إعداد: د.محسن الكندي –
(الإهداء : إلى الصديق الدكتور سيف الرمضاني شاعرًا. ومضات تاريخية من ريفكَ الحبيب)
لا يكاد مصدر من مصادر الشِّعرِ العُماني أو معجم من معاجمهِ في القرن العشرين إلا ويكون اسمُ الشيخٍ الوجيه القاضي خالد بن هلال بن سالم بن مانع الرحبي مدوَّنًا فيه، فهو واحدٌ من شعراءِ القطر العُماني في النِّصفِ الأول من القرن العشرين الذين تناثرتْ أشعارهم في ثنايا المصادر الأدبية المخطوطة والمرويّة والمنشورة، وبين ثنايا المنسوخات والمدونات الحديثة، واستطعنا أن نجمَعَ شيئًا منها ملفتين النظر إلى أهمية اسمه وتجربته في مدونتنا التي عقدناها له عام 1998م، وأكدَّنا فيها على شاعريته المميزة كونها تندرجُ ضمنَ سياقِ مَدْرسةٍ شعريةٍ عُمانية تقليدية صِرْفَة قوامَها وحدة البيت وعضوية القصيدة وتفاعلٍ ملموسٍ مع مجرى الأحداث التي اعتملت المجتمع في فترة حاسمة من حياة أهله، وكان له وقعٌ عليه فَسَجَّلها ورصدَها ووثقها، وقال كلمته فيها بقصائد طويلة بلغت أبيات بعضها أكثر من سبعين بيتاً؛ جرى ذلك وفق تجربة شعرية تقترن بثقافته الحديثة المتأسسة على قراءة مستفيضة لروّاد مدرسة البعث والإحياء في الشعر العربي؛ إذ هو قرأ لشوقي وحافظ والبارودي ونظائرهم واطلع من خلال الصحافة العربية القديمة على مسارات الشعر العربي واتجاهاته الرومانسية والكلاسيكية والواقعية، فاختار منها ما يلبي شأفته و صَقل موهبته، والواضح أنه تأثر بها فَخَمسّ قصيدة شوقي الشهير «ألما الخلف بينكمُ ألاما..» في أربعة وعشرين مقطعًا طالعها يقول:
خذوا مني التحية والسَّلاما
حُماة عُمان واسمعوا كلاما
أقدّمه ودادًا واحترامًا
إلام الخلفُ بينكمُ إلاما
وهذه الضجةُ الكُبرى عَلاما
كما أبدع أبياتًا وقصائد وجدانية في غاية الجمال وخلق صورًا في قمة التحليق والهيام، ويمكن اكتشاف ذلك في قراءة موسَّعة لشعره وخاصة للقصائد التي اتسمت بمطالع وأبيات زانتها قوة السبك وجزالة اللغة وقوة الأداء المؤثر في المتلقي.
مناخاته ومؤثرات شخصيته الأدبية
الشيخُ خالد بن هلال في الاعتبار شخصيةُ قبلية وقضائية وأحد رجالاتِ المجتمع العُماني، وهو سليلُ مرحلةٍ أدبيةٍ خصبةٍ انتمى إليها أغلبُ شعراء عصره من أمثال قضاة الأئمة وفقهائها وعلمائها لعل أهم مَنْ يتوّجَههم ويتربعُ على كرسيِّهم العالي «أشعرُ العُلماء وأعلم الفقهاء» أبو مسلم البهلاني الذي لا شك أن الشيخ الرَّحبي قرأ له وسمع عنه، وعاصره إبان إقامته في زنجبار في مطلع شبابه، وكذلك قرينه الفقيه الشاعر الشيخ أحمد بن سعيد الخليلي، والشيخ سليمان بن عمير الرواحي، والشاعر الأديب عبدالرحمن بن ناصر الريامي، والشيخ سعيد بن راشد بن سليم الغيثي، والشيخ عبدالله بن صالح الفارسي، والشيخ المعلم عبدالرحمن بن محمد الكندي، والشيخ سيف بن سالم بن هاشل المسكري، وصالح بن علي بن مسلم الخلاسي، والقاضي قسور بن حمود بن هاشل الراشدي وغيرهم من شعراء المهجر الإفريقي الذين ملأوا الساحة الزنجبارية بقصائد وأدبيات ظلت محفوظة في صفحات الصحف المهاجرة على نحو ما أبنّا ذلك في حلقات دراستنا السابقة.
