شكرا لهذه الدولة الطيبة التي أعطتني دون حدود، شكرا لها لأنها منحتني وقتها وقلبها، وساعدتني في أحلك الظروف، منذ أن وُلدتُ إلى أنأموت، فهي تكفلت بولادتي في مستشفى حكومي، به رعاية طبية معقولة، وحين يتوفاني الله لن أبحث عن أرض لأدفن فيها، فمقابر اللهواسعة، وتسع الجميع، فقيرا وغنيا، وشكرا لأنها خصصت لي يوما أحتفل فيه مع أقراني من “الشباب”، يوم تتفتّح فيه قرائح المسؤولين عنالخطب الرنانة التي تشيد بي كأساس لهذا الوطن، وتنعتني بأني “وقود المستقبل، وحامل شعلة الغد”، ويكيل لي الشعراء قصائد المدح التيتشيد بي، وبقوتي، وقدرتي على العطاء اللامحدود، شكرا لكل هؤلاء من الرأس إلى أخمص القدمين، ولكني…أحتاج إلى البوح لأولئكالمسؤولين الذين يضعون على عاتقي هذا الجبل العظيم من الواجبات، وأذكّرهم ببعض حقوقي التي لا يمكنني كبتها، أو خنقها في مهدها،أو لحدها.
فأنا شاب أبلغ الثلاثين من عمري، تخرجتُ من مرحلة التعليم العام قبل أكثر من عشرين عاما، وحصلتُ على شهادة البكالوريوس منذ أكثرمن سبع سنوات، ومع هذا ما زلتُ قابعا بين أركان المنزل، دون عمل، أنتظر الفرج، كي “أبدأ” بتكوين نفسي، و”أبدأ” بتحقيق حلمي، وكيأكون عند حسن ظن المسؤولين بي، لأحمل رسالة الوطن، وأشارك في بناء الدولة، وأعوّض الأيام التي ضاعت من عمري، أبحث عن عمل كيأرد دَين هذا الوطن علي، ولكي أكسب رزقي من عرق جبيني، وأساهم في تحريك عجلة التنمية، ولكي أساعد والدي ووالدتي بعد تعبالسنين الذي بذلاه، وجهد العطاء الذي حملاه، وللعلم فإن معي من “الشباب” ثلاثة أخوة ـ قبلي وبعدي ـ دون عمل، ينظرون إلى السقفالممدود، وينتظرون يومهم الموعود.
وحين تم الإعلان عن تقاعد الآف الموظفين الذين أمضوا جلّ حياتهم في العمل الحكومي، تفاءلتُ خيرا، واعتقدتُ أن الفرج قريب، وأنالحكومة استغنت عن هؤلاء كي تتيح الفرصة لأمثالي من الشباب، ولكن تبخرت أحلامي، وذهبت أدراج الرياح، وحين تم الإعلان عن تعديلمسمى “وزارة العمل” اعتقدتُ أنني قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمي، غير أن حلول الوزارة كانت ترقيعية ولم تجد لمشكلتي حلولاجذرية، وحين أنصت إلى تصريح المسؤولين أنه بحلول عام 2050م سيجد كل عماني وظيفة عظيمة، أصمت حسرة وكمدا، وأنظر إلىالسماء أنتظر فرجا قريبا.
ما زلتُ في ريعان الشباب لكني أشعر أنني دون مستقبل، لديّ القوة والقدرة والعلم كي “أبدأ” من الصفر، أصبحت الجهات الأمنية لاتقبلني لأني تعدّيت السن القانوني، والجهات المدنية والخاصة ترفضني لأنها تحتاج إلى الخبرة العملية التي لا أملكها، أو أنها تفضلالأصغر سنا، وأنا دون أرض لأن وزارة الإسكان تمنح “الأسرة”، وأنا لستُ من أولوياتها، وأنا دون زوجة لأني لا أملك مهرها، وإعالتها،ودون منزل لأنني لا أستطيع البناء، وما زلتُ في منزل والدي المتداعي لا أتلقى أي مساعدة من أي جهة، لأن الدولة تدير ملفها الاقتصاديدون أن تلتفت ـ بجدية ـ لملف أمثالي من الباحثين عن العمل.
تمنيتُ في “يوم الشباب العماني” أن يتم الإعلان عن التوظيف الفوري للشباب النائمين في بيوتهم دون أمل، تمنيتُ أن يتم الإعلان عن مزيدمن فرص التعليم الجامعي، تمنيتُ أن بتم إنشاء صندوق لمساعدة الشباب الذي لا يعمل، وأن تُفتّح لهم أبواب المستقبل، وأن يتم الاعتناءبالمواهب الشابة الواعدة التي ذهب عمرها هباء، وهي تنتظر فرصة للتوظيف في أي قطاع حكومي أو خاص بدلا من تركهم فريسة للفراغ،والاكتئاب، تأكلهم ذئاب الوقت، ويضيع شبابهم دون أن يكون لهم قيمة فعلية في بناء وطنهم.
وأخيرا أتمنى من المسؤولين أن يؤجلوا خطبهم الرنانة، وأحاديثهم المجلجلة، وكلامهم المعاد والمكرر، وأن ينتبهوا لأمثالي من الشباب، وأننحتفل العام القادم ـ إن كان في العمر بقية ـ بأفعال عظيمة لا بأقوال عقيمة، نحتفل بإنجازات على أرض الواقع، لا مجرد أرقام للنشروالإعلام، أتمنى أن نحتفل بعام الشباب السنة القادمة، ومعدل الباحثين عن العمل “صفر”، فهل هذا كثير على أمثالي من الشباب؟!!.
التوقيع / شاب باحث عن عمل
مسعود الحمداني