ما يجمع البشر اليوم، عقيدة التوحيد، كل الناس أياً كانت ديانتها، تتبع للمولى عز وجلّ، ما يجمعها وحدانية الخالق عزوجل، فالعقيدة الإسلامية منسجمة مع الفطرة بكل تأكيد.
من نعم المولى تبارك وتعالى على الإنسان، نعمة التوحيد، التي لا تعلو عليها أي نعمة أخرى، ومنذ أن خلق الله تعالى، آدم عليه السلام، إلىيوم النشور، لأن رسالة كل الأنبياء والرسل هي توحيد الله تبارك وتعالى، وإفراد الله وحده في العبودية، وتنزيهه عزّ وجلّ عن البشر وصفاتهم.
ومنذ تشكل البشرية ومع نشوء الإنسان في بداية خلقه مع الفطرة السليمة، يؤذَّن له بأذنه اليمنى، وتُقام له الصلاة بالأذن اليسرى، بذكرعلامة التوحيد، “أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله”، فنحن من نعومة أظافرنا نتعلم أن نقول “أشهد أن لا إله إلا الله”، نعلّمأطفالنا “قل هو الله أحد”، هذا السورة كما أخبرنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، تعادل ثلث القرآن الكريم، واسمها سورة الإخلاص.
الإخلاص هو فضيلة من الفضائل وخلق من الأخلاق الحسنة الحميدة والتي يعبر فيها الشخص بالقول والفعل عن آرائه ومشاعره ومعتقداتهورغباته دون رياء أو نفاق أو مواربة. يتوصل الإنسان بالعلم إلى أن يكون من شهداء الحق والدليل على ذلك قوله تعالى.
الإخلاص لغةً: التصفية من الشوائب، والإخلاص اصطلاحاً، إفراد الله تبارك وتعالى بالطاعات والقصد وحده لا شريك له.
ومعنى الآية ككل، وحدانية الله تعالى والتفرد بها له وحده بالعبودية، والله الصمد، الصمد: السيد الذي كمل في سؤدده وغناه، والذي يقصدفي قضاء الحوائج، لم يلد ولم يولد، التفرد التام له، ولم يكن له كفواً أحد، أي مكافئاً ومماثلاً ونظيراً، ولا نشرك أي مخلوق أوي أي شيء معالله تبارك وتعالى في العبادة، رب العالمين له العبودية المطلقة.
وكما جاء تفسير الآية الكريمة في تفسير البحر المحيط، جاءت هذه السورة مصرحة بالتوحيد، والصمد هو السيد الذي ليس فوقه أحد، الذييصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم، أما في معجم لسان العرب لابن منظور، الصمد الرفيع من كل شيء، والمُصَمَّدُ: الصلب الذي ليسفيه خور، واطْمأَنَّ ونَبَتَ فيه الشجر، أما في تفسير الرازي، الصمد، هو الخالق للأشياء وذلك لكونه سيداً يقتضي ذلك.
بالتالي، إن الإنسان مهما كانت أو علت مكانته، يبقى بشراً، بالتالي وباختصار، الكمال لله وحده تبارك وتعالى، “لم يولد ولم يولد” وهناالشاهد هذا الأمر هو أهم ما نعلمه لأطفالنا، وهنا تجدر الإشارة أن وحدانية الله وتفرده في العبادة، لا تختص فقط بالمسلمين بل بعمومالبشرية، فهذه دعوة سيدنا موسى ونوح ويوسف والأنبياء جميعاً عليهم السلام، بما فيهم نبي الله عيسى وقائلها لمريم عليهما السلام، السيدالمسيح عليه السلام، لذلك عندما نقرأ قول الله تبارك وتعالى: (إني عبد الله)، هنا صفة العبودية نعت جميل، وكل الأنبياء والرسل يعشقون صفةالعبودية، إن الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم، أيد جميع الأنبياء والرسل بالمعجزات، وهذا يعيدنا إلى ذكر معجزة كلام السيد المسيح فيالمهد، (إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا)، وهذه رسالة إلى الجميع مهما بلغت معجزات السيد المسيح المؤيدة من الله تبارك وتعالى،لكنه يبقى عبداً لله تبارك وتعالى، فقد أتى له بالمنهج، أي شريعة بني إسرائيل في ذلك الوقت، بالتالي، الكتاب الذي نزل على السيد المسيحليس من عنده بل من الخالق عز وجل وهو رسول الله، (وجعلني نبيا)، والرسول هو أيضاً كما هو معروف النبي، (وجعلني مباركا أين ما كنتوأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا)، وهنا المقصود الصلة بين العبد المؤمن والخالق، وهذه الصلة لا تنقطع أبدأ، أي أن هناك رب يصمدله دائماً ويلجأ له دائماً.