وفي عُمان فهو بالطبع سليلُ المدرسة العُمانية التقليدية بكافة أطيافها السمائلية والنزوية والأزكوية والرستاقية، وقد أنجبت على الدوام شعراء مهمين عاصر بعضهم تفاعل مع بعضهم الآخر ونسوف منهم للتمثيل: شيخ البيان ابن شيخان السَّالمي، والشيخ عبدالله بن سعيد الخليلي، والعلَّامة النحوي حمد بن عبيد السُّليمي، وأبو الصوفي سعيد بن مسلم المجيزي، والشيخ القاضي عامر بن خميس بن مسعود المالكي، والشيخ خلفان بن جميـّل السيابي، والشيخ حمود بن حمد الحراصي، والشاعر سالم بن سليمان بن عمير الرواحي، والقاضي سيف بن حمد بن شيخان الأغبري، والشيخ عيسى بن صالح بن عامر الطائي، والمؤرخ سالم بن حمود السيابي، والقاضي هاشم بن عيسى الطائي، والشيخ عيسى بن ثاني بن خلفان البكري والأديب سعيد بن سليـّم القصَّابي، والشيخ سليمان بن محمد بن أحمد الكندي، والقاضي عبدالله بن سليمان بن عبدالله النبهاني، والقاضي عبدالله بن عامر بن مهيّل العزري، عبدالله بن غابش الحبشي (أبو الخير) وأخيرًا في وقتنا المعاصر الأستاذ موسى بن عيسى بن ثاني البكري، والشيخ عبدالله بن علي الخليلي، وأبو سرور والأديب محمد بن راشد الخصيبي وغيرهم من الذين جاءوا بعده وقرأوا شعره وعرفوه عن قرب وبعضهم من ترجم له وذكره في قصائده ومنظوماته ، ويمكن العودة في ذلك إلى «شقائق النعمان» وكتاب «التراجم» وديوان أبي سرور الذي يمتلئ بذكر أغلب شعراء سمائل وعُمان قاطبة في منظومات توثيقية موسَّعة.
على الصَّعيد الأسري جَرَى الشعرُ في بيئة شاعرنا «سرور» القرية الوادعة الجميلة، التي يتسمّى باسمها كما يقول الدكتور سيف الرمضاني في مقاله عنه، وكذلك في أسرته وبين جنبات قريته، فقد وجدنا أن أخاه الشيخ ناصر بن هلال الرحبي كتب الشعر وله منظومة نُشِرت في صحيفة «الفلق» بتاريخ 18 صفر 1378هـ الموافق للثالث من سبتمبر 1958م وعدد أبياتها ستة عشر بيتًا منها:
نسيمٌ سَرى سَحْرًا يبشرُ مُعْلنًا
بأنَّ سرورَ الدَّهرِ حقُ له الهَنا
وأيضًا الشيخ أحمد بن محمد الرمضاني. الذي نُشَرت له قصيدة في «الفلق» بتاريخ 18 صفر 1378هـ كما ذكرنا في الحلقة (27) من هذه الكتابات.
