إذا تركنا الحرب الروسية الغربية جانبًا قليلًا، ودققنا في تصرف هذا الغرب المنافق بسلوكياته مع مونديال 2022 في دولة قطر العربية، لرأينا أنهم فقدوا القيم الإنسانية وكل معاني الأخلاق، وأزالوا قناع النفاق بأنهم الشعوب الوحيدة المتحضرة في هذا الكون الواسع، ولكن قطر الدولة الصغيرة في حجمها، الكبيرة بأفعالها الجميلة والرزينة، وإدارتها العظيمة لهذا المونديال، لقّنت هذا الغرب المنافق دروسًا لن ينساها، وذلك في حُسن الإدارة، والروعة في التنظيم، وفي الكرم والتسامح، والحزم في اتخاذ القرارات الصائبة، والحرص على القيم والمبادئ، وعدم التفريط في العادات والتقاليد، واحترام مناسك العبادة والحفاظ على الدين.
المونديال لم يكن حصرًا للرياضة وحدها، وإنما مجموعة من القيم والدروس البليغة في الأخلاق الحميدة، وكل والمعاني الطيبة الكريمة، أبرزتها الفعاليات التي رافقت المونديال بوضوح ساطع.
لذلك تم دحض كل تلك الافتراءات الكاذبة، وبطريقة عملية ومباشرة، والتي دأب هذا الغرب المنافق على سوقها ضد العرب والمسلمين، وقد اكتشفت شعوبهم الكم الهائل من الأكاذيب التي يلصقها الغرب في الشعوب العربية، وأصيبوا بالدهشة والذهول عندما تعرفوا على الإنسان العربي النقيّ، أيًا كانت الجنسية التي ينتمي إليها هذا الإنسان العربي، والذي كان يصوّر في الإعلام الغربي، على أنه كتلة من الوحشية والجهل والتخلف، وقد اتضح لهذا الغرب الكاذب، أنه لا يملك أية ذرة من المصداقية في الحضارة، والتحضر اللتين يدعيهما زورًا وبهتانًا، أكان ذلك في الذي تفوه به مذيعوهم أثناء التعليق على المباريات، أو ردات الفعل الهمجية التي أبدتها شعوبهم، وحتى رجال شرطتهم الرسمية، وذلك عندما تُهزم فرقهم من قبل الفرق العربية، فكم أظهروا أنهم شعوب متخلفة همجية، وتحمل الحقد والكراهية ضد الأمم الأخرى، وخاصة العرب.
أما إذا انتقلنا إلى بدايات الحرب الروسية على الأوكرانية، وبداية نزوح اللاجئين الأوكرانين، فإننا نتذكر عنصريتهم بوضوح من خلال تعليقاتهم، وقبولهم بأن يكون النازح عربيا أو أفريقيا أو آسيويا، ولكن يرفضون أن يكون غربيًا، ومن هنا نكتشف كبر حجم النفاق الذي يزعمه هذا الغرب، فهو يزعم أنه سيد العدالة والديموقراطية والحرية والمساواة. ورغم أننا قد رأينا هذا العدل والإنصاف من قبل، عندما لا يعرف إنصافهم طريقه إلى الفلسطينيين من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، فقد تفهمنا ذلك، لأنَّ الغرب هو حامي حمى الصهيونية العالمية، وأنهم يفعلون ذلك نتيجة لدوافع دينية مقيتة، وثأرات قديمة بينهم والمسلمين، لكن جمهورية روسيا الاتحادية، لا تدين بالإسلام بشكل عام، ومعظم سكانها يدينون بالمسيحية، وإن كانوا يتبعون الكنيسة الأرثوذكسية، والغرب يتبع الكنيسة الكاثوليكية ومسميات أخرى، فهم على الأعم يتبعون عقيدة واحدة، وهي عقيدة التثليث.
إذن؛ أثبت هذا الغرب أنه لا يطيق التعايش إلا مع ذاته، أما ما يزعم به من تحضر، وأنه يمثل ملتقى الحضارات، فهذا غير صحيح وكذبٌ أشر، وقد أثبتوا عمليًا أنهم يقودون معركة صراع الحضارات؛ بل صراع بين القارات، ونشر الفساد في الأرض، ولا علاقة لهم بأي شيء من التحضر، بل هم يستلذون الخيانة والغدر بالشعوب الأخرى، ويسعون للوقيعة بين الشعوب والحكام، كلما وجد ذلك مناسبًا لهم، فالغربي يستمتع بتدمير الآخرين، فلا قيمة عنده لحياة الإنسان، إن لم يكن من أبناء جلدته، ولا يعترف لهذا الإنسان بأية حقوق، إلا إذا كانت حقوق هو من فصّلها وأقراها، وحتى وإن كانت مخالفة لشرع الخالق، أو تخالف الفطرة البشرية السليمة.
