور مصدرًا مهمًّا من مصادر التوثيق الحضاري، يوظف من خلاله خبراته
الفنية لتوثيق تلك الأحداث والقضايا المهمّة.
وحول ما أحدثته جائحة كورونا في حياة الفنانين، يقول الجهوري: تعدّ تداعيات جائحة
كورونا إحدى أهم القضايا المعاصرة التي عبّر عنها الفنان وذلك في اعتقادي من خلال
التعايش معها؛ فالمتتبع لهذه القضية الصحية الإنسانية والاجتماعية يشهد تسابق الفنانين
لتوثيق تداعياتها، كل حسب مجاله الفني.
ويُضيف: على المستوى المحلي فإنّ المعرض الفني /صامدون رغم الخطر/، الذي نظّمه
النادي الثقافي في يناير ٢٠٢١م لهو مثالٌ على تتبُّع وقع هذه الجائحة، وقد شاركتُ في هذا
المعرض من خلال عملي الفني /كورونا بين الرعب والأمل/، وذلك تأكيدًا على دور
الفنان العُماني في إبراز ما أفرزته هذه الجائحة وتعزيزًا لدور الطاقم الطبي وبمشاركة
مجموعة من الفنانين العُمانيين في مختلف المجالات، ليُظهر ذلك العمل ما سبّبته الجائحة
من أزمات صحية واقتصادية واجتماعية، وتقديم الجانب المظلم لها، في المقابل لا ننسى
الجانب المضيء لها، وما حملته من رسائل إيجابية حول التزام الفرد بالعادات الصحية
السليمة وانتشار التعليم عن بُعد، والتسوُّق الإلكتروني وغيرها، وأضيف قولاً إنّ جائحة
كورونا أوجدت لي المشاركة في المؤتمر الدولي للفنون بالجمهورية العراقية، الذي نظّمته
جامعة القادسية من خلال عرض ورقة بحثية عن الجائحة والحديث عن عملي الفني /
انتشار/ والذي يوضح كيفية انتشار هذا الوباء في العالم مسيطرًا على مختلف جوانب
الحياة، ومسببًا مجموعة من الأزمات الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
الوسط الفني التشكيلي في السلطنة بلا شك تتقاطع أفكاره ورؤاه، وهنا يُفصح الفنان
الجهوري عن علاقته به، وعوامل الجذب إليه، وعن كيفية استطاعته إيجاد واقع فني
خاص به من خلاله؛ فهو يُشير إلى أنه لا بد للفنان أن يكون على اطلاع مباشر بالوسط
الفني الذي ينتمي إليه؛ لما له من ثراء فكري ومعرفي، فالتعرُّف على تجارب الفنانين –
بحسب رأي الجهوري – يُكسب الفنان المزيد من الخبرات الفنية، والمعالجات والتقنيات
والمعارف، ويقول في هذا الأمر: اعتبر التواصل مع الفنانين والمشاركة معهم في
المعارض الفنية بمثابة مدرسة فنية اكتسب منها العديد من الخبرات؛ فعادة ما يكون
الوسط الفني غنيًا ومتنوّعًا بمجموعة من الخبرات الفنية، التي لها تاريخ مُمتد عبر سنوات
من الخبرة، كذلك هناك جيل من الفنانين الشباب يبشّر بمستقبل فني واعد، وهذا التنوُّع
يُثري الوسط الفني ليجعل منه بيئة جاذبة وغنية ومتنوّعة في الخبرات، وقد استطاع الفنان
العُماني أن يشق طريقه بكل ثقة على المستويين المحلي والعالمي من خلال المشاركات
العالمية في مختلف الفعاليات الفنية كالمعارض والبيناليات والملتقيات الفنية.
ويؤكد الجهوري حول استطاعته إيجاد واقع فني خاص به: تفرَّد أسلوبي الفني عن
التجارب الفنية الأخرى من خلال الجمع بين التشكيل الفني المجسم وتوظيف الخامات
الفنية المُستهلكة والتجهيز بالفراغ؛ فالتجريد الفني سمة مميّزة لأعمالي الفنية المبنية على
جماليات الخامة والمعالجات الفنية وما يحمله العمل الفني من مفاهيم وقيم جمالية وتعبيرية
ورؤية فلسفية يتذوقها المتلقي والمشاهد.
