احتفت جريدة (عمان) بيوبيلها الذهبي بندوة «عمان هذا البلد وهذه الجريدة» التي أقامتها أمس في مركز عمان للمؤتمرات والمعارض، تحت رعاية معالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام، لتكون الندوة أشبه بمحطة التقاء بين مؤسسي الجريدة، ومن تلاهم على مر 50 عاما في العمل الصحفي بالجريدة، وتعود بتاريخ إنشاء الصحيفة، ونظرة للمستقبل لمواكبة التطورات.
قدم معالي الدكتور وزير الإعلام كلمة قال فيها: «إن جريدة عمان التي تقف اليوم لترى تأثير الزمن على ما رصدته وأرخته خلال مسيرتها تمثل الشاهد الأبرز على مسيرة عمان الوطن والدولة والمجتمع والإنسان طوال نصف قرن من الزمن، استطاعت خلاله أن تكون ديوان الحياة في مسيرة النهضة العمانية الحديثة». مؤكدا على أن الاحتفال بالجريدة جاء بناء على كونها استطاعت بمهنية عالية أن ترصد كل ذلك التغيير العميق وتتيحه بتفاصيله اليومية لكل الأجيال القادمة ليعرفوا جهود الأجداد والآباء وعصارة جهدهم وفكرهم وآدابهم وفنونهم، وهكذا تتحول الجريدة إلى أرشيف وطني شامل للحياة العمانية بأكملها.
وقال معالي الدكتور وزير الإعلام : «إذا كان الجميع يتحدث اليوم عن قوة المجتمع العماني وبعده عن خطابات التطرف والغلو والإرهاب فلا يمكن أن نتجاوز دور الخطاب الإعلامي في صناعة هذه الشخصية وتمهيد مساراتها نحو المستقبل عبر تعزيز خطاب التعقّل وتقدير كل الأفكار والآراء دون تطرّف أو شطط في الفكر أو في القول، تمثيلا للآية الكريمة «وقُولُوا للنَّاسِ حُسْنا»».
وأضاف معالي الدكتور في كلمته: «إن دور جريدة عمان طوال العقود الخمسة الماضية لم يكن مقتصرا على رصد الإنجازات وتقديمها للمجتمع، بل إن دورها الأبرز كان عبر صناعة الوعي المجتمعي، وبناء الروح الوطنية التي كان تشكلها أمرا جوهريا في بداية مسيرة النهضة الحديثة، وصناعة خطاب تنويري يسهم في البناء المتين للمجتمع العماني».
وحول بناء الجريدة وتطورها قال الحراصي: «استطاعت الجريدة خلال العقود الخمسة الماضية أن تشهد الكثير من التطوير الذي واكب عصر الصحافة الحديثة التي تشهد اليوم تحولات متسارعة غير خافية، وتحديات بنيوية كبرى». وأشار إلى التحولات والتحديات التي تخلق فرصا عظيمة لمهنة الصحافة فقال: «وجريدة عمان تسعى جاهدة لتستثمر هذه التحولات من خلال رؤية تطويرية متكاملة».
وتضمنت كلمة معالي الدكتور قراءته لافتتاحية جريدة عمان في العدد الأول منها، التي كانت بعنوان «هذا البلد وهذه الجريدة» بقلم الراحل أمين أبو الشعر.
شاهد ومشاهد
بدأت الجلسة الأولى بورقة عمل قدمها الدكتور عبدالمنعم بن منصور الحسني استعرض فيها علاقته بجريدة عمان بحديث متسلسل يعود بالذاكرة إلى مرحلة دراسته التي جاء فيها زائرا للجريدة، حيث بدأ الشغف للصحافة يومها، أخذ الحضور في 7 مشاهد متتالية كان الفارق الزمني بينها قصيرا في الندوة ولكنه طويل لشغوف بالعمل الصحفي منذ بداية الزيارة الأولى: قال الحسني: «دخلت الجريدة مغمورا بالدهشة الأولى، وأنا في الصف الأول الثانوي (العاشر) ضمن رحلة مدرسية لجماعة الصحافة إلى المبنى الكائن بالحي التجاري في روي، ثم تكررت محاولات الزيارات في المرحلة ما قبل الجامعية ورسائل القراء.. على حلم تملكني أن أجد اسمي يتذيل مقالا بين صفحات الجريدة. لا تزال ذاكرة الحبر الأسود والأزرق تخط تجاويف القلب عندما أزهر بحب الصحافة. طريقة الطباعة والصف واللصق ووضع الصور بعد مشوار من الالتقاط والتحميض والطباعة.. كم كانت الولادات عسيرة كل ليلة حتى ظهور جريدة عمان مشرقة فجر كل يوم».