لقد مثلت قصائد الشيخ الرحبي الشعرية المنتمية إلى هذا الطيف الشعري قاطبة قيمة تاريخية بالغة الأهمية كونه أحد شهود عيان على مرحلته وواقعه وكونه مشاركا ومتفاعلا لما اعتمل مجتمعه من تحولات سياسية واجتماعية لم يخف فيها انتماءه لمؤسسة الإمامة الحاكمة في عصره؛ لهذا يعدّها كلُّ من كتبَ عنه مُندرجةً ضمن مصطلح يُسمّى «بالإماميات» وفيها يوثق الشيخ الرحبي عهود الإمامين الرضيين سالم بن راشد الخروصي، ومحمد بن عبدالله الخليلي، ويذكر منجزاتهم وما تسميه كتب التاريخ « تجوزًا، أو قل مغالطة «بالفتوحات» وما هي لعمري إلا إخضاعات عسكرية ولا علاقة لها بالفتح؛ إذ هي تمت في ديار المسلمين الذين يختلفون معهم في الموقف السياسي لا غير.
في مدونة التراجم والسير
تحيلُ ترجمته التي استخلصناها من مراجع عديدة ودوَّناها عام 1998في كتابنا «معجم شعراء عُمان في القرن العشرين» إلى مرجعيات أسرية وحياتية مختلفة؛ فتنصُّ باقتضاب على «أنه من مواليد قرية «غرابة» بولاية بدبد حوالي عام 1325هـ، في تاريخ مفقود أشار إليه من كتب عنه في إحدى المواقع الإلكترونية، غير أننا نقرّبه ميلاديا بعام 1905 قياسًا إلى ما أشار إليه الشيخ عبدالله الخليلي المعاصر له في كتابه «التراجـم ورقة 17 حيث قال: إنه وُلد في العقد الثالث من القرن الرابع عشر، وأنه توفى وهو في الخمسين من عمره» وإذا علمنا تاريخ وفاته فليس بالمتعذر قياس تاريخ ميلاده فهذه دالة عليه وعلامة تقريبية على ميلاده.
تعلَّم الشيخ الرحبي أصول الفقه واللغة في سمائل، ثم في نزوى حاضنة العلم ومركز التعليم في عصره وكشأن أقرانه العمانيين سافر إلى زنجبار في طالع شبابه للعمل وطلب الرزق، وأقام فيها مشتغلًا بالتدريس، ونشر في صحافتها قصائده متعددة. تتميز المرحلة الزنجبارية في حياته بالتفاعل مع المحيط الجديد الذي وجَدَ فيه ضالته الثقافية وانخرط في محيطها فكان من زملائه وأقرانه هناك فوصف زنجبار بقصائد ومقاطع منها رصدناه في صحيفة الفلق منها:
زمانٌ مضى في «زنجبار» فأشرقتْ
بأيامه الغُرِّ أكوان وسيلم
زمانٌ به عودي رطيبٌ ومربعي
خصيبٌ ووجه الدَّهر لي متبسمُ
شفيتُ بذاك الدهر داري لأنه
لكلِّ جريح القلب والجفن مرهمُ
كما كتب في هذه المرحلة قصائد أرخها ناسخ الرمضاني بأعوام 1350هـ، و1351 وفيها نجد قصائد إخوانية نظمها في صديقة الشيخ أبي الحارث «الرواحي» والشيخ سالم بن محمد الرواحي وغيرهما، ولما عاد من زنجبار واستقر به النوى وألقى عصا الترحال بدأ في رسم مسارات حياته فاتصل بمؤسسة الإمامة وتولّى القضاء فيها سنة 1367هـ في زمن الإمام الخليلي على وادي دماء والطائيين، ومن ثم على بدبد، وبعدهما حلَّت به ضائقة أدت إلى تأثره كما أشار كاتب ترجمته المنشور إلكترونيًا، ونظنه الدكتور سيف الرمضاني، وكان حازمًا في أحكامه شهد له من عرفه، وله من القصص النادرة الدالة على حزمه وقوة أحكامه استمعنا على بعضها من لدن أستاذنا الأديب الفلاحي. أمَّا تاريخ وفاته فتتحدد مكانيًّا وفق ما ذكرته المصادر بقرية «سرور» من أعمال ولاية سمائل ومكانيًا بعام 1372/ 1953.
