أدهشتني وأنا أطالع المعجم، المترادفات التسعة عشر في اللغة العربية لمفردة «خطأ». وأعتقد أن لذلك دلالاته التي تتعدى ثراء اللغة، إذا أنها الأخطاء وآفاقها الواسعة. وأدركت العلاقة بين الأخطاء والحكمة، فلغالبية الحكماء والكتّاب والفنانين والمخترعين أقوال مأثورة تتعدى حتمية الزلات إلى اكتساب الخبرة والحنكة.
ونحن بصفتنا بشرٌ نرتكب أخطاء تشبهنا، ولذلك يصفونها بأنها «بشرية»، لكننا نميل إلى الاعتقاد أن كل هذه الأخطاء تعيق نجاحاتنا بل تعرقل تطورنا، لذلك عادة ما ننظر إلى الأخطاء على أنها أفعال يجب تجنبها.
إن الخطأ جزء لا يتجزأ من التجربة الإنسانية، فحتى الرسل والأنبياء، وهم البشر المصطفون من الخالق المعصومون فيما يتعلق بأمور الدين، يخطئون في سلوكهم البشري. ومهما حاول الفرد تجنب الوقوع في الخطأ، فلن يجد سبيلًا للهروب من بعض الزلات. وفي مقولة تنسب لثيودور روزفلت: «الشخص الوحيد الذي لا يخطئ أبدًا هو الذي لا يفعل شيئًا مطلقًا»، أليست حالة الركود هذه إن وجدت فعلًا هي ذاتها خطأ بل خطيئة.
لكن ألا يوجد جانب مشرق للأخطاء الإنسانية؟ بحسب ما دلت عليه البحوث التي تدرس السلوك الإنساني وتحلل ردود أفعال البشر؛ فإن هناك أنماطًا مختلفة من الأخطاء، بعضها إيجابي لأنه يعمل على تطوير الشخصية بدل أن يعرقل نموها، كما هو المعتقد السائد. وتصبح الأخطاء إيجابية عندما نرتكبها في محاولتنا لتعلم شيء جديد لم نعرف القيام به في السابق، وهي حالة من تحدي الذات في سبيل تعلم معارف ومهارات جديدة، أي أن هذه الزلات تشكل تحديات تعليمية تولّد فرصًا ثمينة للنمو واكتساب الخبرة، فهي ترتقي بنا من دائرة اللاخبرة إلى رحابة الخبرات الواسعة والحكمة، شرط الانفتاح على تحويل ذاك الإخفاق إلى فرصة للتعلم.
لذلك نجد نظريات تقوم على التعلم عبر التجريب من أبرزها نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ للعالم النفسي، إدوارد ثورندايك. ويذهب محللو السلوك إلى الأثر الحسن لارتكاب الأخطاء، وذلك من أجل تطوير التفكير الناقد، والتحفيز لإيجاد طرق جديدة للتفكير والعمل، أي أن تلك الغلطات قد تقود للإبداع والابتكار.
فبتحليل ردود الأفعال أثناء ارتكاب الزلات وبعدها، وجدوا أن لحظة البصيرة التي ندرك فيها أن ما قمنا به كان خاطئًا أو غير فاعل ترفع من انتباه الدماغ خلال القرار التالي، وعليه يصبح مسار العمل الصحيح واضحًا، كما لو كان الدماغ يحاول منع تكرار الخطأ، ويحفز الشخص على تغيير أسلوب الأداء محاولًا إيجاد طرق أخرى توصله للنتيجة المرجوة. وبذلك، يصبح الخطأ وسيلة للتعلم وتغدو تلك الزلات إيجابية محمودة.
د. صباح عبدالكريم عيسوي