والتفت الحسني في ورقته بطريقة أو بأخرى لجهود أوائل العاملين في الصحيفة بقوله: «كم كان صبر الأولين عظيما، وهم ينحتون الجريدة كل يوم دون كلل أو ملل. لم يكن سوى الشغف حاضرا لرجال بدشاديش بيضاء ومصار ملونة». ورغم أنه قد رأى هذا الجهد منذ زيارته الأولى إلا أنه بقي محفورا في ذاكرته حتى اليوم.
وتكررت مشاهد الزيارات للجريدة التي بلغت لتكون مشتغلا فيها كمتدرب، ثم مشرفا على طلابه المتدربين في الجريدة، وحتى محطة الباحث في مرحلة دراسته للدكتوراه، بلوغا للمرحلة الإشرافية التي كان فيها الدكتور وزيرا للإعلام، حيث قال عن تلك المرحلة: «كانت محطة إشرافية حاولت فيها بالتعاون مع أبناء الجريدة أن نقدم عمان في كل المجالات وفق السياسة الإعلامية العمانية الراسخة».
تأسيس الجريدة
وقدم الإعلامي الدكتور محمد ناجي عمايرة أحد مؤسسي جريدة عمان ورقة خلال الجلسة قال فيها: «إن كلمة التأسيس لا تذهب إلى الأشخاص، وإنما تأتي إلى محصلة العمل»، مستعرضا طريق البداية التي سار فيها عمايرة، حيث قال: «كنا نحن 3 مؤسسين للجريدة، ولكن المشروع كان كبيرا، لم تكن مجرد جريدة وإنما هو الطموح لما نحن فيه الآن، طموح إلى عمان الحضارة وعمان المستقبل».
وحول الجريدة قال الدكتور محمد عمايرة: «الجريدة كانت ذراعا واحدا من أذرعة الإعلام، والسلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- كان هو صاحب هذا المشروع؛ لأن الوطن كان أمانة بين يديه، حيث قدم نداءه لينهض الشعب قائلا: إننا نريد أن ننتقل بعمان من الظلمات إلى النور، حيث عاشت عمان في عزلة قبل السلطان قابوس وها هي عمان الآن، وهذا جهده رحمه الله». وأضاف عمايرة: «عمان تعد أول جريدة تحرر وتطبع في السلطنة، وهناك تجارب صحفية عديدة محدودة لأشخاص، ولكن جريدة عمان لم تكن في تلك الفترة شيئا عاديا، رغم ضعف الإمكانيات وصعوبة العمل، والعراقيل الكثيرة، وهذا بطبيعة الحال ما يحدث في البدايات». واستعاد عمايرة تلك اللحظة التي جاء فيها إلى عمان من الأردن برفقة اثنين من زملائه، لإنشاء الجريدة والعمل على إصدار العدد الأول في 15 يوما، مواجهين للتحديات الكبرى التي أبرزها كانت المطبعة، وصف الحروف يدويا، وتطرق إلى أن العدد الأول كان يحمل بين طياته خطاب جلالة السلطان في العيد الوطني الثاني الذي تحدث فيه السلطان الراحل عن عدد من الجوانب الخاصة بعمان».
وقال عمايرة: «استشعر المسؤولية، وأشعر بالفرح حين أرى هذه الأجيال من العمانيين العاملين في الجريدة، وعندما ألاحظ كل هذا أشعر بالكثير من الفخر، فنحن كان لنا إسهام بسيط في هذه المسيرة، ونتحمل مسؤولية ذلك، والمشروع العماني هو مشروع عربي مشترك، والعمل الإعلامي العربي مشترك ونحن نتبادل الأدوار، فقد تعلمنا الصحافة من إخواننا في الوطن العربي».
وتطرق عمايرة في ورقته إلى الحديث عن البدايات والعراقيل التي واجهتهم في تأسيس الجريدة فقال: «عدد المحررين محدود والإمكانيات محدودة، ولكن الإرادة كانت كبيرة، والإرادة التي عززها السلطان الراحل هي من أنجحت هذا المشروع» وأكد عمايرة على الاهتمام السامي للسلطان الراحل على الربط المحكم بين الجريدة والبلد، فالجريدة جاءت تعبيرا للبلد، وضوءا لمستقبل عمان. وقال: «يبدو الحديث في تفاصيل العمل الصحفي في تلك الفترة عندما تقارنه باليوم تكون الصورة بسيطة، ففي تلك الفترة كان تحديا كبيرا أن تصدر وتحرر صحيفة في سلطنة عمان».