الشيخ شاعرا
ليس أدقُ وصفًا لشاعرية الشيخ خالد بن هلال من وصف أمير البيان لها في كتابه التراجم «ص (7) فهو»، يصفهُ بالأديبِ العبقري، وأنه شاعرٌ موهوبٌ يجيدُ السَّبك ويُحسِنُ الصناعةَ، لشعره رونقٌ جذاب قوةً في المعنى ومتانةً في التركيب وسلامةً في المأخذ ورشاقة في الأسلوب». ويُبدي الخليلي إعجابه بهذا الشاعر الوصّاف حتى أنه استشهد ببيتين من شعره تأكيدًا لعبقريته وطلاوة شعره هما:
قالتْ وقد سمعتني
أئنُّ مثلَ الجريحِ
أروحُ إن لم يئنّ لي
ما تشتكي قلت: روحي
ويقول عنه في موضع آخر: «إنه أنشط من عقاله وحداء العبقرية في مجاهل الخيال الساحر، فلم يشمس عليه، ولم تجمحْ عنه ذاكره، ولم ينضبْ له معين حتى توصل من الطريق المسدود إلى فتحة الواقع فذاك نور الطبيعة.. فأطلق جناحه للهواء الطلق وهو بين سارحٍ فيه وبارحٍ وسانحٍ وصادحٍ كأنما يحاولُ أن يطبق الموسيقى على اللحن، ويضمُّ الفن إلى الفن.. « نجد هذه الأوصاف كلها مجتمعة في أكثر من قصيدة ربما أكثر تجسيدًا وصفه لـ«سمائل» التي غادرها مهاجرًا في ريعان الشباب الأول، فاشتاق إليها فتجلت له عن بعد في صورٍ بانورامية عكستها أبياته القائلة:
ويا ابن المَعَالي والنَّدى ما «سمائلٌ»
سوى ثغرِ مَجْدٍ أنتِ منهُ التبسمُ
رحلتَ وأضحى جيدَها وهو عاطلٌ
خليًّا وأضحى صبحُها وهو أقتمُ
أمّا مرحلته القضائية في عهد الأمام الخليلي، فنجد فيها قصائده سياسية جمّة أوردتها كتبُ التاريخ العام بمطالع حماسية ذات جرسٍ رنانٍ وقوافٍ مطلقة ومقيدة، ومعجم جزل وعاطفة جياشة جاشت بها قريحته فأبدع الوجدانيات والشعر السياسي على نحو ما تبيّنها المطالع الآتية:
– هو الدهرُ يأتي أهله بالعجائبِ
ويدهشهمْ بالمبكياتِ الغرائب
– النصرُ جندك والزمانُ كلام
يا من علا شرفًا بك الإسلامُ
والشيخُ الرحبي شاعرٌ كلاسيكيٌ كنظرائه شعراء المرحلة غير أنه من أقواهم وأجزلهم وأكثرهم انفتاحًا، وتتمركزُ شاعريتهُ شعره في أغراض العلاقات الإنسانية والمواقف الفكرية وفيه بعض أشكال النزعات الفنية وهندسة النَصّ، وقد نظم في جميع الأغراض الشعرية المتصلة بها، وقال عنه الخصيبي في شقائق النعُمان 1 / 329: «إن له ديوانًا شعريًّا مخطوطًا عنوانه «السحر الحلال» غير أننا لم نتوصل إليه. وتوصلنا إلى قصائد أخرى مفردة مخطوطة بلغت قرابة خمسة وعشرين قصيدة ومقطوعة أغلبها في الشعر السياسي الذي استحوذ على نسبة وقدرها 40% من شعره، صنفناها في قصائد مفردة مخطوطة وأخرى منشورة، وقد بلغ عدّها في الأولى قرابة عشرين قصيدة بينما بلغت الثانية حوالي تسع عشرة قصيدة (على اعتبار تكرار النشر) ويمكن تقديم نماذج من روائع شعره المتصلة بأغراض العلاقات الإنسانية عبر قصيدتيه اللتين نظمهما في صديقه الحميم أبي الحارث الشيخ محمد بن سالم بن محمد الرواحي، الأولى بتاريخ 21 رجب 1351هـ والثانية بتاريخ 13 صفر 1350 هـ، وفي الأولى يقول:
