يسرق الضياء من نورها نوراً ، فتبسط أشعتها متلألئة على قلبي وحناياه حباً أسطوريا يفوق الخيال ، أراها تكبر أمام عيني منذ الصغر وأحلم كل يوم أن أجني ثمرها الوارف وعكاكيل رمانها اليانع ، قد كبرت رمانتي الخضراء الجميلة ، بل آية في الجمال والحسن ، آن الأوان أن أتغدرها لأقطف من شذا ريحها العطر ، ورمانها اليانع المزدهر ، آن الأوان أن أرسل مخراف الجبة لجنيها والتمرغ في دمها الأحمر القاني ، رمانتي شامخة لا يهزها سوى ريحي العاتي وزمهرير تقبيل شفاهي لثمارها العذبة ، وملامسة ساقها الملساء الناعمة ، ما إن تغدرتها حتى اهتزت أطرافها وخار جسدها ومال عودها وبدأت شيئا فشيء تتساقط أوراقها ورقة ورقة ، فأصبح لأغصانها أنينً ولجذعها زفيراً وشهيقاً ، لقد مشال عودها واحتنا ورجف وانثنى ، كانت عروقها القوية تقاوم الإعصار الهائج لكن محالة لم تصمد ، فعلق الإعصار سيقانها وأثنى هامتها ، ومزق جوسها الغض ليستجيب لنداء القيض وحرارة الصيف ومطره الجامح المستقر ، كنت أرتشف لذيذ رحيق ثمارها المعتق بروائح المسك والعود والصندل ، سافرنا معاً إلى عالم أخر كنا نحلم به منذ أشتد عودنا ويفع ومال على الطبيعة البكر وتمنع ، للعيون محاجر تسيل وتتدفق فتسقي العطشان وتروي الخندق ، ما أجمل حفيف أوراقها حين تصدح مع صوت الريح الهفيف ، ترق لها المشاعر في صمت مستمعه وهي تنشج معاناة الحب وحب المعاناة بل عشقها الأبدي ، غابت وتاهت كل المدارك ، حتى إنها لم تدرك من المكان شيء غير لحظتها معي وأنا أجنها ثمرة ثمره ، أيتها الروح المنتشية هيمي وتيهي في ربا الطبيعة وغني حتى ترقص معك العصافير المغردة ، أيها الجسد تمايل وكأنك أفعوان يتجرع سمه ليشفي غليله ، فالفراشات ترقص على الغناء العذب في الحقول الخضراء حين ري العشب وزهر السنابل عند إنبلاج الفجر الجديد ، غني فكم أشتقت إلى سماع أغانيك بصوتك الحاني الدافئ ، تمايل وإنحناء ساقيك وأغصانك وكفيك مخضبتان بالحناء نهر حبا يتدفق في شراييني فيروي ضمأي، خرير الماء المتدفق في سواقيكِ يرويكِ حتى الحشر ، فما زلت أنا البيدار أقف متربعا عرش الرمانة وعكاكيلها حتى صدح المؤذن ينادي لصلاة الفجر .
نص بقلم الكاتب / يعقوب بن راشد بن سالم السعدي