يأتي تناولنا للموضوع في سلسلة المقالات الأخرى التي قمنا بنشرها في فترات متعاقبة والتي يتزامن أغلبها مع ممارسات أو قضايا أو جرائم أو سلوكيات تظهر من هذه الفئة، والحديث عنها بلا شك ذو شجون كبيرة جدا، وحصرها أو تناولها في مقال واحد أو استيعابها في أسطر قليلة أمر غير متيسر، ومخاطر الأيدي الوافدة باتت تشكل اليوم مصدر قلق من الدرجة الأولى بكل المقاييس، وهو ضرر أقرب وصف فيه أنه من أهم مهددات الأمن النفسي والأخلاقي والقيمي والغذائي والمائي والشخصي والاجتماعي والاقتصادي والفكري والثقافي والاسري في مجتمعات اليوم؛ وله مسبباته التي نعتقد أن من بينها البيئة الثقافية والفكرية التي تنحدر منها هذه الفئات، والتي يغلب عليها بيئات تتسم بالحروب والقتل والعداوات والتشرد والفقر وانتشار الجماعات المسلحة بها وضعف سلطة القانون وسيادة الدولة على هذه المجموعات وغيرها كثير مما انطبع على سلوكها خارج وطنها- مع عدم التعميم – وفي واقعنا العماني فقد دخلت الأيدي الوافدة في كل بيت، وتأثيرها اليوم تعاني منه كل أسرة عمانية، مع اختلاف هذه المعاناة واتساع وضيق بعضها وتنوع بعضها الآخر، فأعداد الباحثين عن عمل، والممارسات غير المسؤولة التي تقوم بها هذه الفئة بدون خبرة أو تجربة أو حتى حصولها على مستوى تعليمي مناسب يؤهلها لإدراك فقه استخدام الأدوات الخطرة، وادعائها سياسة المعرفة بكل شيء، فهو مرخص له للعمل بصالون الحلاقة أو تنظيف المنازل، ولكنه في الواقع يمارس مهاما غيرها فهو في أعمال البناء وفي تمديدات المياه (سباك) وهو كهربائي وهو وهو؛ والحديث عن مخاطر الممارسات التي تقوم بها هذه الفئات كثيرة تتعدى الحصر، ولكنها ممكنة التقنين والضبط وإعادة تصحيح المسار بوجود تشريعات واضحة وضبطية أمنية ورقابية أدق وأنضج. ومعايير أخلاقية وقيمية وإنسانية في عملية تصدير هذه الفئات إلى أرض الوطن.
لقد أظهرت احصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أن أعداد الأيدي الوافدة بالسلطنة حتى الأول من أغسطس الجاري بلغت (1,969,552)، وتشكل ما نسبته (42.50%) من السكان، وشهدت أعداد الأيدي الوافدة تزايدا مستمرا لها في الأعوام السابقة حيث بلغت في عام 2014 (مليونا و732 ألف وافد)، وفي عام 2015(مليونا و814 ألف وافد)، وهم يشكلون ما نسبته (87%- 89%) من العاملين في القطاع الخاص، مقابل (13% – 11%) عماني. حيث بلغ عدد الوافدين المشتغلين في القطاع الخاص (90%)، مقابل (10%) منهم في القطاع الحكومي، هذا بالإضافة إلى أن (32.7%) من العمانيين المشتغلين في القطاع الخاص يعملون في المهن الكتابية، بينما (46.1%) من الوافدين المشتغلين في القطاع الخاص يعملون في المهن الهندسية الأساسية والمساعدة. وأشارت الاحصائيات إلى أن المشتغلين في القطاع الخاص والعائلي من العمانيين بنهاية عام 2017 بلغ 238.688 عمانيا من الجنسين، مقابل 1.795.689 للأيدي العاملة الوافدة التي تحوز على ما يقارب من 90% من حضورها في هذا القطاع، وأن 8 من كل 10 مشتغلين في السلطنة في عام 2017 هم وافدون، وأن %60 من إجمالي شاغلي وظائف الإدارة العامة والأعمال في القطاع الخاص والعائلي في عام 2017 وافدون أيضا.