هذه الصلة هي التي تربط بين الله وعبده، ويطلب العون منه ويرفع يديه بالدعاء له، وهذا على لسان عيسى ابن مريم نبي الله، لتظهر وتتجلىعظمة الكتاب الكريم، وفي قوله تبارك وتعالى: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا)، وهنا الحياة لا تكون إلا بوجود إنسان حي والحي لابد أن يكن له خالق، وهو الله تبارك وتعالى، خالق كل شيء، وقال تعالى: (السلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) بالشكل العامهذه صفات الإنسان، وبشكل خاص، السيد المسيح إنسان استثنائي، نبي الله ورسوله ومؤيد بالشريعة، ففي الآية نجد سنّة الحياة فالمولوديأتي من أب وأم يتزوجون وينجبون وهذا أمر منزه عن الله تبارك وتعالى.
لذلك جاء القرآن الكريم ليعلمنا حقيقة السيد المسيح، المعجزة المباركة من الله تبارك وتعالى، (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترونما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون)، وهذا خطاب إلهي، وهنا الشاهد لا يفرّق المؤمن بين أحدٍ منالرسل، وهنا نجد في يمترون أي يختلفون وهذا ما يحدث بين الطوائف جميعاً مسلمين ومسيحيين، ففي الآية الكريمة، أن عقيدة المؤمن يتمأخذها من القرآن، فلا يجب أن يستمع الإنسان المؤمن لفلان وفلان، (ما كان الله أن يتخذ ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كنفيكون)، وسبحانه هنا تنزيه الخالق عن التشبه بالبشر، ومعجزة الله تبارك وتعالى أنه (إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون)، (إن الله ربيوربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) الرب الذي يربي، والرب هو السيد المطلق، والمطلق هنا، اللفظ المطلق على ذات بلا قيد.
هنا تعريف الرب لغة: مالك الشيء وصاحبه، أما المعنى شرعاًـ: رب كل شيء أي رب العالمين.
بالتالي (ربي وربكم) إله واحد للجميع، (هذا صراط مستقيم)، فهذه هي عقيدة السيد المسيح في القرآن الكريم.
لذلك على المسلم أن يعود إلى دستوره الأول (القرآن الكريم) كي لا يتشوش بأفكار وآراء أخرى، خاصة المسلم الذي في المهجر، أن يلجأ إلىالعقيدة الحقة، العقيدة القرآنية، لأنها تناغم الفطرة، ولأي إنسانٍ كان مسلم أو غير مسلم، إلا وسيجد هذا التناغم وتأييد المعجزات إن كانبحمل السيدة البتول عليها السلام وكلام السيد المسيح في المهد وغير ذلك، فالسيد المسيح بشر، أيده الله بالمعجزات، وصاحب الأمر هو اللهتبارك وتعالى، حتى معجزة سيدنا آدم عليه السلام الذي خُلق بدون أب وأم.
بالتالي، هذه هي العقيدة الحقيقية الله تبارك وتعالى (لم يلد ولم يولد) هذا ما يجب أن نعلمه لأولادنا في كل مناسبة ووقت، علمهم (اللهالصمد) تصمد له جميع الخلائق، لا تتقرب من الله عز وجل بحجر أو بـ وليّ أو وصيّ أو نبيّ، بل تقرب منه بعبادتك والجئ له وحده دونغيره، وخذ العون منه واطلب المدد من الله، أيها المؤمن لا تجعل لله ند، فلا حجاب بين العبد وربه وتذكر قول الله تبارك وتعالى: (قل هو الله أحدالله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) فكن عبد الله كما كان الأنبياء والرسل عباد الله، عملاً بقوله تعالى: (سبحان الذي أسرىبعبده) فاطرب لهذا النعت الجميل.
وهنا لا بد من التأكيد على أن اختياري لهذه الآية الكريمة على قصرها ليس لغرض تفسيرها بقدر ما هي جانب مشرق وومضة قرآنية لتأملجماليتها وتأمل معانيها الكبيرة، وأن نبي الله عيسى بن مريم، بشر، خصه الله وأيده بالمعجزات، فالتأملات الموجودة في سورة مريم علىلسان السيد المسيح يعطي رسالة إنسانية جميلة وإشارة إلى عموم البشرية كما قال تبارك وتعالى “هذا عيسى بن مريم قول الحق”، بالتاليوهنا المقصد، يجب أن نفعل المشتركات بين الجميع، وأن نتخلق بأخلاق السيد المسيح، فذكر نبي الله عيسى ابن مريم عليهما السلام أكبرمن حصره في مناسبة، بل يجب أن يكون حاضراً في كل الأوقات، والجامع في رسالته كما كل الأنبياء، التوحيد، الله تبارك وتعالى هو الغنيوهو من يستحق العبادة الكاملة، وفلسفة الخلق هي هكذا ولن تكون غير كذلك.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.
