حامد بن سلطان السمار البوسعيدي –
من يطالع المادة 65 من النظام الأساسي للدولة، يدرك أنها انعكاس للنهج السامي الذي اختطه جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- في إدارة شؤون الحكم بالبلاد، من خلال تطوير الجهاز الإداري للدولة، وتغيير فلسفة الأداء الحكومي بشكل خاص، حيث إن هذا النهج يعد نقلة نوعية في العمل الإداري على هذا المستوى الرفيع بالسلطنة، ويؤكد حرص جلالته على رفع كفاءة الجهاز الإداري للدولة وتطوير أفكار القائمين عليه، من خلال وضع أسس ومعايير محددة لمتابعة وتقييم أدائهم كونهم قمة هرم السلطة، والمسؤولين في المقام الأول عن رفع معدلات الأداء في القطاع العام، ليكون قادرًا على المساهمة الفعالة والحقيقية في مسيرة التنمية الشاملة، وتلبية احتياجات المواطنين وخدمة الوطن.
والمتتبع لخطابات جلالته -أعزه الله- منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم، سيدرك أن هناك إرادة سياسية واضحة من لدنه لتبني الحوكمة الجيدة كمنهج راسخ في بيئة عمل كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها، حيث المتابعة والتقييم أحد أهم عناصرها التي لا بد منها لتفعيل مبدأ المساءلة والمحاسبة، وهذا من شأنه تعزيز ثقة المواطنين وكل من يعمل على أرض السلطنة في مؤسسات الدولة بمختلف قطاعاتها.
ورافق هذه المادة حالة ترقب للأمر السلطاني الذي سيصدر ويتضمن تشكيل اللجنة ونظام عملها، لكنني أشعر بالثقة، وأدعو الجميع لمشاركتي هذا الشعور، من أن تفعيل المادة وتشكيل اللجنة سيحمل في طياته دلالات واضحة على أن المنصب الحكومي تكليف ومسؤولية، قبل أن يكون وجاهة وبروزًا اجتماعيًا، كما أنها تأكيد على أهمية الدور الملقى على عاتق الجهاز الإداري للدولة في دفع عجلة التنمية، وستكون رسالة قوية لكل مسؤول بالدولة بأن بقاءه في منصبه من عدمه مرهون بكفاءته في إنجاز العمل المنوط به، وفي مساهمته الفاعلة في تطوير العمل وإطلاق ملكات التميز والإبداع، حيث هناك عملية تقييم مستمرة، تتم وفق نظام علمي ذكي ودقيق يتسم بالشفافية والمصداقية، الأمر الذي من شأنه وأد الشائعات، وتعزيز ثقة القطاع الخاص والمستثمر الأجنبي والمواطن في أجهزته ومؤسساته الحكومية.
كما أن تبعية اللجنة لجلالة السلطان -أعزه الله- دليل على الرعاية السامية والإيمان الراسخ من لدن جلالته، بضرورة تحمل القائد مسؤولية أداء حكومته، ورسالة واضحة للقائمين على الجهاز الإداري للدولة بأن يحذوا حذوه في تحمل مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية تجاه مؤسساتهم.
استحداث هذه اللجنة يتماشى مع أهداف واستراتيجيات رؤية عمان 2040 التي ارتكزت على الحوكمة كإحدى دعائمها الأساسية، وهذا ليس بغريب، فالسلطنة من أوائل الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي استحدثت مبدأ تقييم أداء مجالس الإدارات على مستوى الشركات المساهمة العامة في عام 2015م، ونالت آنذاك الإشادة الدولية من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
هناك فوائد عديدة ستنعكس على الأداء الحكومي جراء تفعيل اللجنة، أهمها غرس ثقافة المنافسة بين المؤسسات والمسؤولين ومحاولة التميز في إدارة العمل داخل الوزارات والهيئات الحكومية، الأمر الذي سيقود إلى تطور أداء الجهاز الإداري وتحسين جودة الخدمات المقدمة، والأهم معرفة جوانب القصور في أداء الوزارات والهيئات ومعالجتها، والحد من تضارب المصالح ومكافحة الفساد وتعزيز قواعد السلوك المهني والأخلاقي.
فتفعيل اللجنة ستكون له أبعاد وأهداف إيجابية تصب في مصلحة المسؤول أولاً والمؤسسة التي يديرها، فإنجاز الأهداف والنتائج المرجوة سيترتب عليه تحقيق المسؤول لمكانته الذاتية وخدمة وطنه في المقام الأول، والمكافأة والتقدير من الدولة بتجديد الثقة فيه واستمراره في منصبه أو ترقيته لوظيفة أعلى، كما أنها ستكون أداة كفؤة وحيادية لاختيار القيادات المتميزة في المكان المناسب.
تشكيل اللجنة وحسن اختيار أعضائها، سيكون شرطًا أساسيًا لنجاح عملها، وتمكينها من القيام بواجباتها، فيجب أن تتوافر في أعضائها أعلى معايير النزاهة والاستقامة والإلمام بقضايا العصر وتحدياته محليًا وخارجيًا، والخبرة الواسعة في شتى المجالات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية وأن يتمتع أعضاؤها بالاستقلالية التامة والتفرغ التام لعدم تعارض المصالح.
كما أن معايير التقييم يجب أن تكون مدروسة بدقة وقابلة للقياس وفق أسس ومحددات شفافة، وأن يدعم عمل اللجنة بكادر إداري وطني عالي التأهيل والكفاءة والثقافة المتنوعة لمساندتها في عملها، ويعزز عملها بأنظمة إلكترونية ذكية متطورة لقياس الأداء، بعيدًا عن التدخل البشري أو التلاعب بها؛ مستندة في ذلك على نماذج دولية معتمدة لتقييم الأداء، وأن تتعاون الجهات المعنية معها كوحدة تنفيذ ومتابعة الرؤية، والأمانة العامة لمجلس الوزراء في تزويدها بالمعلومات وتقارير خطط العمل والمؤشرات والنتائج، ويجب أن يتسم عمل اللجنة بالسرية التامة.
اللجنة ستكون بمشيئة الله، خطوة في المسار الصحيح لوضع السلطنة على الطريق الصحيح للإصلاح والتطوير الإداري، لتكون في مصاف الدول المتقدمة، ويمكن أن تكون بمثابة القاطرة التي تسير بعمان إلى مستقبل مشرق يجد فيه الموهوبون والأكفاء الفرص المستحقة لخدمة وطنهم، بما من شأنه الإسهام في دفع عجلة التنمية الشاملة إلى الأمام.