زيد وسعيد أبناء عم ومقربين إلى بعضهم البعض وكأنهم أشقاء ، لا يفارقون بعض طوال اليوم ، حتى النوم ينامون في شقة واحدة أستأجرها لهم أحد أخوتهم ليتمكنوا من العيش فيها بمسقط ، والبحث عن عمل ، بالنسبة ل سعيد فهو يعمل في أحد المؤسسات الحكومية أما زيد فما يزال يبحث عن عمل لكنه يمتلك سيارة فارهة ، سعيد يعلم من أين أتت هذه السيارة الفارهة لكن أهله لا يعلمون ذلك بسبب وجودهم الدائم بالبلد ، زيد وسعيد شابين وسيمين ويمتلكان من جمال الوجه وقامة الجسم وتناسق الجسد ما لم يمتلكه غيرهم من الشباب ، الله يهب من يشاء بغير حساب ، لكنهم كانوا لا يحسنون إستخدام هذه الهبة على وجهها الحقيقي وشكر الله عليها ن بل كانوا يتصيدون بها الفتيات والنساء لدرجة العبث معهن ، سعيد كان ميالا للنساء أكثر بينما زيد كان ميوله الأكثر للجنس الثاني ، أكتسب زيد محبة أحد الشذوذ الجنسيين من المثليين وأغدق عليه المال والسفرات وأشترى له هذه السيارة الفارهة ، كان جيب زيد لا يخلوا من ثلاث مئة ريال على الأقل في اليوم الواحد ، بينما سعيد يدخر ماله من راتبه الشهري ويعيش على ما بجيب زيد ، فهما يطبقان المثل الذي يقول مال البخيل يأكله العيار ، بالصدفة كان زيد مترجلا من سيارته حين لمحته أحد النساء المطلقات ، لم تستطيع ان تقاوم هذه الوسامة وهذا الجمال ، تقدمت منه وسلمت عليه وتصنعت أنها تسأل عن بيت فلان ، وإنها غريبة عن المكان ولا تعرف أحد هنا ، وطلبت منه المساعدة في البحث عن فلان هذا ، لكنه دعاها لتركب مهم بالسيارة ويبحثون وهم يتنقلون بين منازل تلك المنطقة عن فلان ، كانت هذه المرأة ذات حسن وجمال ، لكنها لم تكن لتدرك جمال زيد ووسامته هو وسعيد ، أخذ الحديث يدور بينهم بالسيارة وبدأت الأمور تمضي حسب رغبة المرأة التي عرفتهم على إنها سعاد .
طافوا كثيرا وحاموا حول المنازل المجاورة للقائهم ولم يجدوا أحد بهذا الإسم ، أطرقت سعاد رأسها وبدأت في البكاء وقالت .. وأنا إلى أين سأذهب، وإلى من سالجأ ، هنا قدم زيد خدماته بأن تذهب مهم إلى مقر سكنهم ، لكن سعيد طلب من زيد النزول من السيارة والتحدث معه على إنفراد ، تنازعا مع بعضهم البعض واختلفا ، لم يكن سعيد يؤيد دخول هذه المرأة إلى شقتهما خاصة إنهم عرفوها الآن ولم يمضي على معرفتهم بها إلا بعض الوقت ، لكن زيد كان مصرا على وجودها وبأنها غنيمة ، لكن سعيد قال له .. أنك تبحث دائما عن الجنس الثالث ما الذي جعلك تنجرف إليها وترغب فيها ، لكنه أصر على ذلك ، أخذا المرأة ودخلا الشقة وجلست بالقرب من زيد ، ينظر إليها سعيد ولم تكن لتلتفت نحوه أبدا بل كانت تنظر ل زيد وكأنها لم ترى أحدا غيره من قبل ، أتفقا زيد وسعاد على النوم معا ، لكن سعيد رفض هذا العرض المجحف بحقة وأصر على أن ينال مثلما ينال أبن عمه زيد وإلا تخرج من الشقة وتذهب إلى مكان أخر تقضي به ليلتها ، لم توافق على هذا العرض كما أصر زيد على سعيد بأنها تريده هو وليس غيره .
