نقد الأمور في معناه اللغوي، أن تنقد الأفعال بالإيجاب أو السلب، وهذا هو السهل المُمتنع لدى البعض منّا، أما الشائع هذه الأيام هو “الانتقاد” ومعناه اللغوي إظهار وإبراز العيوب وحدها، وإغفال الجوانب الإيجابية، وهذا الشيء الذي يتقنه مثقفو “تويتر” و”الواتساب” من المتلكئين والناقمين حتى من النسيم العليل.
هذا هو داء الانتقاد، والمقارنات الظالمة مع الغير، هو الشيء السائد في بلادنا للأسف الشديد، فيسهل على البعض إجراء مقارنات بين عُمان ودول الخليج، مع إغفال عناصر التقييم للمقارنات، من حيث الدخل القومي، وعدد السكان، والمساحة والجغرافيا وطبوغرافية الأرض، والبنية الأساسية بين الموجود والمستحدث، وكذلك القوة الإعلامية وضعفها، فأحيانًا توجد أشياء في الإعلام، ولا توجد على أرض الواقع، وكذلك حرية النقد والتعبير، فهناك من يُغيّب في السجون أو الجزر البعيدة على كلمة، وهناك من يُغيّب من الوجود بتغريدة نقد، وهناك من تسحب جنسيته إن هو قام بانتقاد فعل، أو انتقاد إجراء يظنه غير قانوني.
إذن؛ حتى نكون منصفين، علينا أن نقيّم البلاد مع ذاتها، فكيف كانت قبل خمسة أعوام ماضية؟ وكيف أصبحت الآن؟ وأن يُقيّم المسؤول مع نفسه، فنقول؛ ماذا قدّم من فارق خلال خمس سنوات مضت إلى اليوم، وبهكذا طريقة سنقوم بالتقييم الصحيح والمنصف، أما أن تجرى المقارنات بالظنون والتخمين، أو بما تقوله وسائل الإعلام، وأنت لا تعرف ما بيد الغير من وسائل وإمكانيات؟! وهل فعلاً هناك إنجاز؟ أم لم يفعل شيئا في واقع الحال، ولكنه قال ووعد وحسب، وهل كلما يقال عن الفساد هو فساد حقًا؟! أم هي تغطية على مآرب أخرى، لتصفية حسابات شخصية! وما درجة تقوى وورع هذا القائل أو الفاعل؟ حتى نصدّق نهجه ومبرراته لأفعاله؟!
إذن.. هذا هو السهل المُمتنع في الانتقاد؛ ولست أدري إن كان هذا السهل الممتنع، سيظل يقاوم ويلوذ بالامتناع دومًا، وإلى متى سيظل على هذا الموقف العنيد منه؟ ألا تغريه السهولة بالتسهيل؟! ويترك عنه المكابرة والعناد، فقد تكرر في الآونة الأخيرة، بعض المواقف واللقطات المنسوبة إلى السهل الممتنع، وهي مواقف تنمُّ عن تخلي المجتمع عن قيم التكافل والتعاون والتعاضد؛ الأمر الذي يشي بوجود فقر حقيقي في البلاد، وأن الناس الذين يزعمون الشهامة والإنسانية، قد أثبتوا عكس ذلك، وأنا لست ناكرًا وجود حالات من الفقر والعوز، وإن هناك من هو بحاجة إلى مساعدة ودعم من الآخرين، وعلى رأسهم الحكومة التي يتوجّب عليها فعل ما يلزم لمُعالجة هذه المشاكل، قد كان التوجيه السامي الحكيم من لدن جلالة السلطان- أعزه الله- إلى دعم بنكي الإسكان والتنمية، والصناديق الخيرية.
ولكن هل كل هؤلاء النَّاس الذين وصلوا إلى مرحلة “الفقر” قد أتاهم الفقر فجأة؟ أم بسبب ما جنت أيديهم على أنفسهم؟! فهناك أشخاص “يشربكون” أنفسهم بأنفسهم في عقد من المديونية، وذلك بسوء تصرفاتهم، وآخرون يفرض عليهم الفقر فرضًا قسريًا، وذلك نتيجة لفصلهم من أعمالهم بصورة فجائية، أكان نتيجة التقاعد، أو الطرد التعسفي، وأستغرب كيف يحكم على المعسر بالسجن، فإذا هو خارج السجن ولم يأتِ بالمال، فكيف وهو بين أربعة جدران، ألا توجد جهة تسمى بجهة الغارمين تُدفع نيابة عن هذا المعسر، فيظل الدين في عنقه لهم، حتى يستطيع دفعه أو يعفى عنه.