لقد مارست الأيدي الوافدة قضايا جرمية في سنوات متعاقبة كان لها أثرها على التصدع الاجتماعي، وزيادة التحديات المرتبطة بمعدلات الجريمة، وما تبعها من تأثير سلبي على القيم والأخلاقيات والهوية العمانية وخصوصية السلطنة، فمخاطر الأيدي الوافدة أصبحت واضحة للعيان والمعاناة منها مستمرة، وتشير إحصائيات المركز لعام 2018، إلى أن نسبة الجناة من الوافدين بلغت 53%، يقابله 47% من العمانيين، وأن 3.3 جريمة لكل 1000 من السكان هو معدل ارتكاب الجريمة في السلطنة خلال عام 2017م، بإجمالي 14.8 ألف جريمة، 28 % منها الجرائم الواقعة على الأموال، تليها الجرائم الواقعة على الأفراد، 19%، ثم الجرائم المخالفة للقوانين، 18%، وجرائم المخدرات 15%، والجرائم الأخرى 8%، وفي عام 2016م بلغت نسبة الجناة من الوافدين 52%، يقابله 48% من المواطنين.
لم تقتصر مخاطر الايدي الوافدة على انتشار الجريمة بمختلف أنواعها وتعدد أساليبها، كجرائم القتل والاعتداء والاغتصاب والتزوير والاختلاس والرشوة، بل شملت أيضا جرائم أخرى أخلت بالتوازن البيئي وأهدرت الكثير من الموارد، فالاستهلاك السلبي والاستخدام الجائر للموارد والاستغلال المسيء للثروات الوطنية، ومنافستها المواطن في الكثير من الأنشطة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية وغيرها، – جريمة لا تغتفر في حق المواطن ودعوة له للاتكالية والاعتماد على الغير-، وحالة القلق التي تثيرها هذه الفئة في المناطق السكنية، وتأثيرها السلبي على البيوت الأثرية والمناطق القديمة والأفلاج وفي كل جوانب الحياة اليومية للمواطن، حتى تحكمت في اقتصاد المواطن، خاصة في استخدام المزارع والاستغلال الجائر لها وتوجيهها لصالحهم الشخصي، والموقع الذي صنعته هذه الفئة لنفسها في المناطق البعيدة والجبلية والمناطق التي تعتمد على الأفلاج، لقد استنزفوا جيب المواطن ومستوى بقاء السيولة المادية لديه، فهم يحددون قيمة إنجاز الأعمال، والتي تشهد كل يوم ارتفاعا في أجور هذه الفئة، واحتكارها واتفاقها على إنجاز هذه المهام بأسعار معينة، على أن تدخل هذه الفئة في عملية بيع وشراء ثمار أشجار النخيل في العديد من المناطق، أحد هذا التدخل السافر الذي قضى على أهم ما كان يعتمد عليه المواطن والأسر في حياتها اليومية، خاصة فيما يتصل بمتعلقات النخيل من نبات وخلاج وتنظيف وسقي، وجداد وخراف، وبيع الرطب والتمور والشتلات الزراعية وتسويق ثمار أشجار الصيف وغيرها كثير، وفي جوانب أخرى تتعلق بسوء الاستعمال الأمثل والمنظم للمبيدات الحشرية والزراعية في مكافحة الآفات والحشرات، او في قضايا تعليف الحيوانات وتبييض الطيور وتسمينها، وتبقى ممارسات الايدي الوافدة اللاأخلاقية والسلوك الممارس من قبلها، وعدم التزامها بالقوانين والأنظمة المعززة للصحة العامة واحترام مبادئ المجتمع وقيمه وأخلاقه وترقية الذوق العام والمزاج الحسن، وقضايا النظافة والبيئة وقضايا الحرائق والتلوث وغيرها، بالإضافة إلى نوعية الملابس التي تستخدمها في العمل أو تخرج بها في الأماكن العامة خاصة في المناطق البعيدة وغيرها، لتفرض هي الأخرى واقعا جديدا تمارسه هذه الفئة بكل وضوح؛ مشكلات كثيرة أفرزها واقع الايدي الوافدة تنذر بمخاطر كبيرة على الاستقرار المجتمعي والأمن الوطني، حتى أصبحت نذير شؤم، تاركة وراءها نواتج عكسية وسلوكيات همجية، تتنافى مع كل الأذواق والمبادئ والأخلاقيات، وخلفت وراءها جرائم على الأرض والانسان والحياة والبيئة لا يقبلها عقل ولا ترتضيها فطرة سوية.