ولا يبتعد الفنان علي الجهوري عن ماهية الرسالة الفنية لديه وحقيقتها، والواقعي من
المتخيّل فيها، وكيف أصبحت في صورتها الحقيقية لتكون ملموسة مع المتلقي والمتابع
لك، وهنا يوضح بقوله: عمومًا، لعل أهم رسالة للفنان هي رسالة سامية هدفها نشر الثقافة
الفنية وتنمية الحس الجمالي لدى المتلقي، من خلال ما يعرضه الفنان من تجارب وأعمال
فنية تهدف إلى إيصال مجموعة من الأفكار التي تعبّر عن القضايا والأحداث التي يعيشها
الفرد والمجتمع والعالم أجمع، وبلورتها وفق مجموعة من القيم الجمالية والتعبيرية
والفلسفية، وتجربتي الفنية التي اتَّجهت نحو المدرسة التجريدية في جميع أعمالي الفنية
والتي تنوّعت بين التشكيل الفني المجسم والنحت، والتي أبدع الفنان في صياغتها في
قالب فني امتزج بين التجريد والخيال، جعلت من أعمالي الفنية متفرّدة في الأسلوب
والخامة وجاذبة للمتلقي لما تحمله من دلالات فنية وفلسفية يحاول سبرها والتعايش مع
معناها وفقًا لخبراته الفنية ليسرح بخياله الواسع.
يوضح الجهوري ارتباطه الوثيق بـ /الفن الجاهز/، وهو القريب إلى علاقة التواصل بينه
وبين التشكيل أيضًا، وفي هذا الشأن يكشف تلك العلاقة وماهيتها معه، وعن نتاجه
الشخصي حيث خصوصيتها على مدى السنوات الماضية، وهنا يُفصح الجهوري بحديثه:
امتزج أسلوبي الفني بين التشكيل الفني المجسم والتركيب أو ما يُعرف بالفن الجاهز من
خلال توظيف مختلف الخامات الفنية ومن أهمها خامة الحديد والتي تتم معالجتها من
خلال اللحام الحراري، كذلك توظيف الخامات الأخرى والتعامل معها بمختلف المعالجات
الفنية كخامة الفوركس والأكريلك والنحاس والريزن والنحت على الرخام، ولعل السنوات
العشر الأخيرة كانت من أهم المحطات التي استطعتُ فيها بلورة أفكاري الفنية وصقل
أسلوبي الفني وصولاً إلى تجارب فنية ناضجة، فقد وظّفت فيها خامة الحديد المستهلك في
نتاجات فنية حملت في طياتها مجموعة من القيم الجمالية والتعبيرية والنقدية للمتلقي، هذا
ما نتج عنه حصاد العديد من الجوائز في المعارض الفنية على مستوى السلطنة على
سبيل المثال: الجائزة التقديرية للمعرض السنوي للجمعية العُمانية للفنون التشكيلية
٢٠١٥م والجائزة الثالثة في النحت في المعرض السنوي للجمعية العُمانية للفنون التشكيلية
٢٠١٨م، والثانية في مجال النحت في المعرض السنوي للجمعية العُمانية للفنون التشكيلية
٢٠١٩م.