لكن لا ينبغي على الحكومة أن تترك الأمور تسير على عواهنها، وإنما سرعة التدخل وحل المشكلات أولًا بأوَّل، وبذلك ستمنع الأمور من التفاقم عند التدخل في حلها، ولا نشك في نزاهة القضاء، ولكن للقضاء دورة قانونية يطول بالها الأمد، وتسير وفق تشريعات لا يشوبها الاستعجال، وهذا هو حال القضاء الحديث، الذي يتقيد بحرفية قانون الإجراءات، لكن النَّاس الذين ينفذ ما بيدهم من مال، ليس بوسعهم الانتظار حتى تبت المحاكم في الأمر، ثم تأتيك طرق وأساليب التنفيذ، وما أدراك بها وبلطفها على المحكوم ضده، ولا ننسى طرق الاستئناف، وكافة ضروب الطعون والاعتراض، والاستشكال وغير ذلك الكثير.
فهل لدى هذا المتضرر من الصبر الكافي، لكل تلك درجات التقاضي؟ طبعًا (لا) وكما يقول المثل: (لقمة الشبعان على الجيعان ونيّة). إذن؛ لننقذ النَّاس من تعقيدات الدهر، فيتوجب علينا كدولة ومجتمع، والدولة تشمل الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع، ويعني كل الكيان السياسي للوطن العُماني على سبيل المثال.
والسهل الممتنع؛ أن يأتي أحدهم (ويتسنن) وينام على الرصيف “وكلمة: متسنن ونائم، لا تعني أنَّه صلى صلاة السنة ونام، وإنما تمدد دون مبالاة “وهذا المصطلح مستخدم في بعض الولايات العُمانية، وربما غير مستعمل في الولايات الأخرى”. وقد يكون هناك من يعتمد مصطلحًا مختلفًا، ونعود إلى هذا المتسنن على قارعة الطريق، والذي يضع بجنبه أوراق فواتير للكهرباء والماء، فبالصدفة يأتي أحد المشاهير فيلتقط الصور لهذا الشخص المتمدد بجوار الشارع- وأنا أشك في هذه الصدفة- فينشر الخبر مع الصور، ويتلقف الناقمون والمتلكؤون المتربصون الخبر بلهفة وترقب.
فيبدأون التعليقات والسخرية من الحكومة، وخلال لحظات يظهرون الوضع في البلد بصفات سلبية عديدة، وأنه لا اهتمام بالمواطن، وتُنسج حكايات وحكايات. أو يأتي أحد الأشخاص على شاكلة المتسنن، فيتبناه أحد مشاهير تويتر فيقول له؛ أرفع شكواك إلى أصحاب الجلالة السلطان المعظم، أو السيدة الجليلة- حفظهما الله- فينتشر المقطع خلال لحظات في داخل عُمان وخارجها، وذلك قبل أن تعرف الحقيقة.. وهكذا دواليك.
إنَّ هذا السهل الممتنع من الممكن أن نجعله سهلًا وغير ممتنع، وذلك ببعض الخطوات والتنظيمات، بحيث تنشأ مكاتب تابعة للولايات، ويكون واجبها تلقي الشكاوى والتظلمات، وأن يعهد لبعض المتطوعين إدارتها، وبحث أحوال الناس ومن يوجد في حالة فقر حقيقي، يصرف له معاش من وزارة التنمية الاجتماعية، وذلك دونما نظر إن كان عنده معيل أم لا. أما من وجد معسرًا لسبب ظرف طارئ، فيمنح دعما من صندوق الزكاة في الولاية التي ينتمي إليها، ولا يوجد شخص واحد في عُمان، ليس له ولاية يرجع إليها، أو ولاية يقيم فيها، وبذلك تحل مشاكلهم جميعًا، حتى يجدوا عملًا يرفع عنهم الحاجة، أو تحكم لهم المحاكم التي رفعوا إليها تظلماتهم.
أما مسألة التَّطنيش والمماطلة، وعدم اتخاذ القرارات المناسبة في وقتها، سيجعل الناس يتسدحون على الطرقات، ويضعون بجوارهم فواتير، والمشاهير يمارسون هواياتهم، ويا ريت لو أن هذا المغرور بالشهرة، قد مدَّ يده في جيبه، وأخرج ما يستطيع كصدقة، وأعطاها لذلك المحتاج، وذلك بدلًا من التشهير به بين الناس، ويحصل على المزايدة من المتابعين والمتربصين، وبذلك يساعده ويساعد وطنه سرًا كما هو شرط الصدقات، ذلك دون التشهير بالناس، وكذلك نوم الأشخاص على الطريق، فيه خطر عليهم من حوادث السيارات، فربّ خلل يحدث فجأة في سيارة ما، يصعدها الرصيف فجأة باتجاه ذلك الشخص، فتدهسه وهو نائم بدون قصد، فتتحول الصدقة المنتظرة إلى كارثة، لا قدر الله.
حمد بن سالم العلوي