أيها الشامخ في سماء العطاء، المبجّل في أعالي السماء، المحمود في شموخ الأرض احتواء، ها هو العام الدراسي الجديد قد لاح أفقه، وسنا طيفه، وأفصح عن أجندته، مسدلا الستار على ما مضى من عام دراسي مكلل بالنجاح ، مهموسا بالتفوق، مشمولا بالتميز، قدمت فيه الكثير، فكانت لك فيه بصمة وحضورا ، وموقعا ومكانة، ترجمها أبناء عمان من مخرجات الصف الثاني عشر وغيره من الصفوف الدراسية الاخرى، لتتخذ من رصيد هذا النجاح موقعا لها في عالم متسارع، ومنهلا لها في رسم ملامح التحول وإدراك عتبة القوة، مسارات في الحياة الراقية، ومحطات للغوص في أعماق الأمل، والبحث عن منصات متجددة تعلي في إنسان هذا الوطن قيم المسؤولية واعتدالية النهج وإنتاج القوة لبناء عمان الحاضر والمستقبل، فإذا بهم ينهلون من العلم سموقه، ويمتطون صهوة المجد شموخه، ويرتقون بالوعي طريقا يوصلهم إلى أعلى المراتب وأسماها، وهم يحملون رسالة الوطن؛ فمنهم من التحق بمؤسسات التعليم العالي جامعاته وكلياته ومعاهده، ومنهم من انخرط في الحياة المهنية ملتحقا بمن سبقة في مضمار العمل في القطاع الحكومي والخاص ، ومنهم من غرد خارج الوطن ليقدم لوطنه من هناك، حيث الغربة والسفر والبعد عن الأهل والوطن، رسالته في خدمة عمان، مستفيدا من تجارب العالم وخبراته، ومطلعا على نهضته وثقافته، ليتجه بها في خدمة وطنه، لتصبح رحلته العلمية، بمثابة استراحة مواطن منتج، حاملا نهج العلم والعمل والإنتاج والإبهار.
ومع فترة استراحة استعادت فيها النفس مسارات الجاهزية والتغيير وصناعة التحول والتجديد ، يأتي النتاج في أفضل حلله، وأعظم أطره، وأدوم نجاحه، وأدق تفاصيله، مهذب بروح الإنجاز بلا حدود والعمل بلا توقف، فترة استعادت فيها النفس موقعها من كل ما حدث ويحدث في أروقة التعليم، أعطت النفس فرصا أفضل في التفكير وإعادة صياغة الاهداف والتوجهات، وتقييم الاحتياجات، ورسم خريطة النجاح القادمة لتتكيف مع طبيعة العام الدراسي الجديد، وتستفيد من كل منصات التقييم ومحطات الحوار ولقاءات الانس الفكري التي أبدتها مشاعر المجتمع بكتاّبه ومثقفيه والمهتمين بقضايا التعليم، متناغمة مع مشاعر الأبوة ورغبة الوالدين وأولياء الأمور في استشراف مستقبل النجاح في أبنائهم، لتصب جميعها في إطار البحث عن عمل يساير التوجه، ويؤسس لمرحلة القوة، ويمنح رسالة المعلم شعورا إيجابيا مجتمعيا بعظيم رسالته وكريم ممارساته وسمو فعاله.
ها هو عامنا الدراسي الجديد يفتح أبواب نوافذه، لمرحلة جديدة من دورة الحياة، عام يحمل أجندة كثيرة، ويقدم لأبناء عمان محطات متنوعة ، لقطف ثمار العلم، والدخول في عمق المعرفة، والبروز في سماء المنافسة، والنهوض بمسيرة الوعي، ورسم ملامح التميز، فهو بما يحمله من حجم الأهداف وعظيم الأمنيات وتنوع المسارات وشغف التوقعات، فإنه في الوقت نفسه تنتظره الكثير من الاستحقاقات التي ستثري أجندته وتؤسس نجاحاته، وتؤصل مداخله، فيسير فيها بروح ملؤها الثقة والصبر والتحمل والمسؤولية والانجاز وتقديم الأفضل والمبادرة والتجديد، وهي مفردات تُبقي حبل العطاء النوعي ممتدا، ومسارات الابتكار والتجديد أكثر تناغما ، وفرص الالتقاء بين مشتركات التعليم أكثر حضورا، فيرعاها المعلم بفكره الرصين، وثقافته الواعية، وأخلاقه الراقية، وسلوكه المتزن، لتسير بمهنية وتقود مسيرة التعليم بفاعلية، حيث الأمنيات تتقدم، والإنجازات تتوالى، والتوجهات تتفاعل ، والمشاعر تستشعر عظمة رسالة العلم وكفاءة مسيرة التعليم.
