القمَّة العربية الـ٣١ التي تحتضنها الجزائر اختارت تسمية (لَمِّ الشَّمل) وبالفعل هذا العنوان يحمل عمقا اصطلاحا ومعنى. فلَمُّ الشَّمل ـ كماهو معروف ـ لمحاولة تجميع فرقاء، وهو ـ للأسف ـ واقع الحال العربي منذ زمن طويل، لست من المتشائمين وأرقب المشهد العربي منذ عقودوأرى أن هناك بصيصا من الأمل في المشهد العربي، وهذا الوميض البسيط قد يضيء بشكل أوسع من خلال الجهود والمحاولات الجادةالتي تقوم بها بعض الدول العربية، وعلى رأسها الجزائر بلد الشهداء التي قدمت أعظم ثورة في التاريخ الحديث.
الجهود والمحاولات العربية لا بُدَّ أيضا أن تسبر الواقع ولا ترسم آمالا أكبر من حجمها، لكن ينبغي وضع الآمال والأهداف من خلال هذهالقمَّة المنعقدة في ذكرى ثورة التحرير الجزائرية المجيدة الـ٦٨، وربما اختارت الأقدار هذا التاريخ للجزائر بعد تأجيل لهذه القمَّة أكثر منمرة، وقد كتبت مقالا بعنوان “القمَّة المتعسرة في تناغم مع الهمِّ العربي” الذي وصفه الشاعر بقوله: (كلما أن جرح في العراق .. ردد الشرقجرحه في عمان).
وصل القادة العرب وممثِّلوهم في هذا التاريخ العظيم في ذاكرة الجزائر والعرب جميعا يوم ١ نوفمبر ٢٠٢٢م لتنعقد القمَّة خلال يومين (قمَّة لمِّالشَّمل العربي) لمعالجة عددٍ من القضايا العربية أعلنت من خلال رئيس القمَّة الرئيس عبدالمجيد تبون، وكان أبرزها المصالحة الفلسطينية،حيث قامت الجزائر بجهود كبيرة لتحقيقها، وتم إدراجها ضمن إعلان الجزائر ونص الإعلان على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في قطاعغزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس خلال عام من توقيعه، كما نصَّ على انتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في الداخلوالخارج بنظام التمثيل النسبي الكامل خلال عام من توقيع الإعلان، كذلك هناك قضية الأمن الغذائي العربي التي تحدث عنها أبو الغيطأمين عام الجامعة، وهذا البند يتطلب تفعيله على مساحة الجغرافيا العربية بالحدِّ الممكن. ولا شك أن القضايا في سوريا وليبيا واليمن ولبنانوالصومال أيضا تتطلب جهودا كبيرة لتحقيق ما يمكن من نجاح، وهنا يجب التأكيد على أنه لا يمكن عقد آمال كبيرة طالما الشَّمل لم يجتمعولم يكتمل ولم يعِ العرب أهميته، لكن مجرد تحقيق التوافق العربي، فهو يعد في حدِّ ذاته حالة إيجابية ينبغي البناء عليها، وربما يكونإصلاح عمل الجامعة أو موضوع تداول منصب الأمين العام قد يطرح في هذه القمَّة.
قمَّة (لَمِّ الشَّمل) أجمل ما فيها هو انعقادها في الجزائر وما تُمثِّله من حضور في ضمير أبناء الأُمَّة العربية، وتأكيدا على دقة هذه التسمية(لَمِّ الشَّمل) فقد غاب عن القمَّة عددٌ من الزعماء العرب وهو أمر مؤسف بلا شك، مما يؤكد أن الشَّمل العربي ما زال مشتتا رغم تلك الجهودالمضنية التي بذلتها الجزائر؟! بالمقابل هل يعني ذلك ترك الوضع العربي كما هو؟! بالطبع لا وهنا تبرز أهمية الأدوار الجليلة التي تقوم بهاالجزائر والتي يجب أن تتوج من خلال هذه القمَّة بتشكيل لجنة عربية على مستوى عالٍ لمتابعة مسألة لَمِّ الشَّمل العربي باعتبار أن أي بناء لابُدَّ له من قواعد صلبة أولا، ثم ولوج قضية العمل العربي المشترك.
المرحلة الراهنة والتطورات الدولية المتسارعة تحتِّمُ على العرب إدراك هذه الحقيقة وتشكيل كتلة واحدة في مواجهة التحديات المستقبلية، ولاشك أن هذه الجغرافيا العربية تمتلك ما يناهز ٤٣٠ مليون مواطن عربي وهي قوة عالمية لا يستهان بها، بالإضافة إلى ما يزخر به الوطنالعربي من ثروات وإمكانات ومقدرات يمكن توظيفها على أشكال من التعاون العربي ـ العربي، والتعاون مع القوى الدولية الصاعدة، وقدكانت رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الموجهة لهذه القمَّة لافتة ومعبِّرة، وبها قدرٌ كبير من الإدراك بما تُمثِّله هذه المنطقة من حجم كبيرإذا ما لملمت قواها الاقتصادية والسياسية وشكَّلت كتلة واحدة.
العرب اليوم أمام تحدٍّ كبير وهو مسألة (لَمِّ الشَّمل) أولا كقاعدة للبناء، أما أن تخرج القمَّة بأي إعلان كان دون متابعة تنفيذية لموضوع لَمِّالشَّمل فلن يضيف ذلك شيئا لهذا الوطن العربي الكبير، وهنا تفرض المسؤولية العربية نفسها على الجميع، ويجب أن يكون العرب على قدرٍكبير من المسؤولية لمتابعة هذه القضية المحورية، وتحقيق ما تصبو إليه الشعوب العربية التي تتطلع نحو أي لقاء عربي وتهفو المشاعر إلىتحقيق التلاحم والتعاون والتكامل والتضامن العربي، فهذه العناوين التي لو استطاع النظام الرسمي العربي إصابتها لأصبح الوطنالعربي قوة كبيرة على الساحة الدولية، وهو مشروع عربي ليس بعيد المنال إن توفرت إرادة حقيقية صادقة ومتابعة جريئة وأبجديات عملواقعية تضع في الاعتبار لَمَّ الشَّمل أولا ثم الانتقال إلى العمل العربي المشترك لبناء تكتل اقتصادي عربي ينشده العرب جميعا، وهو المشروعالعربي الحقيقي الذي يجب أن يتبناه العرب اليوم.
خميس بن عبيد القطيطي