أبا الحارثِ الميمونَ خذها تحيةً
لحضرتِكَ العليا طيبُ الثنا تُهْدى
عروسًا بملبوسِ الودادِ مُزانةً
معطَّرةً من طيبِ ذكركمُ الندى
أمّا الثانية فيهنئه بمناسبة برأه من مرضه، وفيها يقول:
نفسي فِداكَ من المُلّم الحَارث
يا نجلَ سالمَ التَّقي محمدٍ
عمَّ البَلاءُ ولا مراء على بني
والآن أصبحت البرية كلها
لم لا وإنك بالصديق أبر من
فاسلمْ ودمْ فوق الأنام مُبجَّلا
كما تحضرُ في مستوى النزعات الفنية على نحو ما نجد في المُخَمسات والمعارضات التي أورد دفتر الشيخ هاشل المسكري ضربا منها، إضافة إلى تلك الأسئلة التعليمية التي صدّرها للعلَّامة خلفان بن جميّل السيابي ووجدناها في ديوان «بهجة المجالس» ومنها التالي:
قُولا لخلفان فتى جُمَيِّل ٍ
ذي المجدِ والإحسانِ والتفضُّلِ
قم للمعارفِ وانشد كلَّ من وجدا
فكلُّ من جدّ فيما رامهُ وَجَدا
أمَّا نماذج شعره المبثوثة في ثنايا المصادر، فقد تناولناها في مدونة شعراء ونشير هنا إلى مصادرها الأهم، وهو مجموع الناسخ محمد بن حسن الرمضاني المخطوط وغير المعنون، ويحتوي على قرابة تسع عشرة قصيدة، وقد استقى منه الشيخ سالم بن حمد الحارثي في كتابه «روضة المستبصرين» زهاء ست قصائد، وتوجد له قصيدتين في مجموع الشيخ علي بن جبر الجبري، وكذلك في دفتر الشيخ هاشل بن راشد المسكري الذي أورد له مقطوعتان وقصيدة مكتملة، كما توجد له قصيدة في دفتر سيف بن محمد الطوقي، ومثلها في كتاب «الغاية القصوى»، وكذلك مقطوعة مقتضبة وردت في كتاب تذكاري صدر بمناسبة الاحتفاء بشعراء سمائل.
إن هذه القصائد مَتَحت من مجموع الناسخ محمد بن حسن الرمضاني فهو المنبع الأول لشعر الشيخ الرحبي وهي تتكرر أحيانًا وتتناقلها أغلب الكتب التي تترجم له وتورد نماذج من أشعاره وخاصة تلك المتصلة بمرحلة الأئمة، ومنها «ميميته» (دعني فترك اللوم..)، وقصائده: «النصر جندك والزمان كلام» 41 بيتا، و «بيتا» و «الجد في الجد» 66 بيتا و «تدارك السيف أمرًا» 74 بيتًا و «هو الدهر يأتي بالعجائب» 61 بيتًا، و «دع العيس تفري.. «59 بيتا و «بعيد المدى» بيتا و«نسيم الصبا» بيتا و«هلمّ عندي نبكي عزة العرب» وهي مرثاة لوالده المتوفى 25 ذي الحجة 1355 هـ و «أمات عظيم أم دهى العالم الحشر» وهي مرثاة للشيخ عيسى بن صالح الحارثي.. و»سلامي على الخلِّ المتوّج بالمجد» و «رجوتك يا ملاي يا ذا المواهب» وهي قصيدة مؤرخة بسنة 1347 هـ .
وهذه القصائد كلها نسخها الرمضاني بتاريخ 1/ 7/ 1989م وتقع بين عامي 1347 – 1372 وليس لها عناوين في أصلها عدا تواريخ كتابتها بعضها وذكر مقتضب لمناسبتها.
