يبدو أننا وصلنا إلى مرحلة، نحتاج فيها أن تكون لنا مساحاتٌ في وسائل إعلامنا المختلفة، تتناول الحالات الإنسانية، لأنها أصبحت كثيرة، نتيجةً للظروف المستجدة في حياة الناس. وفي الواقع فإنّ وجود مثل هذه المساحات ليس جديدًا في عالم الإعلام؛ إذ كانت بعض الصحف العربية والعالمية تخصص مساحة لمثل هذه الحالات؛ فكان من نتيجة ذلك، أنّ كثيرًا من المشاكل وجدت الحلول، وكثيرًا من المضطرين وجدوا من يقف معهم في أزمتهم.
كان الصحفي الراحل مصطفى أمين، أبرز الصحفيين الذين اهتموا بالجانب الإنساني، فخصّص صفحات من صحيفته “أخبار اليوم” لمشاكل الناس وهمومهم. فكان الناس ينتظرونه أمام باب الجريدة كلَّ يوم، ليقدموا له رسائل فيها شرحٌ لمشاكلهم وأوجاعهم، فأنشأ في سبيل ذلك أبواباً إنسانية كثيرة، اختار لها مسميات ذات مغزى، وهي التي ما زالت مستمرة حتى الآن، مثل باب “ليلة القدر” و”أسبوع الشفاء”، وغيرها من الأبواب. وفي عام 1983، أنشأ مشروع “لست وحدك”، عندما اجتمع بطلاب كلية الإعلام بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكية، واقترح عليهم اسم “لست وحدك”، كمشروع يقدِّم المساعدات العاجلة للفقراء. وقام بتسليم الطلبة رسائل، وشجّعهم على توزيع ملابس جديدة على المحتاجين. وبمرور الوقت أصبح “لست وحدك” قسمًا خاصًا في “أخبار اليوم”، له محررون وباحثون يسافرون إلى المحافظات المصرية، ليبحثوا حالات طالبي المساعدات الإنسانية، ويشاركوا في حلِّ مشكلاتهم، سواء عن طريق تسديد ديون، أو شراء احتياجات ضرورية، وهو المشروع الذي ما زال يقدِّم خدماته حتى اليوم.
ما قام به الراحل مصطفى أمين، هو من صميم عمل الإعلام، لأنّ من مهام الإعلام الأساسية خدمة الناس، إن كان بالتوعية والتوجيه أو في إيصال مشكلات الناس إلى أصحاب القرار ومحاولة إيجاد الحلول. وقد رأيتُ أنّ الناس عامة يهتمّون بقضايا الناس العاديين أكثر من اهتمامهم بأمور السياسة، ولي تجربة في ذلك من خلال بعض المقالات التي كتبتُها عن بعض الحالات الإنسانية لبعض الزملاء، مثل الراحل سعيد بن محمد الزدجالي، والزميل عمر بن سعيد المطوع، حيث تجاوب الناس مع الموضوعين، واهتم بعض المسؤولين – جزاهم الله خيرًا – بموضوع علاج الزميل عمر المطوع، والذي نرجو أن يتم بأسرع وقت. وقد رأينا كيف تجاوب الناس مع موضوع الدكتورة سميرة بنت حمد المحروقية، حول قضيتها التي كتبَتْ عنها في مجلة “الفلق”، عن انتحال بحثها من قبل مشرفيها، لأنّ موضوعها كان به جانبٌ إنسانيّ، ممّا شجع الكثيرين أن يُظهروا للعلن ما تعرضوا له مثلما تعرضت له سميرة. ولو وجدَتْ سميرة الحل من البداية، ولقيت الاهتمام من المسؤولين، لما وصل به الحال أن يكون حديث الناس عبر وسائل الإعلام؛ ولكن وجود مشكلة بدون حل يجعل من المشكلة تكبر حتى تنفجر.
في هذه العجالة أرى أنّ الواجب يحتِّم علي أن أتحدّث عن الزميلة المذيعة ليلى بنت حارب. فقد ابتلاها الله بمرض السرطان، وأجرت عمليتين ثم تعالجت عن طريق الكيماوي في المستشفى السلطاني. ولله الحمد قد شُفيت من المرض حسب تقارير الأطباء في المستشفى. إلا أنّ المشكلة لم تكن في المرض – رغم شدته -، المشكلة بدأت بعد المرض، عندما قررت ليلى أن تتقاعد من العمل قبل بلوغ سن التقاعد. وقد حاول المسؤولون إثناءَها عن ذلك إلا أنها تمسكت بقرارها فكان ما رغبت به.
