بعد نجاح رحلة إعصار الصحراء الأولى التي نفذها فريق الرحال في شتاء عام ٢٠٢٠.. ها هو فريق الرحال ينفذ رحلة إعصار الصحراءالثانية التي انطلقت صباح يوم الخميس الموافق ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٢ م واختتمت مساء يوم السبت ٣١ ديسمبر ٢٠٢٢ م بمشاركة واحدوأربعين شخصاً من مختلف ولايات السلطنة، وقد امتطوا أحد عشر مركبة من ذات الدفع الرباعي، ومن مختلف العلامات التجاريةالمتخصصة في تصنيع المركبات المخصصة للسير في الرمال ..
كانت نقطة تجمع المشاركين الأولى في محطة المها، وهي المحطة الأخيرة بولاية أدم باتجاه الجنوب ، حيث تسلم المشاركون وجبة الافطار،وواصلوا مسيرهم إلى المحطة الثانية منطقة منتصر بولاية مقشن، وهناك تناولوا وجبة الغداء بجوار نبع من المياه الكبريتية، ثم تواصل المسيرإلى نيابة مرسودد التابعة لولاية مقشن عبر طرق من التلال الرملية التي تتشكل كل حين في صور مختلفة لتهزم أمهر قادة المركبات.. وبالفعلفقد غاصت عدد من المركبات المشاركة، ولم تشفع خبرة أصحابها في هزيمة خداع رمال الصحراء المتحركة..
وبعد كرٍ وفرٍ وتكاتف وتعاون تم إعادة الأمور إلى مسارها الطبيعي، وانتظم المسير إلى حين الوصول إلى نيابة مرسودد التي أدينا في أحدمساجدها صلاتي المغرب والعشاء جمعاً وقصرا..
ثم يممنا وجهتنا باتجاه نيابة مندر الظبيان بولاية مقشن بعد تأخير حرمنا من الاستمتاع بمشاهدة مياه البحيرة المائية والنباتات البريةوقطعان الجمال العائدة إلى أطنابها بعدما أرخى الليل سدوله..
وفي نيابة مندر الظبيان المتاخمة لحدود المملكة العربية السعودية، وعلى إحدى قمم الرمال الشاهقة أناخ الركب رحاله ونصبت الخيام وفاحترائحة الطعام الشهية، وبدأت جلسات المسامرة، وغازلت العيون نجوم السماء حتى داهمها السهاد، فأُغمضت الأجفان وهدأت النفوس،واستسلمت الأرواح لملكوت خالقها وحافظها، حتى أصبح الصباح، فقام الجميع في همة ونشاط بعد أن تشبع الجسد بتلك النومة الهانئة فيتلك الرمال التي تتفوق على مراتب الخمس نجوم ..
بعد أداء صلاة الفجر استثمرنا باكورة الصباح في ممارسة رياضة المشي على كثبان الرمال العالية، والتقاط صور لشروق الشمس منزوايا مختلفة، وبعد تناول وجبة الإفطار قمنا بجولة في نيابة مندر الظبيان، مروراً بخيمة الشعر التي نصبها نائب الوالي للمناسباتالاجتماعية وإكرام الضيوف فتناولنا قهوتهم وشيئاً من مائدة الإفطار إكراماً لهم وجبراً لخاطرهم ..
في مندر الضبيان عجبنا أشد العجب لاختيار ذلك المكان لزراعة مجموعة من النخيل ضمن مشروع المليون نخلة المتناثر في عدد من المناطقالصحراوية التي تزحف عليها الرمال المتحركة، ولقد وجدنا تلك الفسائل بحالة يرثى إليها بسبب الإهمال وسوء اختيار المكان ومعظمهايحتضر، وحتى أنبوب المياه ترك للشمس ولم تكلف الشركة المنفذة دفنه لإطالة عمره الافتراضي، ولو تم توزيع فسائل هذا المشروع علىحدائق بيوت ومزارع المواطنين، لتكفل المواطن بزراعة حصته وسقيها ورعايتها والاهتمام بها ، ولما تكبدت الميزانية العامة هذه الخسارةالجسيمة، وقد طرحنا هذا المقترح في حينه ولكن لا مجيب..