لقد شكلت الايدي الوافدة اليوم بما تمارسه من تشويه لأمن المجتمع وأخلاقيات أبنائه وتدخلها السافر في كثير من جوانب الحياة اليومية للمواطنين وخصوصياتهم، في ظل تواطؤ مسيء من بعض المواطنين أنفسهم، وقصور أيضا في دور بعض المؤسسات الرقابية والضبطية في التعامل مع هذه الممارسات، وضعف وجود الجهات الرقابية في موقع الحدث بصورة مستمرة لتعقب ممارسات هذه الفئات، وتواجد هذه الفئات في المناطق السكنية للمواطنين وفي المناطق القديمة التي لحقها التشويه والتدمير من ممارسات هذه الفئة التي لا تعير اهتماما للكثير من المبادئ والالتزامات والتوجهات والخصوصيات الوطنية، بما يؤكد أهمية إبعاد الايدي الوافدة من المناطق السكنية للمواطنين العمانيين إلى أماكن مخصصة لهم في المناطق الصناعية وتوفير كاميرات مراقبة لتحركات هذه الفئة خارج هذه المناطق، والتعميم على جميع المواطنين بعدم السماح لمشاركتهم قضاياهم اليومية الاجتماعية؛ على أن عدم وضوح التشريعات أو طريقة وصولها إلى هذه الفئة ومستوى فهمها لبنود القانون ومواده ونصوصه، وعدم وجود وسيلة واضحة تعمل على تعريف هذه الفئة بالقوانين إلا من خلال الكفيل، وهو أمر غير متحقق في أغلب الأحيان، فقد لا يعرف هذا الوافد واجباته ومسؤولياته وما هو ممنوع عليه، كما قد لا يدرك حقوقه وما هو مسموح له، سواء في الممارسة الشخصية اليومية والسلوك العام، أو في ممارسة المهام التي يقوم بها وكيف يمارسها والحقوق والواجبات المرتبطة بها، والعقوبات والجزاءات العمانية السارية مع كل تجاوز أو ممارسة يعاقب عليها القانون.
إن أحداث القتل التي تمارسها اليوم هذه الفئات وبخاصة من الجنسيات الآسيوية( الباكستانية والبنجالية والهندية الخ)، وما زالت تتكرر ممارساتها العدوانية والجرمية في حق المواطن منذ أربعة قرون – يوم أتيح لها العيش من خيرات هذه الوطن وكرمه، وإلى يومنا هذا وما زال المواطن يتعرض لانتهاكات كبيرة لحقوقه من هذه الفئة بدون أن يلوح في الأفق أي وضوح لإعادة مسار التعامل معها والعقوبات المفروضة عليها، أو حتى عمليات التسريع في تنفيذ العقوبة بعد ثبات جرمها بدون مرورها في مرافعات في المحاكم لسنوات طويلة، بينما ترقد جثامين المواطنين الذين ألقت عليهم أيادي الغدر والخيانة في قبورهم، تضع أمام المواطن والمؤسسات جميعها مسؤولية البحث عن أطر عمل وطنية فاعلة تعمل على وقاية المجتمع من مخاطر هذه الفئة، عبر استراتيجية وطنية تبدأ بعمليات رصد دقيقة ومستمرة وفاعلة ومحدثة لممارسات هذه الفئات وتصنيفها في ظل معايير خاصة تضعها الحكومة يمكن من خلالها تصنيف هذه الممارسات وتحديد العقوبات والجزاءات المقررة لها، وإيجاد تشريعات وطنية واضحة في هذا الشأن تحمي المواطن العماني من أعمال هذه الفئة وما تمارسه من حالات القتل والاحتكار والاختلاس والغش والرشوة وتدمير البيئة وتشويه المنجز الوطني والتواجد السيئ لها في الأماكن العامة وغيرها من الممارسات، بحيث تتيح لأي مواطن التبليغ على أي ممارسات مشبوهة تقوم بها هذه الفئة بصورة منفردة أو بتحريض من المواطن أو بتواطئهما معا في الجريمة، وإيجاد خط اتصالات ساخن يستهدف تتبع هذه الفئات وممارساتها ومخاطرها، على أن يتم تداول نتائج الرصد بين المؤسسات الأمنية والقضائية والضبطية وفق آليات عمل واضحة ليسهل لها عملية التدخل بعد تصنيف هذه الممارسات والحد منها، هذا الامر لا يقتصر على ما يحصل من بعض الغرامات التي تقرر على هذه الفئة أو الحبس أو الطرد خارج البلاد، وإنما عبر اتخاذ إجراءات اكثر ضبطية وعقوبات تضع منها عبرة لغيرها بحيث تنفذ عليها العقوبة بشكل يتيح للمواطن إدراك حجم هذه العقوبات المقررة عليها، وأن تعمل الجهات القضائية والقانونية والضبطية على سرعة البث في القضايا المتعلقة بهذه الفئة وعدم ترك مساحة بين عملية الإبلاغ والمرافعات والتنفيذ وقرار المحكمة، لما ثبت أيضا من سعي هذه الفئات إلى تعرض حياة المواطنين للخطر وحالات الترصد وغيرها.