التحولات الإدارية والقانونية
وقدم الباحث عبدالرحمن المسكري خلال الجلسة ورقة حول «تنظيم العمل الإداري والتحريري في جريدة عمان (1972 – 2022م) قراءة في المدوّنة القانونية والإدارية»، قال فيها: «تسعى هذه الورقة إلى رصد التحولات الإدارية والهيكلية التي طرأت على جريدة عُمان خلال نصف قرن من العمل الإعلامي بدءا من إنشائها في 18 من نوفمبر عام 197م، حتى 18 من نوفمبر عام 2022م، واستبيان ما رافق تلك التحولات من شروط موضوعية استدعت التغيير في شكل الكيان القانوني الحاضن لهذه الصحيفة». وأضاف: «تسعى الورقة إلى التعريف بالدوائر والأقسام التي انضوت تحت إدارة هذه المؤسسة الإعلاميّة، والتوصيف الموضوعي لوظائفها وأدوارها المنوطة بها، مع الإشارة إلى أشكال الاختلاف والتغيير التي لحقتها وفقا للأهداف الأساسية للجريدة والاحتياجات والتطورات المتلاحقة». كما تحدث في ورقته عن الدراسات الرامية إلى التأريخ الموضوعي للمراحل التراكمية التي شهدتها الجريدة على مستوى التطوّر الإداري، وهو ما يكشف جانبا مهمّا من جوانب إدارة المؤسسات الإعلامية في عُمان، والتطورات والظواهر المتلاحقة التي مرّت بها، وقال: «يمكن أن تساعد مثل هذه الدراسات على تشخيص التحديات التي تواجهها المؤسسات الإعلامية خلال مراحل إنشائها وتطورها. غير أن الجانب الأهم -بحسب رأينا- هو ما تكشف عنه مثل هذه الدراسات التوثيقية من ارتباط وثيق بين وسائل الإعلام وبين التحوّلات الاجتماعيّة التي تشهدها البلاد على مستويات التعليم والسياسة والاقتصاد.. وغيرها. ذلك أن وسائل الإعلام وتطوّرها ليست بمنأى عن هذه التحولات، بل هي – بوصفها وسيلة من وسائل البث الثقافي والتنويري- محركٌ فاعلٌ في البنى الاجتماعية العامة، تؤثر فيها وتتأثّر هي بها».
مستقبل جريدة عمان
وقدم رئيس تحرير جريدة عمان عاصم الشيدي ورقة حول «مستقبل جريدة عمان» تحدث فيها عن مستقبل جريدة عمان الورقي والرقمي، وأهمية بقاء الورق إلى جانب التأكيد على أهمية مواكبة التطورات الرقمية، قال فيها: «هذا التحدي سيبقى قائما سواء بقينا بالورق أو انتقلنا للصحافة الرقمية، ولكن آخر إحصاء أو استطلاع رأي قام به المركز الوطني للإحصاء والمعلومات نشر أيضا في الصحيفة يوضح أن 44% من القراء مستمرون في قراءة الجريدة ورقيا، والنسبة ذاتها لقراء الصحيفة إلكترونيا، و12% منهم يقرؤونها بين الورقي والإلكتروني، وهذا الاستطلاع له مغزى عملي عندما ننظر للأرقام نرى أن عدد الذين يقرؤون الصحيفة إلكترونيا أضعاف مضاعفة لمن يقرؤونها ورقيا، ولا أذيع سرا أن عدد الزيارات لموقع جريدة عمان ومنصاتها الالكترونية يتراوح شهريا بين 8 ونصف مليون إلى 9 ونصف مليون، بمعدل 333 ألف زيارة في اليوم، وهذا رقم أيضا له مغزى عندما نخطط لموضوع تطوير الجريدة؛ لأن تطوير الجانب الرقمي أصبح مهما جدا».
وأضاف الشيدي: «فيما يخص الجانب المستقبلي أصدرنا في بداية هذا العام ملحق جريدة عمان الثقافي، الذي نستعد الأسبوع بعد القادم لإصدار العدد 12، ونخطط لإصدار ملاحق أخرى ستكون نموذجية ونخبوية في الجانب العلمي «ملحق علمي» يواكب جديد العلوم والطب، وملحق اقتصادي يعنى بالفكر الاقتصادي وتحليله العميق، وملحق اجتماعي يواكب القضايا العميقة التي تطرأ على المجتمع العماني، وهناك أيضا مشاريع كثيرة أبرزها تدريب الكوادر على الصحافة التحليلية، فالصحافة الخبرية بدأت تتراجع في ظل تنافـــس وسائل التـــــواصل الاجتماعي، وكل مواطن اليوم هو صحفي يحمل جهاز هاتفه ينشر الصور والخبر في ذات الوقت، ولكن صحافة الرأي هي صحافة المستقبل وهذا الجانب سيلقى عناية، وسنركز على هذا الجانب».