الرئيس الصيني يصف الحدث بالمفصلي والتاريخي ويؤكد أن العلاقات بين الجانبين ستقود لمستقبل أفضل
الرياض “وكالات”: أكدت القمتين الخليجية والعربية مع الصين، والتي عقدتا بشكل منفصل في الرياض، بحضور القادة العرب والرئيس الصيني، على تعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة بين مجلس التعاون والدول العربية مع الصين، ودفعها نحو آفاق جديدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.
وأكد البيان الختامي للقمة “الخليجية الصينية للتعاون والتنمية” استمرار الحوار الاستراتيجي بين الجانبين على جميع المستويات لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك وتنسيق المواقف حيالها، ودعم جهود التعافي الاقتصادي الدولي، ومعالجة الآثار الاقتصادية السلبية لجائحة كورونا وغيرها من التحديات، والعمل على ضمان مرونة سلاسل الإمدادات، وأمن إمدادات الغذاء والطاقة، ودفع بناء علاقات التعاون في تطوير مصادر وتقنيات الطاقة النظيفة، ومساعدة الدول الأكثر احتياجاً والمساهمة في تلبية حاجاتها الإنسانية.
كما أكد البيان على أهمية الدعم المتبادل بما يحقق المصالح المشتركة للجانبين، حيث تدعم الصين جهود دول المجلس لصيانة سيادتها ووحدة أراضيها والحفاظ على أمنها واستقرارها، وتحقيق التنمية المتكاملة، كما تدعم دول المجلس جهود الصين لتنمية اقتصادها وصيانة سيادتها وسلامة أراضيها، والالتزام بمبدأ الصين الواحدة.
وأعرب القادة في اجتماعهم عن حرصهم على تعزيز الحوار بين الحضارات والتواصل والاستفادة المتبادلة بين الثقافات المختلفة، والحفاظ على التنوع الحضاري، وأكدوا على أن التسامح والتعايش بين الأمم والشعوب من أهم المبادئ والقيم التي يقوم عليها المجتمع الدولي.
وناقش القادة في اجتماعهم، القضايا الإقليمية والدولية، حيث توافقت الرؤى حول أهمية تضافر كافة الجهود لتحقيق السلام والأمن والاستقرار والازدهار في جميع أنحاء العالم، وأولوية استتباب السلم والأمن الدوليين، من خلال الاحترام المتبادل والتعاون بين الدول لتحقيق التنمية والتقدم، والالتزام بمبادئ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وميثاق الأمم المتحدة وحُسن الجوار، والحفاظ على النظام الدولي القائم على احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها.
وأكد القادة في بيانهم على ضرورة التوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية. ووقف الاستيطان وكافة الإجراءات الأحادية، واحترام الوضع التاريخي القائم في مدينة القدس ومقدساتها.
كما أكدوا على دعمهم للتوصل إلى حل سياسي للازمة اليمنية، داعين جميع الأطراف إلى البدء الفوري في المفاوضات المباشرة برعاية الأمم المتحدة، وإلى الالتزام باستمرار الهدنة، ودعم الحاجات الإنسانية والإغاثية والتنموية للشعب اليمني.
واكد البيان دعم القادة الكامل لسيادة العراق وأمنه واستقراره، كما أكدوا ضرورة تكثيف الجهود للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية، يحفظ وحدة سوريا وسيادتها بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254، ووقوفهم مع الشعب اللبناني ودعمهم المستمر لسيادة لبنان وأمنه واستقراره. كما أكدوا دعمهم للجهود الساعية لحل الأزمة الليبية وفق قرارات مجلس الأمن، وتشجيع كافة الأطراف الليبية على عقد الانتخابات وتوحيد مؤسسات الدولة، تحت إشراف الأمم المتحدة.
كما أكد البيان على أهمية تعزيز الأمن والاستقرار في أفغانستان، وتكثيف الجهود في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني.