وإذا كان التعليم يستشرف في كل محطاته فرص التميز والجودة وتعميق مسارات الشراكة، تؤسسها مراجعات مستفيضة وقراءات متنوعة ، وفهم لمسيرة العمل في العام الدراسي المنصرم، فإنه بذلك يستدرك في منظوره القادم الكثير من الأجندة والاولويات والاهتمامات، وهي اهتمامات تضع بلا شك دورك أيها المعلم كمحور للتغيير وإعادة هندسة الواقع التعليمي، ورسم مسيرة الإنجاز القادمة، وتأطير مداخل التحول الذي يرسمه فكرك النابض بالحيوية والايجابية، لتصبح بذلك الأنموذج والقدوة والمثال أمام طلبة التعليم، وتنال الثقة من القائمين على إدارة شؤونه، ليتحول موقعك من التنفيذ إلى رسم السياسات التعليمية، ومن موقف المتلقي للتعليمات إلى المبادر والفاعل في تأطير الواقع واستشراف المستقبل، فأنت المربي الفاضل، والأب الناصح، والقائد الملهم، والموظف المسؤول، وصاحب الحكمة والمبدأ، من يحمل هموم المسؤولية ويتحمل بصيص الأمل المغروس في أبناء هذا الوطن وفلذات أكبادة، فالمسؤولية كبيرة وانت خير من يحمل رسالتها، ويتلمس احتياجاتها، ويؤسس لبنائها، ويؤطر لمسيرتها القادمة.
إن العام الدراسي القادم بما يحمله من محطات وما يؤسسه من معطيات وما يبنيه من أطر وما يرسمه من مستقبل، يضع مسؤوليتك فوق كل اعتباره، لأنك القيمة التي تصنع للتعليم وزنه، وتبني للفكر مساراته، وتؤسس للتقدم خيوطه، إن موقعك المحوري يصنع هيبة التعليم وقوته ، فتتجلى بشموخك في عرين العطاء وسمو الإنجاز، ليبقى نجاح هذا التصور الذي أسسته في ابناء التعليم ومناهجه، وتركته حاضرا في ثقافة طلابك وفكرهم الناضج، مرهون بحضورك المستمر في مسيرة الإنجاز، واستمرارك المتواصل في نهضة التغيير، وقدرتك على إعادة هندسة الذات في حياة الطلبة، وهو ما لا يتأتى إلا بما أكدت عليه أنت عند لقاءك بأبنائك الطلبة وعند التقائك بالآباء والأمهات في اجتماعات مجالسهم المقدرة، إنها روح الالتزام التي غرستها في أبنائك في بيئة الصف وموقع ممارسة النشاط وفي كل أروقة المدرسة وخارجها في الملعب والمختبر وساحة المدرسة وطابور الصباح وأماكن وقوق الحافلات وانتظار الطلبة والمقصف المدرسي وغيرها كثير، وهم ينهلون من أخلاقك العالية وسماتك المهيبة، وسمتك الذي يصنع للتعليم حضوره وقوته، فكنت أنت طريقهم لبناء الذات وصناعة التوجهات، وخلق القدوة، وبقدر استمرار هذا النهج الذي رسمته لأبنائك في الالتزام والإنتاجية والشغف وحس الإنجاز وغيرها من ممكنات النجاح التي كانت حاضرة لديك، وتعمل على أن تكون رؤيتك في استشراف مستقبل أجيال هذا الوطن، لذلك فنحن مطمئنون بأن الناتج سيكون كما توقعت، والعمل سيكون في اشده اخلاصا ومهنية والتزاما وصدقا، لن تزيده الأيام إلا صفاء ونظارة ورونقا، وارتباطا بما أسسته من سيرة حسنة، وما أكسبته من سلوك مهيب، وما قدمته من عطاء ناضج، وما أنجزته من عمل مبهر.
