“الحمد لله، الحمد لله.. إذا أحبَّ الله عبدًا ابتلاه”.
هذه العبارة أصبحت هي اللازمة التي يردِّدها دائمًا زميلي وصديقي المذيع عمر بن سعيد المطوع؛ بعد الابتلاء الذي أصابه عام 2016، بأن أصيب بجلطة، وهو يقرأ نشرة أخبار الساعة التاسعة ليلا، فأدّت تلك الجلطة إلى معاناته طوال السنوات الأربع الماضية، وجرى نقله من المستشفى السلطاني إلى تايلاند ثم الهند، وما زال يتعالج من آثار المرض حتى الآن، عبر جلسات التأهيل.
كان المرض بالنسبة لعُمر ابتلاءً من الله عزّ وجل، ليختبر صبره وقدرته على التحمل، وهو ما نحسبه أنه قد نجح فيه؛ إذ تقبّل الأمر برضا تام، وتعامل مع وضعه الجديد بتسليم، ممّا خفّف عنه الآلام، ولم يفقد ابتسامته التي لا تفارقه أبدًا؛ كما كانت تلك الجلطة تذكيرًا له – بل ولنا أجمعين – بنعمة الصحة التي أنعم الله بها علينا؛ لذا ظل عُمر حامًدا شاكرًا لله، مردّدًا في كلِّ حين “الحمد لله.. الحمد لله”.
طوال السنوات الماضية، استطاع عمر بقوة الإيمان والإرادة، أن يتغلب على المرض من الناحية النفسية. وظلّ قويًا وأكثر عزمًا على استرداد وضعه الطبيعي، بعد أن تعطلت بعضُ أعضائه بسبب قوة الجلطة؛ فنرى أنه لم ينقطع عن العمل في الإذاعة يوميًا – مع عكّازه -، رغم الصعوبات التي تواجهه في ذلك، وقامت زوجته – أم الخطاب -، بدور تشجيعي كبير له، إذ أهلته نفسيًا لكي يتغلب على آثار المرض؛ فكانت هي المشجِّعة له، وهي التي تأخذه يوميّا إلى العمل صباحًا وتعود به إلى المنزل ظهرًا.
لقد أثبت عمر المطوع، أنه قادر على مواجهة ظروف المرض، رغم صعوبتها وقساوتها؛ ولسانُ وضعه يردِّد ما قاله الحكيم الهندي برمهنسا يوغانندا: “ليس المقصود من صعوبات الحياة، أن تسبب لنا الأذى؛ ففي المشاكل والأمراض دروسٌ لنا. تجاربُنا المؤلمة ليس الهدف منها القضاء علينا، بل لصهر الشوائب التي في نفوسنا، من أجل تنقيتنا وتسريع عودتنا إلى مصدرنا النقي – الله – الذي يعمل بشتى الوسائل والطرق على مساعدتنا وإعادتنا إلى بيتنا السماوي”.
في قضية مرض الصديق العزيز عمر، لا بد من كلمة حق نقولها، عن سعادة ناصر بن سليمان السيباني، نائب رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون؛ فقد اهتم بالموضوع، وأجرى اتصالات عاجلة – بوجودي – مع المسؤولين في وزارة ديوان البلاط السلطاني، أسفرت عن تسفير عمر للعلاج إلى تايلاند لمدة 45 يومًا، عاد بعدها إلى الوطن، دون أن يستفيد تلك الفائدة المرجوة؛ فما كان من إخوته إلا أن جمعوا له تبرعات للعلاج في الهند التي ظل فيها أربعة أشهر، استفاد منها استفادة جيدة، جعلته يتحرك ببطء، ولكن لله الحمد استطاع أن يتحرك ويداوم، ولكن مهما يكن، فإمكانيات الأخوة محدودة ولا يمكن أن تستمر طويلا، فلهم ارتباطاتهم الأسرية والتزاماتهم المادية الكثيرة، ممّا يعني أنّ العلاج والتأهيل قد توقفا.
وإذا كانت المحنة التي تعرّض لها الصديق عمر المطوع، لم تحطِّمه نفسيًا، ولم تشل إرادته؛ إلا أنه يبقى إنسانًا تعتريه حالاتُ الضعف البشري؛ وهي فطرةٌ إنسانيةٌ لا يُعاب عليها الإنسان. فقد استمعتُ إلى تسجيلين صوتيين لعُمر موجهين لزملائه القدامى، طلبة مدرسة روي الثانوية، يحكي لهم فيهما قصته مع المرض، من اللحظات الأولى التي بدأ يحس فيها بالصداع الشديد وهو يقرأ نشرة التاسعة ليلا، وحتى بعد قراءته لحصاد اليوم الإخباري في الحادية عشرة ليلا، وكيف تمّ نقله بعدها إلى المستشفى السلطاني ودخوله غرفة الإنعاش، وكذلك سفره إلى تايلاند والهند، وشكره للمسؤولين ولإخوانه أيضًا. في هذا التسجيل ظهر عمر – عكس المعتاد – وكأنه في حالة يأس، نظرًا لطول فترة مرضه، التي استمرت أربع سنوات حتى الآن، ويرجو من زملائه على استحياء شديد، الوقوف معه، مع تكرار: “الحمد لله، الحمد لله.. إذا أحبَّ الله عبدًا ابتلاه”. وفي الواقع لم أتمالك نفسي وأنا أسمع ذلك التسجيل الصوتي، لذلك الشاب الذي كان يملأ جنبات الإذاعة بضحكاته المجلجلة وبالنكات التي كان يطلقها؛ إذ كيف يصل به الأمر إلى استجداء الزملاء القدامى، الذين ربما لم يلتق بهم من سنوات، وهو الذي أصيب بتلك الجلطة وهو يؤدي عمله؟!
بعد استماعي للتسجيل، تحدثتُ مع عمر، ووجدتُ لديه الإرادة نفسها على تجاوز المرض، ولم يسمح لليأس أن يتسرب إليه، وهو واثقٌ من ذلك؛ إلا أنّ الأمر يحتاج من المسؤولين والزملاء الوقوف معه.
وهي رسالة نوجهها لمعالي الدكتور عبد الله الحراصي رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ولسعادة ناصر السيباني نائب رئيس الهيئة، وكذلك لمسؤولي وزارة ديوان البلاط السلطاني، ووزارة الصحة أو أي جهة لها صلة بالأمر، بالاهتمام بعلاج عمر المطوع. والأمر ليس بتلك الصعوبة، فلله الحمد أنّ صحته في تحسن، ولم يبق إلا القليل ليسترد وضعه الطبيعي ويتخلى عن العكاز. فلا ينبغي أن يصبح عمر فريسة للمرض ويستسلم للضعف البشري، وهو الإنسان الضحوك والمتفائل دائمًا.
#عاشق_عمان