وأعرب القادة على مواقفهم الداعمة لكافة الجهود الدولية الرامية إلى التهدئة وإيجاد حل سياسي لإنهاء الأزمة في أوكرانيا، وفقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، بما يحقق حماية الأرواح والممتلكات، ويحفظ الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
كما أكدوا على ضرورة دعم معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الخليج.
وأشاد القادة بنجاح دولة قطر في استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022م، وحسن تنظيمها، وآثارها الإيجابية في الإرث الإنساني والتقارب الحضاري والثقافي والفكري بين شعوب العالم، كما استنكر القادة الحملات الإعلامية المغرضة الموجهة ضد دولة قطر.
وفي كلمته امام القمة الخليجية الصينية امس، أكد الرئيس الصيني على مواصلة الصين استيراد النفط بكميات كبيرة من دول الخليج، كاشفا عن خطط إنشاء مجلس استثمار صيني خليجي. وثمن شي، خلال كلمته في القمة الخليجية الصينية الأولى بالرياض، جهود السعودية لاستضافة أول قمة خليجية صينية، وقال إن ثمة تواصلا صينيا مع مجلس التعاون الخليجي منذ نشأته، وإن المجلس نجح في تخطي التحديات العالمية، مشددا “على مواصلة الدعم الثابت لأمن الخليج”.
وأعرب عن ترحيبه بمشاركة الدول الخليجية في مبادرة أمن الخليج”، لافتًا إلى “أن بلاده ستعمل على إنشاء المركز الخليجي الصيني للأمن النووي، وتابع “نعمل سويا على تحقيق مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى”، مشيرا إلى أن الصين ستتعاون مع دول الخليج في الاستثمار بالطاقة النظيفة.
من ناحية أخرى، كشف الرئيس الصيني عن خطط إنشاء مجلس استثمار مع دول الخليج”، ولفت إلى تضافر الجهود مع دول المنطقة لتفعيل نظام المدفوعات بالعملات المحلية. كما عبر شي عن حرص بلاده على التعاون مع دول الخليج في مجالات الحوسبة والاقتصاد الرقمي، وإطلاق سلسلة من مشروعات التعاون في مجالات الفضاء، قائلا: “نرحب بدخول رواد فضاء خليجيين لمحطة الفضاء الصينية”.
كما أشار الرئيس الصيني أيضا إلى خطط خلق مسارات جديدة للتعاون اللغوي والثقافي مع دول الخليج، قائلا إنه سيتم توفير آلاف الفرص التعليمية للغة الصينية لدول الخليج، وسيكون هناك تعاون متبادل لتعليم اللغتين الصينية والعربية.
قمة العربية الصينية
وفي وقت لاحق عقدت “قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية”، حيث أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، أن العلاقات العربية الصينية شهدت خلال العقدين الماضيين أهمية خاصة ضمن أجندة الدبلوماسية العربية الجماعية.
وقال أبو الغيط – في كلمته خلال قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية – امس بالعاصمة الرياض إن الارتقاء بالعلاقات صار أحد البنود التي تعرض باستمرار على جدول أعمال مجلس جامعة الدول العربية، كما يؤكد المجلس دومًا على حرص الدول العربية على تعزيز تلك العلاقات مع الصين في مختلف المجالات.
وأضاف أن “الدول العربية تتمتع فرادى بأفضل العلاقات مع الصين، إلا أن الجهد المبذول لتطوير العلاقات بشكل جماعي كما نفعل اليوم من خلال هذه القمة، يأخذ العلاقات بين الجانبين إلى مستوى أبعد وأعمق”.
وتابع أبو الغيط : “الصين تُعد اليوم الشريك التجاري الأكبر للعالم العربي”، مشيرًا إلى أن العلاقات بين الجانبين لا تقتصر على الاقتصاد والتجارة، بل هي تقف على قاعدة صلبة من التلاقي الثقافي والإنساني بين نظامين حضاريين، ولدى كلٍ منهما الرغبة الأكيدة في مد جسور التعاون على كافة المستويات الإنسانية والثقافية والعلمية والأكاديمية.
