تتميز المجتمعات العربية بتمازج ديني ومكونات متعددة تتشارك الأوطان فيما بينها، ينطبق القانون فيها على الجميع من الناحية المدنية، لكن ثمة معطيات أخرى من الناحية الدينية عندما يتواجد أشخاص من مذاهب مختلفة تتبع للدين الإسلامي وتنطبق عليها الشريعة الإسلامية لكن بطبيعة الحال هناك ضوابط وقواعد إن كان للمذاهب السنيّة أو الجعفرية كما في دول كثيرة من العالمين العربي والإسلامي.
هناك الكثير من الحالات التي تصل إلى مكاتب المحاماة، حول المتزوجات من المذهب الجعفري، فكيف تستفيد المرأة التي تنتمي إلى هذا المذهب من قواعد المذهب السني، فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية، وليكن سأتحدث عن الكويت تحديداً، لأن قانون الأحوال الشخصية الكويتي يتيح مسائل عدة تستطيع المرأة الاستفادة منها فيما يتعلق بعملية الانفصال بشكل أسهل وأيسر، مع الإشارة إلى أن ذات القواعد موجودة في المذهب الجعفري لكنها تتسم ببعض الصعوبة فيما يتعلق بموضوع الطلاق أو الخسائر التي قد تتعرض لها المرأة خاصة فيما يتعلق بموضوع الحضانة، وهذا الأمر لا يقتصر على النساء فقط، بل على الرجال أيضاً.
علاقة عكسية
هنا لا بد من الإشارة إلى أن المرأة التي تنتمي إلى المذهب الجعفري تستفيد من القوانين للمذهب السني، بعكس الرجال من المذهب السني هناك منافع لهم من خلال قواعد المذهب الجعفري، وفي ذلك تمازج رغم أنه علاقة عكسية، وهنا الأمر يقتصر على بعض الحالات وليس الجميع بطبيعة الحال.
المرأة التي تنتمي للمذهب الجعفري عندما ترفع دعوى طلاق تجد صعوبة في إثبات حالات الضرر وأسبابه، إلى جانب دور القضاة في التدقيق والفحص الواسع لإثبات الإدعاءات المقدمة، والتأكد منها، وفي ذلك رحلة شاقة للمرأة حتى تحقيق نتائجها، بالتالي نجد حالات الطلاق في المذهب الجعفري لا تجد صدىً واسعاً وبالتالي، أمام محاكم أول درجة والاستئناف تنتهي الدعوى بالفشل وتُرفض دعوى الطلاق، لذلك يلجأن إلى المذهب السني في هذا الأمر لأن عملية الضرر والإثبات هي أقل تشدداً في القواعد المنصوص عليها في المذهب الجعفري، وهذا يتحقق عندما تقول صاحبة الدعوى لمحكمة التمييز إنها غيّرت مذهبها.
الفوائد
ومن المعروف أن الحضانة في المذهب الجعفري، تكون للذكر من سن الولادة حتى 7 سنوات، أما في المذهب السني فتكون الحضانة للذكر من الولادة حتى 14 عاماً، وفيما يتعلق بحضانة الإناث، في المذهب الجعفري، أيضاً من الولادة إلى سن 7 سنوات، وفي المذهب السني، من الولادة حتى زواج الفتاة.
وفيما يتعلق بالرجل في المذهب السني، عندما يريد التغيير إلى المذهب الجعفري، فعند رفع زوجته دعوى تفريق يقول إن مذهبه جعفري، ويطلب من المحكمة إحالة النزاع إلى المحكمة الجعفرية، وهذا سيخلق للمرأة صعوبة في تحقيق طلبها في الطلاق، وفيما يتعلق بالحضانة بالنسبة للرجل، عند تغيير مذهبه للجعفري فإن فرص حصوله على حضانة الأولاد تكون أفضل مما هو متاح له في المذهب السني.
ومن الجدير بالذكر أن الوضع القائم في الكويت، يرجع إلى المذهب السني بكافة مذاهبه الأربعة، والمذهب الجعفري كما أشرت أعلاه، لكن المذهب الأخير معروف أن له خصوصيته خاصة وأن مرجعياته الدينية خارج الكويت (في إيران أو العراق أو منطقة القطيف السعودية).
وهنا لا بد من القول، إن شرحي لهذه المسائل ليس التسويق لفكرة تغيير المذاهب، وإنما لتبيان الفروقات الموجودة بين المذهبين، وهي دعوة لأن يكون هناك توحيد على الأقل في مسائل الأحوال الشخصية، (طلاق، حضانة،.. إلخ)، وبذلك لا يكون القانون خاضعاً لأهواء أطراف الدعوى في التحايل بطرق أراها أنها غير سليمة على الأقل من الناحية الاجتماعية.
بالتالي، لا بد أيضاً أن تتغير قوالب القوانين في قانون الأحوال الشخصية بما يخص الأسر الكويتية، خاصة بالاعتماد على المذهب المالكي الذي يتضمن أحكاماً واسعة وآراء عديدة، التي قد يلجأ إليها بعض القضاة في بعض الأحيان، لبناء الرأي القانوني، وهنا لا بد للخبير القانوني أن يتبحر في كل الآراء خاصة وأن المذهب السني فيه أصحاب عدة مدارس، خاصة أصحاب الإمام مالك بن أنس، “إمام دار الهجرة”، وأيضاً السادة فقهاء المالكية المعاصرين لهم آراء جديدة تتواكب والعصر وتستوعب حالة المرأة من طلاق وغيره، وهذا ينطبق على المذهب الجعفري كذلك الأمر، لأن القواعد والتشريعات القديمة التي كانت تنصر أحد الأطراف قديماً ربما اليوم هي تظلم بعضاً منها، فاليوم نسبة الطلاق الصغيرة نسبياً من حيث عدد سكاتها إلا أن نسبة الطلاق فيها بلغت 48% هذا العام وهي نسبة مرتفعة جداً، على المستويين العربي والخليجي.
من هنا، إن هذا الموضوع طويل جداً حاولت جاهداً تقديم ما أمكن باختصار على أن أتوسع فيه مستقبلاً في مجلة محكمة قانونية، وكذلك الأمر الحديث حوله من الناحية الفقهية، من خلال طرح أبحاث وربما كتاب يكون مرجع لكل صاحب قضية.
عبدالعزيز بن بدر القطان / مستشار قانوني – الكويت.