عمّان، في 14 نوفمبر/العُمانية/ يشتمل
كتاب “مُثقَّفُو الخراب.. تحجيم الوعي – تكثيف الوهم” للكاتب السوري
أسعد الأمير أحمد، على دراسات تقارب دور المثقف التوعوي في بناء نهضة وطنية شاملة.
ويرى الكاتب أن الأفعال الدنيئة لطالما
كانت تُرتكَب باسم الأفكار والكلمات النبيلة، وأنَّ أعظمَ تَجَلٍّ لذلك في أوقات
الحرب، حيث تغدو الكلمة والفكرة سلاحًا أمضى من حَدِّ السَّيف وطلقة البندقيّة.
ويؤكد أن الكلمة غالبًا ما تكون السبب في
رقيّ الأمم، وقد تكون أيضًا السبب في الانحدار إلى الحضيض، وأن الحرب إن لم تفتح
باب الأسئلة المُربكة على مصراعيه فإنها ستكون نكوصًا حضاريًّا لأي مجتمع تستعر
فيه، وعبثًا وانتصارًا للوهم.
وبحسب الأحمد، فإن ما من حربٍ إلا وكانت
مخاضًا لولادة قِيمٍ وأخلاقٍ جديدة باعتبار الأخلاق قيمةً ثابتة، لكنَّ مفهومَها
يتغيرُ دائمًا وتنتظر أن يفتَحَ لها التاريخُ بابًا لتدخلَه بحُلَّةٍ جديدة قد
تكون جيدة أو رديئة، وإنْ كان ما يرويه لنا التاريخُ من قصص تجنح لأن تقول بأن
الأخلاق إثر الحروب لطالما كانت رديئة، والرداءة هنا بمعنى الابتعاد عن الخير
العامِّ لصالح الخير الخاص، والابتعاد عن الضمير الإنساني لصالح الضمير الشخصي،
فأغلب الشعوب بحسب الكاتب جنحَت لكي تكون مُجرمة إثْرَ الهزَّاتِ العنيفة التي
تعرَّضت لها.
ويشير الأحمد إلى أن هذا التوجّه يُظهر
دور الأبطال الحقيقيين (المثقفين) الذين يتأتى عليهم واجبُ الدفاع عن الحقيقة
استجابةً لضميرهم الإنساني، كما فعل سارتر حينما عارضَ فرنسا في الجزائر، وكما فعل
فولتير دفاعًا عن جون كالاس، وكما فعل إميل زولا بقضية دريفوس، وهي صراع اجتماعي
وسياسي حدث في نهاية القرن التاسع عشر في عهد الجمهورية الفرنسية الثالثة.
وبالعودة للجذر اللغوي للمثقف، يعاين
الكاتب ما يُمكن أن تعنيه هذه الكلمة، فثقَّف الشيءَ أقامَ المعوجَّ منه
وسَوَّاهُ، وثقَّفَ الإنسانَ أي أدَّبَه وهذَّبَه وعلَّمَه، وهنا يظهر أن للمثقَّف
مهمَّة إنسانيَّة نبيلة، وأن وجوده ضرورة لمجتمعه، لذا فإن الدراسات المتضمنة في
الكتاب تحاول مواجهة التزوير الذي يتعرض له المثقف من قِبَلِ أشخاص يرتدون ياقَةَ
الثقافةِ ولباسها ويمارسون التمويه والكذب لمنافع شخصية أو لغايات.
ويوضح الأحمد
أنَّ وسائل الإعلام غالبًا ما كانت تلهثُ خَلفَ المفكرين والكتّاب كي يعتلوا
منابرها أو يُستضافوا فيها أو يكتبوا على صفحاتها، لأن ذلك يعلي قيمتها أمام
الجمهور، لكن حينما تبدلت الأدوار وصار الظهورُ في وسيلة إعلامية قيمةً للضيف
وإشهارًا له، تطفَّلَ الكثيرُ على مهنة المفكر والسياسي والباحث والمحلّل والكاتب
والمُثقَّف، وعزَّزَ هذا الأمرَ السرعةُ الهائلةُ التي سيطرت فيها وسائلُ التواصل
الاجتماعي والشبكة العنكبوتية على العالَم بأسره، هذا العالَمُ الذي سيطر على
غالبه التقوقعُ في خنادق فكرية معيَّنة، فصار الكثيرُ من الكُتَّاب مشهورين ليس
بسبب كتبهم وأفكارهم، بل بسبب مواقفهم السياسية مثلًا أو الاجتماعية دون أن يعُوا
حتى هم كيف آلت الأمورُ إلى ما آلت إليه.
ويعاين الأحمد ماهية الحقيقة، فيرى أنها
نسبية وما محاولات القبض عليها إلا كمحاولات القبض على الماء في كَفِّ اليد، لذلك
فإن التحيُّز للفكرة واعتبارها حقيقة مُطلقة قد يودي بصاحبها ليصيرَ سجينًا لها
دون أن يدري أنها توجهه في نشاطه وعمله وحياته ومواقفه، فتغدو الأفكار حينئذ
سجونًا وليست آفاقًا، سجونًا تدعمُها الإيديولوجيات والسياسة والمجتمع والإحباط
واليأس ومعامِل صناعة المثقفين.
ويسعى الأحمد في هذا الكتاب إلى التفريق
بين مَن يتبع العقل والضمير الإنساني الباحث دومًا خلف الحقيقة وبين مَن يتبع
انفعالاته وعواطفه وأهوائه أو أهواء الآخرين، وكذلك إظهار معنى المثقَّف الذي لا
يتبع سوى الضمير الأخلاقي اليَقِظ في كلِّ أحداث الحياة، وفي أيّ بقعة جغرافية
كانت.
/العُمانية/النشرة الثقافية /طلال
المعمري