من جهته، ألقى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية كلمةً أكد فيها أن القمة العربية الصينية الأولى تهدف إلى رفع مستوى التعاون المشترك بين الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية بما يخدم المصالح المشتركة.
وقال صاحب السمو: إن انعقاد هذه القمة يؤسس لمرحلة جديدة للارتقاء بالعلاقة بين الدول العربية وتعزيز الشراكة في المجالات ذات الاهتمام المشترك ومواصلة تعزيز التعاون في المجالات التجارية والاستثمارية والمالية بين الدول العربية والصين في إطارها الثنائي والمتعدد، وتطوير التنسيق السياسي على الساحة الدولية تجاه القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
من جهته، أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ، أن القمة حدث مفصلي في تاريخ العلاقات الصينية العربية وستقود العلاقات والتعاون بين الصين والدول العربية نحو مستقبل أجمل.
وقال شي في كلمته خلال القمة العربية الصينية: “يتواصل الود بين الصين والدول العربية بجذورها في أعماق التاريخ حيث تلاقت وتعرفت بعضها على البعض عبر طريق الحرير القديم، مشيراً إلى أن الشراكة الإستراتيجية الصينية العربية أصبحت قائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة للمستقبل الأفضل.
وأضاف الرئيس الصيني: “تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيرات جديدة وعميقة باتت رغبة الشعوب العربية في السلام والتنمية أكثر إلحاحا وعلى الجانبين الصيني والعربي بوصفهما شريكين استراتيجيين تطوير روح الصداقة وتعزيز التضامن والتعاون وبناء مجتمع مشترك بما يعود بمزيد من الفوائد على شعوب الجانبين”.
وبشأن القضية الفسلطينية قال شي “إن القضية الفلسطينية تهم السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وتضع الضمير الأخلاقي للبشرية على المحك ولا يمكن أن يستمر الظلم التاريخي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني إلى أجل غير مسمى، ولا تجوز المساومة على الحقوق الوطنية المشروعة، ونتطلع إلى إقامة دولة مستقلة لا تقبل الرفض ويجب على المجتمع الدولي أن يرسخ الإيمان بحل دولتين، والتمسك بمبدأ الأراضي مقابل السلام بحزم والعمل بكل الثبات على بذل جهود حميدة لدفع مفاوضات السلام وزيادة المساعدات الإنسانية والإنمائية لفلسطين لدفع الحل العادل والعاجل للقضية الفلسطينية”، مشيرا إلى ترحيب بلاده بالتقدم المهم الأخير الذي حققته الجهود لدفع المصالحة الداخلية الفلسطينية، مجددا التأكيد أن الجانب الصيني يدعم بكل الثبات إقامة دولة فلسطين مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود الـ 67 وعاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب دعم نيل فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
من جهته، اكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن فلسطين لن تتخلى عن الالتزام بالقانون الدولي، متطلّعة في هذه الظروف الصعبة إلى مواصلة حشد الدعم الدولي لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، ودعم المساعي الفلسطينية الرامية للحصول على الاعتراف بدولة فلسطين، وعلى العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، مشيدا بمواقف الصين الثابتة والداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني وما تقدمه من مساعدات وبرامج تعاون تنموية.
في السياق، قال رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش أن القمة تشكل حدث تاريخي ومنعطف مهم في العلاقات بين الجانبين وفرصة سانحة وإضافة لبنة جديدة إلى العلاقات القوية القائمة بين العالم العربي والصين.
من جهته، أكد الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي أن “قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية” تؤسس لعهد جديد في مصير العمل الوثيق والشراكة الاستراتيجية القائمة بين الطرفين.
في المقابل، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن انعقاد القمة العربية الصينية الحالية سيعطي دفعة ملموسة للتعاون العربي -الصيني بكافة صوره، مشددًا على أننا حين نجتمع مجدداً في المستقبل القريب سنكون قد أنجزنا الكثير، وقطعنا أشواطاً إضافية في مسارات التعاون بيننا استنادا إلى التاريخ الفريد الذي تميز به التواصل العربي- الصيني الإنساني والحضاري الدافق.