إن سردنا لهذه المفردات ليس زيادة على ما انت عليه، أو إقلالا بما أنت أهله، فنحن على يقين بأن ما نبوح بها في التماسنا إليك، إنما هو ديدنك الذي لا ينافسك فيه أحد، ولا يصل لمقامك فيه سواك، إنه استلهاما لمسيرة النجاح المظفرة التي تعمل عليها، فتعلمناها منك، وتأصلت في أنفسنا، فوعاها القلب والعقل، وأدركها النبض، وارتاحت لها العاطفة، وترسخت في الذاكرة، مفردات تلامس شغاف النفس ، وتروي الضمير الحي، وتغرس في مراسيها الأمل والعطاء بقادم أفضل، ولأنك كنت أنت حاضرا في كل هذه المحطات؛ من يبادر بالفعل، ويقدم المشهد العملي والتجربة الصادقة والشواهد الحية في كيفية ممارسة النجاح وتحقق التميز ونمو النفس وسمو الفطرة واستقلال الروح العالية ونهوض الاخلاق ونهضة القيم ، وحيث كنت أنت المبادر الحاذق والأب الحاني، والانسان الواعي، والقائد المحنك، والداعية المخلص، والمعلم الصادق، كان التماس هذه المقومات من معين عطائك وفضل رؤيتك وأنت تقرأ مستقبل التعليم، نهجا تطيب له النفس، وتستلذ بسماعه الأعين وترتاح له العقول.
وأرجو أن يكون استلطافي إليك شعور محب لك، ذلك الذي غرسته في قلبي وسيظل ، تلك الأخلاق التي أوجدتها في نفسي فغنمت، تلك الآمال التي أودعتها بقلبي فنهضت، تلك الثقة بربي التي طالما كرستها في تعليمي فجعلت ربي دليلي وطريقي ففزت، لذلك التمس منك العذر إن قصرت في حقك أو ضللت طريقي الذي أوضحته لي ورسمته لحياتي أو وجهتني إليه، ألتمس منك العذر في أن أكرر ما قلته لي منذ التحقت بالمدرسة واستمرت تدغدغ مشاعري صوتك العذب وهو يهمس في سمعي بكلماتك التي لطالما ظلت معي في كل مواقف حياتي حتى بعد أن تخرجت من المدرسة، ترانيم حياة وشواهد لمسيرة مظفرة أرجو الله أن يتقبلها مني، وإنني أرجو في هذا العام الدراسي الجديد أن أكون عند حسن ظنك، كما أرجو أن أكون قدر هذه القيم والمفردات التي التزمت بها واصلتها، فكانت لك طريقا مهيبا ومسارا حكيما ومنهجا سليما وسموا ورفعة ، وكنت أنت لي معلمي أنموذجا يمشي على الأرض ، لأعاهد نفسي بأن تكون لي هذه الشذرات زادا لحياتي الدراسية والعملية القادمة، والله نسأل أن يكون عامنا الدراسي الجديد عام خير وبركه وتقدم وازدهار، عاما استثنائيا يحمل الالهام ويرسم الابتسامة ويؤسس للنجاح، وستظل كما عودتنا عنوان هذا العطاء بما تطرحه من أفكار وما تقدمه من مبادرات وما ترسمه من نهج، وما تبنيه من قيم وما تؤصله من أخلاق.. فسر على بركة الله والله معكم ولن يتركم أعمالكم.
د. رجب بن علي العويسي
#عاشق_عمان