المشكلة تكمن أنّ البنك الذي تتعامل معه ليلى، – وهو البنك الوطني العماني – أخذ مكافأة نهاية الخدمة كلها، ولم تستفد ليلى منها شيئا؛ بل إنّ البنك اقتطع جزءًا كبيرًا من راتبها التقاعدي، تحت حجة أنّ شركة التأمين هي التي أصرت على ذلك، باعتبار أنّ ليلى مريضة، وكأنّ لسان حال البنك أو شركة التأمين يقول لها: “لم يبق لك وقتٌ لتسديد ما عليك من الديون؛ لذا علينا أن نأخذ حقنا كاملا”، رغم التقارير التي قدّمتها ليلى بأنها شُفيت من المرض، وأنّ التقاعد جاء برغبتها هي ولم تصل بعد إلى السن القانونية للتقاعد.
خاطبت ليلى، الزميلَ الصحفي الأستاذ حمود الطوقي، والذي خاطب رئيس مجلس إدارة البنك، فوعد خيرًا، بأن يتم إعادة جدولة الأقساط، إلا أنّ شركة التأمين – حسب كلام أهل البنك – رفضت ذلك. وعندما أصرت ليلى على إعادة جدولة الأقساط، طلب منها البنك أن تبحث عن شركة تأمين أخرى، وفعلا بحثت ليلى عن تأمين آخر، وتواصلت شركة التأمين مع البنك إلا أنها لم تتلق الجواب حتى الآن.
ماذا على ليلى أن تفعل؟. وكيف لها أن تعيش – والتزاماتُ الحياة كثيرة -، وهي تستلم أصلا راتبًا تقاعديًا جيدًا، يكفيها ويكفي البنك أن يأخذ قسطه بالراحة بعد إعادة الجدولة. فلا تريد ليلى أن تدخل المحاكم؛ فهي قد اختارت التقاعد الاختياري لكي ترتاح، لا لكي تشقى ماديًا، ولا لتضيِّع وقتها في المحاكم، رغم أنّ كثيرًا من المحامين أبدوا استعدادهم لتولي الأمر مجانًا، بعد أن نشرت الزميلة الصحفية أمل الحرملية، تغريدةً عن الموضوع.
وموضوع مثل موضوع ليلى قد تورّط فيه الكثيرون من المواطنين من الذين أصيبوا بأمراض، ورفض التأمين إعادة جدولة أقساطهم بعد التقاعد. لذا المرجو أن يهتم البنك المركزي بقضايا كهذه، وغيرها من قضايا البنوك التي بدأت تظهر الآن، ومنها مثلا ما حدث من بنك مسقط، الذي اقتطع من رواتب بعض الزبائن مبلغ 45 ريالا دون علمهم ودون الاستئذان منهم، بحجة أنّ هذا المبلغ “تأمين على الحياة”؛ رغم أنّ هؤلاء ليسوا مدينين للبنك، وزوجتي كانت إحدى الضحايا. لقد تم استرداد المبلغ، ولكن بعد “خذ وهات”، وبعد أن ضيّعت زوحتي وقتها بأن ذهبت للبنك وطُلب منها أن تكتب رسالة بإلغاء التأمين، رغم أنّ التأمين لم يكن بطلبها. وكم من عميل أو زبون لم ينتبه لمثل هذا التحايل، الذي هو أقرب إلى السرقة العلنية.
أكيد أنّ حالة كحالة ليلى قد مرّ بها كثيرٌ من المتقاعدين ولكنها لم تصل إلى وسائل الإعلام ولم تنشر. ومن هنا أرى أنّ الوقت قد حان كي تتبنى وسائل الإعلام طرح قضايا إنسانية كهذه، لأنّ عملا كهذا من صميم رسالة الإعلام، كما نرجو أن تجد مشكلة الزميلة ليلى بنت حارب حلا عاجلا، لأنّ أمورها المادية تتأزم وتتفاقم، في وقت يفترض فيه أن راتبها التقاعدي مريح يكفيها ويكفي البنك أن يأخذ قسطه بما يرضي الطرفين.
زاهر بن حارث المحروقي
#عاشق_عمان