مرت الأيام واليالي ولم تكن سعاد لتترك زيد وسعيد أبدا وتعلقها ب زيد يزداد يوما عن آخر ، طلبت من زيد أن يأخذها لأحد المنازل وينتظرها بالخارج ، دخلت وظلت فترة طويلة ثم خرجت ولم يرى في يدها شيء أبدا ، ثم طلبت منه أن يأخذها إلى محل عطور وقبل ذلك تشتري له عصير ولها أيضا ، فعل زيد كما طلبت منه سعاد ، وعندما كان يشرب العصير وصلا أمام محل العطور ، هنا ألحت عليه أن يترك العصير ويستعجلها بعطر العود الكمبودي حسب إختياره على ان تنتظره بالسيارة حتى يخرج من المحل ، دخل زيد للمحل وأخذت هي العصير وأخرجت صره من حمالتها ودلقت بالعصير شيئا ما ورجت العبوة جيدا ، وما إن عاد زيد حتى قالت له أشرب عصيرك قبل أن يسخن وأعطني عطر العود .
عاد الأثنين إلى الشقة ودخلت سعاد إلى دورة المياه ووضعت نفس المسحوق بمضرب العود ورجته جيدا حتى تجانس مع بعضه البعض ، ثم خرجت وجلست بالقرب من زيد وكأنها تذكرت العود وقالت ل زيد خذ حبيبي هذا مضرب العود لك هدية مني ، أخذ المضرب ووضعه على التسريحة بالغرفة ، وبعد فترة كانت سعاد تنظر إلى المضرب وتنظر إلى زيد ، جاءت بالعود وقالت له .. بعطرك وحدي أذا ما تتعطر .. خاطري أشمه فيك ، فعطرته وكان منذ ساعتها عبدا لها يأتمر بأمرها ويذود عنها ، فبدأت الخلافات بينه وبين أبن عمه ، حتى ترك سعيد الشقة ل زيد وسعاد وذهب يسكن مع شباب أخرين من نفس البلد عزاب ، مرت الأيام والأشهر وسعيد وزيد بعيدين عن بعضهما البعض ، همزة الوصل بينهم بعض المكالمات اليتيمة والرسائل ، فلم يعد زيد يستمع ل سعيد أبدا أصبح مسير ومقاد ل سعاد يأتمر بأمرها وينتهي بنهيها .
طلب زيد من سعيد أن يلتقي به بشكل عاجل وضروري ، أستغرب سعيد ذلك فلم يعد زيد كالسابق ولم يزر حتى البلد وأهله منذ أشهر فكيف يطلب منه اللقاء إلا إذا كان هناك أمرا جلل حدث له يريد فيه مساعدة أبن عمه سعيد ، حضر سعيد للقاء متأخرا قليلا بينما وجد زيد ينتظره ، كان طلب زيد بمثابة الصاعقة التي كادت أن تحطم سعيد ، لقد جحظت عينا سعيد حين تفوه زيد بكلماته التي رفضتها حتى أذني سعيد في صياغتها وتقبلها كما خرجت من لسانه ، كان طلب زيد من سعيد الحضور معه والشهادة على زواجه من سعاد ، حاول سعيد أن يغير أو يقنع مفاهيم أبن عمه زيد وأن يثنيه عن ما نوى عليه ، لكن زيد كان مصرا جدا ، رحل سعيد وترك زيد يناديه وكأنه يستغيثه كالغرقان في كومة الشبا ، وما هي أيام حتى تتصل سعاد ب سعيد وتعلمه بأن الزواج قد تم شرعا وقانونا ، مضت السنوات ولم يعد زيد كسابق عهده بأهله أو بإبن عمه ، فهو كالمقاد المجنون ل سعاد ، لم يعد يدرك من الدنيا شيئا سوى سعاد ، حتى خرج من عمله وساءت أحواله ولم يجد ما ينفقه على سعاد وأبنته التي ولدت في السنة الأولى من زواجهما ، أخذت سعاد تنفق ما ورثته من أبيها حتى أفلست هي الأخرى ، فذهبت مرة أخرى إلى البيت نفسه التي أخذها إليها زيد وأحضرت ما أحضرته وسقت زيد ما سقته وعطرته وبخرته ، وما هو إلا يوم واحد يستفيق زيد من غفوته ويطلق سعاد ويترك كل شيء خلفه حتى ابنته ويعود إلى أبن عمه سعيد وأهله .
