ارتبط شهر يناير بذكرى عزيزة في تاريخ مصر وهي ذكرى بناء أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين والذي وضع الرئيس جمال عبدالناصر حجر الاساس له في ال٩ من يناير عام ١٩٦٠م، ولا شك أن هذا المشروع العظيم يمثل إرادة كبيرة سجلتها مصر بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر الذي خاض معركة كبرى من أجل بناء هذا السد العملاق، بعدما رفض البنك الدولي وكلا من أمريكا وبريطانيا تمويل قرض لمصر من أجل بناء السد، ومنذ ذلك التاريخ بدأ العداء بين مصر عبدالناصر والقوى الدولية (الغربية) بعدها لجأ الزعيم جمال عبدالناصر الى الاتحاد السوفيتي ليوقع اتفاقية قرض لبناء السد العالي، وعمل السد على حماية مصر من الفيضان والجفاف، كما ساهم بالتوسع فى المساحة الزراعية نظرا لتوفر المياه، والتوسع فى استصلاح الأراضى وزيادة مساحة الرقعة الزراعية كما اسهم في زراعة محاصيل أخرى حيث أتاح توفر (٣) زراعات موسمية كل عام .
بدأت قصة السد العالي بعد ثورة ٣٢ يوليو ١٩٥٢م بأشهر قليلة عندما بدأت الفكرة التي تحولت الى قرار في مجلس قيادة الثورة عام ١٩٥٣م وفي عام ١٩٥٤م قدمت تصاميم المشروع ونظرا للحاجة الى التمويل لجأ الزعيم عبدالناصر الى تأميم قناة السويس مع كونها مشروع عظيم له أهداف استراتيجية اخرى، وفي عام ١٩٥٨ وقعت مصر على اتفاقية مشروع بناء السد العالي، وفي ال٩ من يناير عام ١٩٦٠م وضع الرئيس جمال عبدالناصر حجر الاساس للسد واستمر العمل بكل دقة ومتابعة حثيثة من قبل الحكومة المصرية ولم يستغرق سوى ١٠ سنوات لتعلن مصر اكتمال بناء السد العالي والذي حقق لها ضعف الدخل قياسا بتكاليف انشاءه التي قدرت ب(مليار دولار) وقد حمى مصر من الفيضانات والجفاف وتوسعت الزراعة المصرية ووفر مصدرا كبير للطاقة الكهربائية، كل ذلك حدث في فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر – رحمه الله .
هكذا عندما تمتلك الدول الارادة لتحقيق منجزات وطنية عظيمة، لقد كان السد العالي أحد تلك المنجزات التي قدمت لمصر أعظم مشروع تنموي في القرن العشرين، وحفلت تلك المرحلة بالكثير من المنجزات الكبرى مثل مشروع تأميم قناة السويس عام ١٩٥٦م التي اعقبها العدوان الثلاثي على مصر كذلك حققت مصر في عهد عبدالناصر ثورة صناعية كبرى بانشاء (١٢٠٠) مصنع كانت باكورة الصناعة المصرية لتتفوق فيها مصر على أبرز دول آسيا الصناعية في ذلك الوقت، كذلك حققت مصر في عهد عبدالناصر تقدما كبيرا في التعليم والصحة ودعم السلع الاساسية لابناء الشعب المصري وارتفعت قيمة الجنيه مقابل الدولار كذلك لا نغفل المنجزات الكبرى التي حققتها الثورة في بدايتها مثل اتفاقية الجلاء التي وقعتها مصر عام ١٩٥٤م وخرج اخر جندي انجليزي من مصر عام ١٩٥٦م، اضافة الى مشاريع كبرى في البنية التحتية والكباري وبرج القاهرة الذي يحمل قصة أخرى (سنتحدث عنها في مقال آخر) ولا يفوتنا الاشارة الى الدور الكبير الذي لعبته مصر في عهد عبدالناصر في استقطاب عدد كبير من البعثات الخارجية من مختلف الدول للدراسة في الازهر بتكاليف تحملتها مصر بالكامل، فقد كانت مصر هي قبلة للعالم النامي، وساعدت الكثير من الدول في مجال التعليم والصحة ومختلف المجالات الاخرى، وزادت عدد المساجد في مصر منذ بداية الثورة والى رحيل الرئيس عبدالناصر من ١١ ألف مسجد الى ٢١ الف مسجد تم بناءه في تلك الفترة، وانشئت اذاعة القرآن الكريم التي وصل صداها الى مختلف دول اسيا وافريقيا وكانت سببا في دخول الكثير في الاسلام، وتم جمع القرآن الكريم المرتل (مسموعا) في مصحف واحد، وفي مجال التنمية جاء تقرير الامم المتحدة لمصر في عام ١٩٦٨م لتحقق مصر قفزة مقدارها ٨% لم تحققها مصر في تاريخها، هكذا هي الارادة الحقيقة التي توفرت لمصر في ذلك الوقت بوجود زعيم وقائد يسمى جمال عبدالناصر – رحمه الله واعتماد مصر على أبناءها ولو تحدثنا عن منجزات مصر في عهد عبدالناصر لما اتسع هذا المقال، لانه كان يحمل رسالة ومشروع لوطنه وأمته وكرس مبادئ مازالت حتى اليوم تذكر بتلك التجربة العظيمة ومبادئها الخالدة، لذلك بقي عبدالناصر خالدا في قلوب الجماهير بعد مرور أكثر من نصف قرن على رحيله وما زالت صوره ترفع في كل مناسبة – رحمه الله .
خميس بن عبيد القطيطي