إن المواطن العماني وفي ظل هذه الممارسات الجرمية التي باتت تمارسها هذه الفئة بحق الانسان والحياة والسلام الداخلي الوطني وتقويض مساحات الأمن والأمان التي ينعم بها إنسان هذا الوطن، وإثارة حالة الخوف والقلق بين المواطنين، حتى وصلت المسألة إلى كونها ظاهرة خطيرة تستدعي إجراءات وطنية سريعة وحكيمة في الوقوف على تفاصيلها، وإيضاح الصورة العامة لمسبباتها والافصاح عن ملابسات هذه الممارسات للمواطنين لمزيد من الحذر والوقاية، وأن يمارس الاعلام المحلي دورا واضحا في التعريف بمسببات هذه الجرائم، وآلية تعاطي المواطن معها، وإبعاده من مصدر الخطر الناتج عن تصرفات هذه الفئة، وفي الوقت نفسه تشديد العقوبة على المواطن الذي يمارس دور الحماية والتواطؤ مع هذه الفئة، والتنفيذ لكل العقوبات والجزاءات المنصوص عليها في قانون العمل العماني وقانون الجزاء لمن يستقطب هذه الفئة من المواطنين أو غيرهم بدون أن يكون لها احتياج في الواقع، أو المسرّحة والهاربة، وبالتالي أهمية إعادة النظر في التشريعات الحالية الموجهة لهذه الفئة فيما أشرنا إليه سابقا من قضايا أو إيجاد تشريعات جديدة مع منح جانب الجزاءات والعقوبات أهمية كبيرة في التعامل مع هذه الممارسات وتوجيه الاخطار لسفارات وحكومات الدول بالممارسات الناتجة عنها ومخاطرها على المواطن والأمن الوطني، بالإضافة إلى تضمين هذه القوانين والتشريعات ما أفرزته الحالة الراهنة من وقائع جرمية وجنح تسببت فيها هذه الفئة، وإدخال الجانب النفسي والخوف والقلق التي تسببه هذه الفئات ضمن جزاءات وعقوبات تضع حدا لهذه التدخلات السافر لهذه الفئة في حياة المواطن وإقلاق الآمنين. ليطرح ظهور تأثير الجريمة المنظمة اليوم على واقعنا العماني تطورات خطيرة يجب اتخاذ كل الخطوات المعززة لكفاءة الأجهزة الشرطية والأمنية والقضائية والضبطية والتشريعية العمانية، وزيادة مستوى التنسيق والتكامل مع منظمة الشرطة الجنائية الدولية ” الانتربول”، واتخاذ إجراءات أكثر ضبطية ورقابية في المنافذ الحدودية البرية والبحرية والمطارات عند دخول هذه الفئات بتذاكر سياحية أو تذاكر عمل في أفواج لمدد زمنية قصيرة.
ويبقى أن نشير إلى أن ذاكرة المواطن العماني لن تنسى إجرام الايدي الوافدة منذ بدء تصديرها الى السلطنة نتيجة التحولات التي أدت الى الحاجة اليها، ولا يكاد ننسى جميعا – وأبناء محافظة شمال الشرقية تحديدا- فحادثة سوق سناو وحادثة قتل مواطن سائق بالمضيبي وما قبلهما وما بعدهما، لنقف اليوم على فاجعة حادثة الشارق بولاية بدية – ولا ندري ما تأتي به الأيام القادمة- نسأل الله اللطف بعباده… محطات مشينة من هذا التأريخ السافر بالقتل والاجرام لتلوح إلى الذاكرة أحداث متفرقة عانت منها جميع محافظات عمان وولاياتها في أحداث قتل مروعة وسلوك مشين يعبر عن وحشية في التصرف مارسته هذه الفئة في موطنين وأسر عمانية بريئة، فهل ستتجه الجهود إلى إعادة تقييم ملف وجود هذه الفئة و بالأخص هذه الجنسيات في بلادنا عامة، عبر نقل هذا الملف إلى الجهات الأمنية والقضائية العليا بالدولة لاتخاذ قرارات حاسمة، أم يترك على وقع فواجعه المنتظرة، يتجرع المواطن المسالم البريء ويلاته قهرا وظلما وعدوانا، دون أن يرى في عقوبتهم عبرة لهم ولغيرهم قصاصا على جرائمهم مصداقا لقول الحق تبارك وتعالى: ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179/ البقرة.
د. رجب بن علي العويسي
#عاشق_عمان