رأينا إلحاحهم في مونديال قطر 2022 وكيف سعوا لاستغلال هذه المناسبة الرياضية، لنشر الرذيلة والشذوذ الجنسي، وعندما عجز مشجعو فرقهم عن فعل أي شيء، وذلك بوعي وحزم من السلطات القطرية، أخذ بعض مسؤوليهم على عاتقه فعل ما عجز عن فعله عامتهم، فتنكروا بغير صفاتهم الرسمية، ودخلوا بين الجماهير خلسة، وفي الداخل أظهروا سوآتهم، ظنًا منهم بأنهم سينالون النجاح، وذلك في دعم المتخنثين من أمثالهم، وحتى هذه الحيل لم تمر على الأمن القطري، الذي نحيّه بقوة وكل الشعوب العربية والأمم السوية حول العالم ترفع لهم التحية والاحترام.
ولقد أوضح تصريح أنجيلا ميركل (المستشارة الألمانية السابقة) حول اتفاقية “مينسك” بين روسيا وأوكرانيا، وذلك بعد انقلاب عام 2014 والذي قاده هذا الغرب في أوكرانيا، حول قذارة هذا الغرب المخادع والمراوغ، فقالت إن اتفاقية مينسك كانت بهدف إتاحة الفرصة لأوكرانيا، لكي تتهيأ وتكوّن ذاتها استعدادًا لغزو روسيا، أو تكون حربة غربية في خاصرتها، ولأجل توغل الغرب في أوكرانيا بموافقتها طبعًا، ولمجابهة روسيا نيابة عنهم، وإنه ليس لأجل السلم والتعايش مع الجارة روسيا. إذن؛ من يصدق الغرب، ويؤمن بأنه يحترم نفسه وقراراته، فهو إنسان ساذج، ويخدع ذاته عندما يثق بهم، ومن لا يفهم هذا الغرب من تاريخه الأسود عبر القرون الماضية، فهو جاهل ولا ينبغي له أن يسوس أمة أو يقود شعباً.
لقد احتل الغرب أمم وشعوب كثيرة على طول الأرض وعرضها، واستخدم القنابل النووية دون تورع من هول النتائج، ونهبوا ثروات الشعوب واستعبدوهم وأذلوهم، فانظروا من الذي أحتل الصين، ومن احتل اليابان، ومن قسم كوريا، واحتل جزءا منها، ومن احتل فيتنام، ومن احتل شبه القارة الهندية وقسمها، وكل بلاد آسيا عدا روسيا القيصرية، ومن عاث فسادًا في أفريقيا، وكذلك الوطن العربي، وآخر احتلال لهم هي دولة العراق وتدميرها ونهب ثرواتها المادية والثقافية، واليوم يحتلون الجزء الاقتصادي من سوريا، وينهبون ثرواتها ضحى، وأمام عيون الأشهاد، وقبل ذلك هل تساءلنا من احتل الأمريكتين ونيوزلندا وأستراليا، وأباد شعوبها عن بكرة أبيها، وأقام دولا محل أمم؟! فإنه هذا الغرب المجرم.
إذن.. الأمل اليوم معقود على روسيا والصين ومن يلف لفيفهما في مقارعة الغرب الطاغي، وذلك لإخراج العالم من براثن الظلم والقهر الغربي، لكل الوجود البشري غير الغربي من سكان الأرض، وعلى العالم أن يتحد ليقف بقوة، وذلك لدعم روسيا والصين وكل الدول التي بمقدورها أن تقول “لا” للظلم والطغيان الغربي، وعلينا ألا نكتفي بالسعي في الانتصار على الأعداء، وإنما أن نسعى لكي تقام محاكم عدل حقيقية، وذلك لاسترجاع حقوق الناس، والأموال المنهوبة من الدول والأفراد، وذلك مصداقًا لقوله تعالى: “وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ” (الأعراف: 181).
إنَّ إقامة الحق والعدل، ليست موكولةً فقط للمسلمين، ولكن أي أمة بوسعها أن تقيم الحق والعدل، فذلك واجب عليها.
حمد بن سالم العلوي