وادعنا مندر الضبيان متجهين إلى منطقة المنادر التي أدينا فيها صلاة الجمعة في ذلك المسجد الصغير، فابتهج إمام الصلاة بامتلاءه بعدإن كاد سيصلي بقرابة عشرين مصلياً أكثرهم من العمالة الوافدة..
بعد أداء الصلاة وجدنا أحد أهالي البلدة بانتظارنا خارج المسجد وألح علينا وبشدة لقبول ضيافته في منزله المجاور للمسجد، ولما اعتذرناأخرج لنا كمية كبيرة من لبن الإبل تكفي لعشرات الأشخاص، فلله دره على هذا الكرم الحاتمي الأصيل ونسأل الله أن يزيده من واسع فضلهويوسع عليه..
تناول المشاركون وجبة الغداء الشهية في واحة مقشن الطبيعية التي تزينها بحيرة الماء والكثير من الأشجار والنباتات البرية، وإن كانتبحاجة إلى الكثير من العناية والاهتمام..
عقب ذلك بدأت الرحلة في العودة التدريجية لاستكمال المحطات المتبقية وفقاً للبرنامج المعد، حيث توقفت في منطقة الغافتين بولاية هيما،فنصبت الخيام على بعد من المخيم السلطاني، وربما جاء التخييم في هذا المكان عفوياً لاستعادة ذكريات الجولات للمغفور له بإذن اللهالسلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، فلا تزال أطلال مخيمه شاهدة على تلك الذكريات الخالدة،ولعله من المناسب استغلال مواقعالمخيمات السلطانية لإقامة منشآت سياحية أو صناعية أو مخططات سكنية لوصول جميع الخدمات إليها..
في الليلة الثانية من ليالي الرحلة أقيمت أمسية مفتوحة بدأت بتعريف المشاركين بعضهم ببعض، ثم ألقيت تباعاً الخواطر والقصائدوالقصص المتنوعة التي أثرت الأمسية ونالت على استحسان الحضور..
عقبها قام الشيخ عبدالله بن الوليد بن زاهر الهنائي راعي الأمسية، وبمعيته الفاضل / أحمد بن صالح اليحيائي قائد الرحلة بتوزيع دروعالرحلة التذكارية على المشاركين في الرحلة، وقام الفاضل / ناصر بن مسعود الجديدي بتسليم الدرع التذكاري للرحلة للشيخ راعي الأمسية..
في صباح اليوم الثالث للرحلة توجه المشاركين في طريق عودتهم لزيارة قارتا الكبريت والملح التي تبعد عن مركز المدينة في ولاية أدم بحوالي١٢٠ كيلو متر، وهي من أهم الأماكن السياحية للولاية، وقد اطلعوا على ما تحتويه من جبال وصخور وقمم وأسطح كبريتية وأخرى ملحية،كما توغل بعض المشاركين في أعماق كهف الملح..
بهذ اختتم فريق الرحال رحلته ( رحلة إعصار الصحراء الثانية) لتكون مسك ختام برامجه لعام ٢٠٢٢م الذي سيطوي يومه الأخير مساء هذااليوم، وقد حققت هذه الرحلة أهدافها المتمثلة في استكشاف معالم الربع الخالي، وتشجيع المشاركين على المغامرة والتخييم والتعايش معالظروف القاسية، وتحمل المصاعب، والاعتماد على النفس، واكتساب مهارات جديدة،وخلق علاقات جديدة من خلال التعرف على أصدقاءجدد، والاستفادة من أفكارهم وتجارهم..
فتحية شكر وتقدير لإدارة فريق الرحال الذي لا يمل من الترحال على تنظيم مثل هذه الرحلات المتميزة التي تأخذنا إلى أماكن قصية فيخارطة الوطن العزيز، والشكر موصول لكل المشاركين في هذه الرحلة الرائعة، على أمل المشاركة في رحلات قادمة بإذن الله وتوفيقه.
مسهريات يكتبها ناصر بن مسهر العلوي
السبت : ٧ جمادى الآخرة ١٤٤٤هـ
الموافق : ٣١ ديسمبر ٢٠٢٢م




