أمّا المصادر المنشورة فيتقدّمها كتاب الخصيبي «شقائق النعُمان» الذي أورد له خمس قصائد، كما يحضر في ديوان «بهجة المجالس» للشيخ خلفان بن جميّل بأسئلة تعليمية بلغت سؤالين وفي ديوان أبي الفضل بقصيدة واحدة، وصحيفة الفلق الزنجبارية التي أوردت له ثلاث قصائد، وفي كتاب قصائد من الماضي قصيدتين
وفيما يتعلق بالمراجع التي تناولت ترجمته فما وجدنا له منها يمكن توثيقه على النحو الآتي:
– الخروصي، سليمان بن خلف: إشارات توثيقية وردت في كتابه «ملامح من التاريخ العماني» ص 89.
**-الخصيبي، محمد بن راشد:
– شقائق النعُمان 1 / 329.
– الزمرد الفائق 1 / 85.
– السليمي، محمود بن مبارك (الدكتور): إشارات تحليلية حول تجربة الشيخ خالد بن هلال وردت في كتابه «أثر الفكر الإباضي في الشعر العماني، ط1، مكتبة الجيل الواعد، سلطنة عُمان، 2003، ص 149، 151، 152، 153، 172، 173، 174، 204، 255، 307، 315، 323.
– الشيباني سلطان بن مبارك وناصر محمد (الدكتور): معجم أعلام الإباضية، ط1، دار الغرب الإسلامي، 2000، ص 121.
– عبد الخالق، علي: إشارات تحليلية حول تجربة الشاعر المترجم له وردت في كتابه «الشعر العُماني. مقوماته». اتجاهاته. خصائصه الفنية، ط1، دار المعارف، القاهرة، 1984، ص 104.
– الرمضاني، سيف بن محمد (الدكتور): مقال نشر الكترونيا حول شعراء سرور.
**- مجموعة باحثين: دليل أعلام عمان، 8 / 58.
– معجم البابطين وهو مرجع متأخر توجد به ترجمة ومختارات من قصائده.
مؤرخا: قراءة في جزء من مخطوطه «أبطال عُمان والنهضة الجديدة»
في هذه الإحاطة التي خصَّصناها لهذا الشاعر الكبير ليس لنا بدٌّ من تناول ما وجدناه له من أعمالٍ فكرية أخرى موازية لأدبه وربما تكون مميزة، أو تمثل إضافة علمية تفتح أفق البحث للاطلاع وإخراج آثاره النثرية -إن وجدت- فقد عثرنا له عام 1998 في مكتبة وزارة التراث القومي والثقافة على رسالة تاريخية غير مكتملة عنوانها «أبطال عُمان والنهضة الجديدة» وهي مرقمّة (928) وأصلها يوجد في دفتر أخضر اللون مقاسه 21 سم عرضًا و27 طولا سم، وموضوعه تاريخي يقعُ في دائرة التاريخ العام لمرحلة الأئمة ورجالاتهم وقد سمَّاهم «القادة المجاهدين الأبطال».
يقع ما عثرنا عليه من هذه الرسالة في صفحة 28 صفحة تبدأ بالبسملة وبعبارة «الحمد لله الذي جعل أفضل الأعمال …»، تنتهي بعبارة … وبايع الإمام «وفي هاتين العبارتين دليل على أن الكتابة متواصلة ولها ما بعدها إذ أن ليس من المعقول أن يقفُ عند عبارة دون إكمال معناها، وهذا ما يجعلنا الدعوة إلى إكمال الجهد للحصول على ما تبقى من الكتاب أو الكتاب كله، وليس هناك من دليل –كما يقال- أن هذا الكتاب غير مكتمل في أصله، وعلى كلّ حال فالحصول عليه مطلب علمي مهم والحصول عليه يمثل إضافة علمية كبيرة للتاريخ العُماني فهو يسبق كثير من المصادر التي كتبت في الموضوع نفسه وصارت مصدرًا من مصادر التاريخ العماني الحديث بشقيه العام والثقافي.