شقت سعاد طريقها مرة أخرى في البحث عن رجل أخر أجمل وأغنى من زيد ، بينما زيد طلب من سعيد أن يتوسط له عند عمه ليتزوج أخت سعيد ، لكن سعيد كان أول من يرفض ويقف بوجه زيد ويمانع زواجه من أخته ، لقد أصبح زيد بدون وظيفة ولا مصداقية عند أهله ومن حوله من أهل البلد لأنهم يعرفون قصته تماما ، فلم يكن له صاحب ولا معين ، رحل مرة أخرى إلى مسقط ليتعرف على رجل أعمال ، توظف زيد مع رجل الأعمال وتقرب إليه كثيرا ، فازدادت الثقة بين زيد ورجل الأعمال على مضي الوقت وأصبح زيد من المقربين ، كان زيد يرتحل أين ما أرتحل رجل الأعمال ، فزار على مر الأيام والأشهر بعض دول أوربا وأسيا وأفريقيا ، وكون علاقات جيدة ومتينه ، كان رجل الأعمال يولي كل شيء تحت تصرف زيد من تنسيق اجتماعات ومواعيد وحجز سفر وفنادق وتخليص بضائع بالجمرك وغيرها من الأمور التجارية البحتة ، تشرب زيد الصنعة حتى أنه كان الرجل الأول المتصدر أسمه مع أسم رجل الأعمال .
كون زيد رصيد كبير في حسابة البنكي ، الأمر الذي جعله يفتح مشروعا كبيرا يغدق عليه المال الكثير والرزق الوفير ، ومع هذا وذاك لم يترك رجل الأعمال بل ظل يعمل معه حتى نمت تجارته وازدهرت ، فجاء إلى بلده وأبن عمه وهو في أوج سلطانه وطلب أبن عمه للزواج مرة أخرى ، لكن سعيد هذه المرة رفض أكثر من السابق وأغلق الباب في وجه زيد ، لقد تحولت الأهلية والصداقة والأخوة بين أبناء العم إلى حرب ضروس ، فعمد زيد على تحطيم سعيد في كل جانب من جنبات حياته وشراء كل ما يملك هو وأهله دون علم الجميع من السبب وراء كل هذا الدمار ، فجاء زيد مرة أخرى يمد يده ل سعيد ليعينه وأهله إلى الوقوف مرة أخرى على أرجلهم وكأنها نخوة وشهامة منه ، ظن الجميع أن زيد فعلا قد صلح وأنه رغم ما كانوا يفعلونه فيه من صد ورد إلا إنه لايزال يريدهم ويتقرب إليهم ، فقبلوا مساعدته وزوجوه أبنتهم ، وما إن أحس زيد بأن كل شيء أصبح تحت سيطرته ، حتى جعل أهله وزوجته وأبن عمه عبيدا تحت يده ينقل بهم كيف يشاء ويحلوا له ، وفي ليلة شتوية مقمرة دع سعيد زيد ليتحدث معه بعيد عن الأهل والأعين ، وما إن أقترب زيد مترجلا من السيارة نحو سعيد حتى طعنه عدة طعنات ووضعه في حقيبة سيارته ورما به وبالسيارة من الجبل ، أحترق زيد وسيارته ولم يبقى من أثرة سوى بعض عظام ، ورثت أبنت عمه أخت سعيد وأبنت زوجته السابقة سعاد كل المال الذي تركة بالمناصفة ، لكن سعيد لم يكن ليهنا له بال ويترك الجمل بما حمل ، فطالب بحضانة بنت ولد عمه وحصل على الحضانة بسبب زواج سعاد من رجل أخر ، وتعهد أن يدير مال بنت زيد حتى تصل سن الرشد ، وما إن كبرت أبنت زيد حتى زوجها من أبنه ليحوز على مالها ويبقى تحت وصايته ، لقد تحول سعيد الحمل الوديع على ذئب كاسح يهاجم كل شيء ويأكل كل شيء دون مبالاة ، لقد أعمته النقود وزاد طمعه وكأنه ملك الدنيا وما فيها ، لكنه لم يذق طعم النوم ولا ليلة واحدة ، فقد كان يحلم زيد يخنقه كل ليلة .
يعقوب بن راشد بن سالم السعدي
#عاشق_عمان