المتتبع لأعمال ومشاركات الجهوري يجد مجموعة من المشاركات التي كان لها التأثير
المباشر في مسيرته، خاصة الخارجية منها، وهنا يصفها بأنها رافد لإسهام إيجابي
لتجربته، في المقابل هي من الاحتياجات الضرورية في مسيرة الفنان، وهنا يُشير إلى أن
تلك المشاركات لا تزال عالقة في المخيلة لربما أهمها المشاركة في الملتقى العُماني
التونسي بمدينة صفاقس ٢٠١٦م والمشاركة في صالون موناكو الدولي للفنون بفرنسا
٢٠١٧م، والمشاركة في بينالي ساريا الدولي للفنون بالعاصمة الإسبانية ٢٠١٨م، وكذلك
زيارة العديد من الحلقات الفنية في مدينة كرارا الإيطالية والاطلاع على تجارب النحت
للفنانين في عام ٢٠١٨م والتعرُّف على الاتجاهات الفنية الحديثة وما وصل إليه الفنان
على مستوى العالم من تقنيات وأدوات أسهمت في صقل خبراته الفنية والرقي بها، مع
الإلمام بمختلف المعارف الفنية والفلسفية والتوجهات الحديثة وغيرها الكثير من
المشاركات.
/التجهيز في الفراغ/ رؤية فنية لطالما كان الفنان الجهوري قريبًا منها، فقد رافقته في
أعمال فنية، وهنا يُشير إلى أثر وقعها في أعماله المتعددة، ومدى قدرتها على اكتشاف
سلوكه الفني وابتكاراته المتداخلة، وفي هذا الشأن يبيّن: تعدّ تجربة التجهيز من التجارب
الفنية الناضجة التي جاءت لتؤكد على المستوى الفني للفنان، وهو يعدّ من الاتجاهات
الفنية الحديثة التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي، وقد جاءت تجربة التجهيز في
الفراغ من خلال العمل الفني /انتشار/، والذي عبَّر عن جائحة كورونا وما صاحبها من
أزمات صحية واجتماعية واقتصادية، والذي شارك به في المؤتمر الدولي للفنون بجامعة
القادسية بجمهورية العراق في نوفمبر ٢٠٢٠م، كذلك يعدّ التجهيز في الفراغ من
الاتجاهات التي تؤكد على نضج الفنان من ناحية التجربة الفنية؛ فالتحكم بالفراغ أثناء
عرض التجربة وبطريقة فنية مبتكرة دليل واضح على تمكن الفنان فنيًا ومعرفيًا ومهاريًا.
للفنان الجهوري العديد من التجارب الفنية التي تُضاف إلى مسيرته بما في ذلك تجربته مع
مخيّم النحاتين الدولي، والذي تحتضنه مدينة صحار منذ فترات ليست بالقصيرة، وهي
تجربة نحسبها “ثرية”، وفي سياق هذه التجربة يقول: تعدّ تجربة مخيّم النحاتين الدولي
والذي تنظمه مجموعة فن صحار، من التجارب الفنية الرائدة والتي كان لي الفخر
بمشاركة مجموعة من الفنانين ضمن مجموعة فن صحار في عام ٢٠١٤ م، وكان الهدف
منها جعل مدينة صحار ملتقى للفنون وكغيرها من المدن الثقافية العالمية، وجذب الخبرات
الفنية العالمية في مجال النحت على الرخام، والاستفادة من التجارب الفنية للفنانين
العالميين، حيث إن المخيم يعدّ بيئة جاذبة للفنان العُماني للاطلاع على تجارب النحت
العالمية وأهم الأساليب والمعالجات الفنية والتقنيات الحديثة في مجال النحت على الرخام،
وكذلك يعدّ المخيم ملتقى للثقافات العالمية تُسهم في صقل خبرات الفنان المعرفية
والمهارية، كما أن النسخ الجديدة للمخيم شملت مجموعة من الورش الفنية المصاحبة
يقدّمها عدد من الفنانين العالميين تستهدف المواهب الفنية والفنانين.
وعن علاقته بـ /بيت فن صحار/ يقول الفنان علي الجهوري: في عام ٢٠١٤م تأسس بيت
فن صحار ليكون الثمرة الرائدة لذلك الحلم بفضل الفنان النحات علي الجابري، ليكون
أول مؤسسة فنية خاصة بمدينة صحار تقدِّم مجموعة من الخبرات وحلقات العمل
والبرامج الفنية وتوفير مختلف الخامات والأدوات للفنانين.
/العُمانية/
خ م ي س