ابتدأ المؤلف كتابه بمقدمة مُوقّعة باسمه وبخط يده «خالد بن هلال الرحبي» وقد تتبع فيها أحداث المرحلة السياسية ورصد فيها التحولات من واقع المشاهد والمعايشة والتفاعل بلغة يكسوها المعجم الديني المحض.
المقدمةُ تقعُ في صفحة واحدة ابتدأها بالبسملة والتنصيص على الموضوع بكلمة و«بعد»، ثم الانتقال إلى دوافعه المُتَلخّصة في فتح باب التوثيق والكتابة عن مرحلته ورجاله الذين انبهر بهم وقدّمهم بصفتهم أبطال مرحلة كتابته، حيث يقول: «وبعد فلما رأيت خدمات الدّين والوطن مختلفة المسالك متفاوتة أدار على قدر همة السالك، وعجزت أن أكون من أهل الطبقة الأولى الذين باعوا أنفسهم لأحياء طريقة الله المثلى ، فتاقت نفسي أن أكون ممن مجد أولئك الشراة… راجيا من الله تعالى الإعانة وأن يطبع قدمًا بحبِّ حُماة الديانة مقرًّا بقصور الباع عن إتمام التمجيد اللازم طالبًا حُسن الإغضاء من القراء الأكارم؛ لأني وحقًا أقول لستُ من أهل التأليف لهجومِ الجهلِ على قلبي بحجابه الكثيف.. لكنّي طرقتُ هذا الباب العزيز لكي يلجه من إخواني العُمانيين أهل الحذاقة والتبريز، فينكشف غطاء الإهمال عن بسالة رجال ذلك القطر، وتصبو النفوس الأبية لسلوك سبيل أولئك الأبطال طالبًا من الله الثواب الجزيل ومن الإخوان الستر الجميل…».
وبعد هذه المقدمة يلجُ إلى مباحثه ومطالبه، فهناك مطلب في تعريف عُمان وتحديد موقعها الجغرافي، وعدد سكانها وجذورهم التاريخية ومذهبهم الديني وثروتها الاقتصادية، ونظام حكمها، ومن تولّى فيه من الأئمة والسلاطين، إلى أن يصل إلى عقد مباحث بأسماء رموز نهضة عُمان في عصره، ومن قام بها ويسمّيهم بالأبطال، ويبدأ بذكر جهودهم وتراجمهم ومآثرهم، وما قيل فيهم من شعر، وكانت بدايته بالإمام نور الدين السالمي الذي يحتفي به احتفاء شديدًا، ويقدم القصائد التي قيلت فيه، وفي وفاته وتأبينه من مثل قصيدة أبي مسلم البهلاني التي كتبها عام 1339 هـ «ريب المنون»، و«نكسي الأعلم» التي يعنونها بعنوان جديد هو «يا أبا شيبة من أرجو لها».
وبعد نور الدين ينتقلُ إلى «الإمام سالم بن راشد الخروصي الذي يعقد له مبحثاً خاصًّا يؤرخُ لحياته ويذكرُ مناقبه ووقائعه ومنجزاته، ويعدّه خليفة «النبي» الأمين، وبذكر ملابسات استشهاده وما جرى بعدها من وقائع يصفُها بعينِ الرائي القريب المشارك العارف بالتفاصيل..
ثم يأتي المطلبُ الثاني وهو تاريخي عام يبدأه بذكرِ أوائل الأئمة الذين حكموا عُمان بدءا من الإمام الجلندى بن مسعود الذي يطلق عليه «الشهيد» ويعدد منجزاته، ومرورًا بمن جاء بعده في تسلسل تاريخي يضفي عليه من فكره وثقافته وقراءات الشيء الكثير.
يحيطُ الكتاب بالإمامة إحاطة كبيرة ويحتفي بها أيّما احتفاء، فيقول «فإذا بزغ بدر الإمامة سرعان ما تجتمعُ تحت لوائه الإمارات» ويعني بها الإمارات والكيانات السياسية الموجودة في عصره.
