الملك فرصاد: غنِّي يا فريال.
اشتاقُ للمغنى والمعنى الذي زين بضع ليال عرف فيها الملك الصبية، أراد أن تنقش كلماتها الموسيقى والنغمات البديعة. نطقت فريال قبل التار، وبهج صوتها وصار يعلو ويصبو للوصول إلى أحشاء الملك التي باتت تشبه أحشاءها.
أراد الملك أن يتأكد أنها اشتاقت إليه، ضغط على شفتيه وسألها عن الشوق.
هل بامكانها أن تنساه أيها الملك البهي؟
كانت في العالم، في الكون المصحوب بالخيال اللذيذ، المنسوب إليه السماوات الأرجوانية والأفلاك والعناقيد الأقحوانية، بعيدة عما كان يجول في خاطره عن الأعداء والأصدقاء، والتخوم وبلاد الكروم، عن الأرض والساحات ذات المناجيق والفيالق والجيوش المرهقة للقلوب والنفوس.
أين هي رماحه اليوم؟ وكيف هو درعه المنيع الذي لبسه طويلًا أمام عرشه؟
توقف أمام وجده للصبية.. ونظر إلى عينيها ليخبرها أنه يودها. ما هو الودّ يا فريال؟
هل هو الصد؟
هل هو البعد؟
هل هو القرب؟
كيف للصبية أن تدرك الود الآن… هل هو شعور يخص الملك وحده كما هو حال الوجد؟
الملك فرصاد: نامي يا فريال.
أراد أن يراها حين تزورها الأحلام مساءً، وحين تطفو بعيدًا عنه في جعبتها السرمدية، وبين حنايا آمالها الوردية.
لا بُد أن تعود إليه وإلى تخته.. إلى وجده ووده، لا يمكنها المكوث طويلًا بين الحلم والخيالات التي تراودها مساء دون أن تعي أن الملك لا ينام. وأن الأرق لا يغيب عنه حتى ولوج الفلق، وأنه لا يفيق مع أي شعاع يظهر في الأفق؛ بما أن الحروب قادمة وبحاجة لليقطة الدائمة.
الملك فرصاد: احكي يا فريال.
يا ترى ماذا جرى؟
شاءت الأقدار أن يكون سمير الظل ممثلًا مبتدئًا في مسرح خيال الظل المملوك من وهبي، وعده وهبي أن يمنحه الألق والشهرة. وأن يصبح ظلًا نجمًا، ظلًا ساطعًا و لامعًا لا يشبه الظلال الأخرى المطمورة والمغمورة.
كان على سمير الظل أن يدعي أنه ظل عاصر العجائب والخوارق. ظل ربما عاش وسط الشاهنامة، بين الملاحم والبطولات.
إنه بطل!
ظل بطلًا!
جاء الوقت أن يرفع وهبي الستار عن المسرح، ويقف سمير أمام الملأ، ليحكي الشاهنامة التي تخصه في مملكة الظلال. وطلب وهبي من الجموع التصفيق لسمير الظل، لم يكن إلا إيليا الصبي يشاهد سمير وهو يؤدي دوره كظل خارق ينوي محاربة الشر.
يملك سيفًا ودرعًا صغيرًا أشبه بما يحمله الفرسان والشجعان. ويمتطي جوادًا منسوجًا من الظل أيضًا.
إنه المنقذ.. إنه البطل المنتظر.. البطل القادم من الشرق. والذي يعدو خيله بسرعة البرق.
إنه سمير الظل!
الذي كان بالأمس ظلًا عاكفًا للواحات، آن الأوان أن يخرج للناس و يصل لكل الفضاءات، ويبلغ جميع السماوات.
طلب سمير الظل بثقة من وهبي أن ينسج بيديه أحد الوحوش حتى يتمكن سمير من مصارعتها وهزيمتها.
لا يعرف سمير الظل ألوان الوحوش، أو أشكالها. لكنه يعرف أنها كائنات مخيفة وغير ظريفة. ولا يمكنها أن تلتهم سمير البطل! فهو الظل الحقيقي الوحيد في هذا المسرح.
اقترح الجمهور وحشًا مفترسًا ضليعًا بافتراس الفرس الذي يعتليه سمير، وبكسر سيفه وبتر درعه و بالطبع كل ما يملك.
حان الوقت أن تدخل الوحوش المخيفة وغير الأليفة إلى الخشبة، نسج وهبي أشكالًا كثيرة وأمورًا مثيرة، وصارت الوحوش تهاجم سمير ذهابًا وإيابًا، وتصدح وتصرخ.
وبين شهيق وزفير، نجا سمير الظل من كل ما كان يحدث له على المسرح، تحمس سمير أكثر وحارب كل الوحوش، إلا أن الجمهور انزعج من قدرة الظل على هزيمتها.
حجته أن البطل ممل للغاية وغير مقنع، بكى سمير وشعر بالخذلان والحسرة، وأن الجمهور المكون من الصبي إيليا فقط لا يرغب بالتصفيق لممثل مبتدئ.
يا ترى هل رأى الملك الوحوش؟ هل يعرف أشكالها أو ألوانها؟ حتى تسرد الصبية قصصًا معنية بالوحوش المخيفة وغير الأليفة!
أرادت أن تبدد الفكرة، وأن تقول شيئًا آخرًا يخص الأشياء السعيدة البعيدة.. شيئًا ربما يشبه الود والوجد، كلامًا مغلفًا بالغزل، مذكرًا بالمفاتن والمحاسن.
كلام لا تعرفه الوحوش، أو الصبيان أو اللصوص الساكنين لجعبة الصبية، وسط الغرائب والعجائب.
هل ستسكن الوحوش عقل الملك؟
هناك حيث الأعوان والحاشية.. الأصدقاء والأعداء.. الجنود والجيوش.
أم سيكون عقله وقلبه مسكونًا بسحر الصبية.. بتلك الجميلة النقية.
مُزنة المسافر