راشد بن حميد الجهوري
يحكى أن معلما للقرآن الكريم كان يستخدم أسلوبا مميزا في التدريس، حيث كان يحمل في يده عصا يصل طولها مترا إلا ربع اقتطعها من إحدى الأشجار في مزرعته تسمى (السفرجل)، وهي شجرة من الحمضيات اللذيذة، وعند ركبته اليمنى كيس مملوء بالثمار من نفس الفاكهة، فمن يكون متميزا في الحفظ يأخذ ثمرة واحدة من الكيس، والآخر المقصر يذوق طعم العصا مضافا إليه طعم الحرمان من الفاكهة، واستمر على هذه الحال إلى أن ماتت شجرة السفرجل الوحيدة التي كان يمتلكها، فبقيت العصا وفرغت الكيس من الثمار، واختل بذلك ميزان الثواب والعقاب لديه، واحتار في إيجاد حل لهذه المشكلة، وخشي أن يؤثر ذلك على تقدم طلابه في التعليم، وكان بعض الطلاب يعودون إلى بيوتهم، يحكون لآبائهم كيف أصبح المعلم بخيلا، ولا يعلمون أن شجرة الهدايا اليومية التي كان يقطف منها المعلم الثمار قد ماتت، إلا عجوزا حكيمة أرادت أن تعرف الحقيقة، فمرت ذات يوم بالقرب من مزرعة معلم القرآن فرأته يغرس شتلة سفرجل صغيرة بالقرب من الكبيرة التي يبست أغصانها، فقالت في نفسها: (تموت الأشجار في الأرض، ولا تموت المكرمات في النفوس).
وبعد: فعصا السفرجل تعطي إيحاءات تربوية في عصر الرقميات تختلف عن عصر القصة، وكذلك فثمار السفرجل استبدلت بالألعاب الذكية، ومزيد من الرفهاية في كل جوانب ، وكل ذلك يجعل مهمة المربي أصعب، فهو أمام جيل منفتح، ومتعدد الخيارات، وفي عصر متسارع، ولكنه في كل الأحوال يمتلك مقومات الإبداع والإنجاز إن هو استثمرها، كما نحتاج مع العصا والثمرة إلى بيئة محفزة تكتشف المواهب، وتوجهها نحو النهوض العلمي والحضاري الذي ينطلق من كتاب الله تعالى.
وختاما: لم يتحول المعلم في القصة إلى شخص بخيل، ولم يكن استقصاء العجوز للحقيقة تجسسا، وبين الاستعجال في الحكم على الأمور وتقصي حقائقها مساحة من حسن الظن وقول المعروف، والعاقل الفطن من أتقن العمل بها كمنهجية في حياته.
راشد بن حميد الجهوري