يسردُ الرحبي في هذا الكتاب أسماء الأئمة الذين حكموا عمان اسمًا اسمًا، ويحدد تاريخ حكمهم منتهيًا إلى القول «هذه سلسلة بملوك عُمان الذين وقفت عليه، ولا نشك أن هناك أية وملوك آخرين لم نظفر بهم لإهمال السلف عن ذكر الخلف ولو لم يكن بعمان إلا هؤلاء الأئمة لكفى فخرًا ناهيك بقطر أعيدت فيه الإمامة ثمانية وخمسين مرة في ثلاثة عشر قرنًا ونصف، وأكثر هؤلاء الأئمة شرعيون».
قيمةُ هذا المشروع في تاريخه المبكر الذي يظهر أنه كتبه في أواخر حياته، فلو قدر لمؤلفه إكماله أو استطعنا لنا العثور عليه، لكان من أوائل المصادر في كتابة التاريخ العُماني الحديث فهو يسبق زمنًا «نهضة الأعيان» للشيبة السَّالمي وربما «فرائد الزمان» للقاضي أبو الوليد، فقد كتب كما يبدو في أواسط الأربعينات من القرن العشرين، وتلك الكتب كتبت بعد ذلك وكلّها تستقي من كتاب «تحفة الأعيان» للسالمي الأب المحركُ الروحي والعلمي للسياسة والكتابة والتاريخ والفقه، الَعَلَمُ الذي ما فتئ الرحبي في هذا الكتاب الاحتفاء به وتبجيله بقوله ص 3 « ومن شاء الاطلاع على حقائق الأمر فليقرأ كتاب «تحفة الأعيان..» وفي مقام آخر يعقد له مبحثًا خاصًّا به مجليًّا دوره في أحياء الإمامة المتأخرة وواصفًا إياه ص 8 «بالعلَّامة الكبير الرباني المجاهد في سبيل الله المواصل المقاطع في ربه». ويقول في موضع آخر من ترجمته ص 9 «اجتهد في طلب العلم وحده وقارن العلم بالعمل والإخلاص حتى أصبح وحيد عصره علماً وفضلا ودفاعًا عن الدين محبوبًا عند جميع الأئمة مهابًا توقره وتهابه السلاطين والعظماء.. عن الدين انتهت إليه رئاسة العلم « في عصره، وهذا دليل أن كتاب الرحبي هذا حجته «التحفة» فهو يمتح منه منهجًا وينظر إليه إعجابًا، وليس في ذلك ضير ولا شك، فخير الكتب والمؤلفات ما استرشدت بسابقاتها وسارت على نهجها، واقتفتها بما يفيد ويَكمِل.
ومن جانب آخر، تغلبُ على لغة الشيخ الرحبي في هذا الكتاب النزعة الدينية وتكسو جملها وعباراتها مفرداته المستوحاة من المعجم الإسلامي ابتداء من الحمد والثناء والدعاء الذي يكثر منه الكاتب والتركيز على ما هو ديني مؤمنًا بالأقدار في صناعة التاريخ، ولا ريب في ذلك فالكاتب ابن بار من أبناء مؤسسة الإمامة ذات التوجه الديني البحت فيها تشكّل وإليها انتمى وارتمى وقدره أن ظهر في عصرها فبدا متأثرًا بفكرها كسائر نظرائه طبعًا.
هذا هو أدبُ وفكر الشيخ خالد بن هلال الرحبي المعروف في المدونات «بشاعر همدان» و»أمير الأدب والبيان» و«شاعر سمائل» وربما يتيح الزمن لتقديم في قراءة فنية مستفيضة تتناول تجربته الثرية، وربما يتيح هذا الزمن العثور على كتابه المهم، والدعوة نقدّمها لإخراج إنتاجه كاملا مكتملا فبه يكمل عقد الشعر العُماني ولآلئه.