فى الذكرى السادسة والاربعين لانتفاضة يناير 1977 أعيد نشر هذا الملخص للمرافعة القانونية التى قدمها الدكتور/ عصمت سيف الدولة دفاعا عن الشعب الغاضب وعن انتفاضته وعن المتهمين بتدبيرها من شخصيات وكوادر سياسيةمعارضة:
· فلقد كانت انتفاضة يناير 1977 هى باكورة صدامنا وأولى معاركنا ضد صندوق النقد الدولى للدفاع عن أنفسنا فىمواجهة “روشتات الاخضاع والافقار” التى حاول تمريرها بالاكراه وبالتواطؤ مع السلطة حينذاك. ورغم نجاحنا حينذاكفى اجهاضها واجبار الدولة على التراجع عنها، الا انها عادت الينا اليوم وفى السنوات والعقود الماضية اكثر شراسةوعدوانا وتخريبا.
· كما انها تحتل مكانة خاصة فى تاريخ النضال الشعبى المصرى حيث كانت هى الاولى من نوعها منذ قيام ثورة1952، كما أن مصر لم تشهد لها مثيلا قبل مرور ما يزيد عن ثلاثة عقود فى يناير 2011.
· ولاهمية المقارنة بين طبيعة الأوضاع الاقتصادية والسياسية والامنية والقضائية اليوم، بمثيلاتها منذ 46 عاما،وايضا المقارنة بين نوعية الاتهامات التى كانت توجه الى المعارضة اليسارية فى ذلك العصر وبين ما يوجه الىالاسلاميين وعدد من قادة وشباب ثورة يناير اليوم.
· كما أهديها لكل من شارك فى ثورة يناير، ولا يزال يبحث عن سنن وقوانين نجاح او تعثر الانتفاضات والثوراتالشعبية فى مصر.
· وكذلك الى الجيل الحالى من المحامين الذين يقومون اليوم بالتصدى للدفاع عن كل هذه الاعداد من المعارضينالسياسيين وسجناء الرأى، وكذلك لكل المهمومين بالحقوق والحريات فى مصر.
فى عام 1977 قدمت النيابة بناء على تحريات جهاز مباحث امن الدولة 176 متهما الى المحاكمة بعد ان قبضت عليهمووجهت اليهم حوالى 15 اتهاما يمكن تصنيفها الى تهمتين رئيستين:
1) الاولى هى انشاء منظمات غير شرعية تهدف الى قلب نظام الحكم بالقوة،
2) والثانية هى تحريض الجماهير يومى 18 و19 يناير على التظاهر والتجمهر بهدف اسقاط النظام.
تصدى عدد من كبار المحامين للدفاع عن المتهمين وكلفوا الدكتور/ عصمت سيف الدولة عليه رحمة الله، بالقيام بمسئوليةالدفاع الموحد العام فى الشق التحريضى من القضية. فقام باعداد هذا الدفاع وتقديمه، وحكمت المحكمة ببراءة كل المتهمين.
عن هذا الدفاع أقدم لمحات عن بعض محاوره فيما يلى:
اولاـ الانقلاب:
اتهم الدفاع الحكومة بالقيام بانقلاب دستورى والخروج عن الشرعية وذلك فيما اتخذته من سياسات على امتداد الفترةمن اوائل 1974 وحتى تاريخ الاحداث وحدد هذه السياسات فى الاتى:
· سياسة الانفتاح الاقتصادى المحددة باصدار القانون رقم 43 لسنة 1974 المعروف باسم ” قانون نظام استثمار راسالمال العربى والاجنبى والمناطق الحرة ” وذلك فى مخالفتها للمقومات الاقتصادية للدولة الواردة فى الدستور والمعبرعنها بالمواد ارقام 1 و2 و3 و5 و23 و24 و26 و29 و30 و32 و34 و35 و36 و56 و73 و179 و180. وكذلك ما أسفرعنه هذا القانون من سيطرة الطبقة الراسمالية على الدولة مما يمثل جريمة منصوص عليها فى المادة (98 أ) من قانونالعقوبات التى تفرض عقوبة الاشغال الشاقة على اى هيئة “ترمى الى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات او القضاءعلى طبقة اجتماعية او قلب نظم الدولة الاساسية الاجتماعية والسياسية…” وكذلك ما ادى اليه من تبعية اقتصادية الى الولاياتالمتحدة الامريكية والخضوع لشروط صندوق النقد الدولى.
· وكذلك ما قامت به الحكومة من توقيع لاتفاقية فض الاشتباك الثانى مع العدو الصهيونى فى اول سبتمبر 1975 الذى جاءت ايضا مخالفة للشرعية الدستورية اذ تنص المادة الاولى منها على انه قد وافقت حكومة مصر العربية وحكومة(اسرائيل) على ان “النزاع بينهما فى الشرق الاوسط لا يتم حله بالقوة وانما بالوسائل السلمية ” وتنص المادة الثانيةعلى ان ” يتعهد الطرفان بعد استخدام القوة او التهديد بها او الحصار العسكرى فى مواجهة الطرف الآخر”. وهو مايمثل مخالفة للدستور الاتحادى بين مصر وسوريا وليبيا، فيما جاء فى مرفقاته من الاتى ” قرر الرؤساء الثلاثة بالاجماعما يلى (1) ان تحرير الارض العربية المحتلة هو الهدف الذى ينبغى ان تسخر فى سبيله الامكانات والطاقات (2) انه لاصلح ولا تفاوض ولا تنازل عن اى شبر من الارض العربية (3) انه لا تفريط فى القضية الفلسطينية ولا مساومة عليها .
· وهو الدستور الذى طرح وهو ومرفقاته على الاستفتاء الشعبى فى مصر بتاريخ 17 ابريل 1971 وتمت الموافقةالشعبية عليه ومن يومها اصبح وثيقة ملزمة دستوريا وشرعيا.
· وبالتالى فانه يترتب على هذا الخروج عن الشرعية من قبل الحكومة انه حتى اذا ثبتت التهم المسندة الى المتهمينبانهم قادوا الجماهير من اجل اسقاط سياسة الانفتاح الاقتصادى واسقاط اتفاقية فض الاشتباك ورفض غلاء الاسعارواسقاط القائمين على الحكم الذين اتخذوا هذه السياسات فانهم لا يكونون بذلك قد خالفوا الشرعية.
· ثم الخروج الثالث عن الشرعية باصدار القرارات الاقتصادية برفع الاسعار فى 17 يناير 1977 والذى خرجت باطلةمن حيث مخالفتها للموازنة الموافق عليها من مجلس الشعب حيث نص الدستور فى مادته رقم 115 انه “يجب عرضمشروع الموازنة على مجلس الشعب …ولا تعتبر نافذة الا بموافقته.
ثانيا ـ المؤامرة:
اكد الدفاع انه رغم ان الانتفاضة كانت تعبيرا شعبيا عفويا عن الغضب من القرارات الاقتصادية ، الا ان جهاز مباحث امنالدولة استخدمها كذريعة لتصفية القوى الوطنية المعارضة للحكومة والنظام والذى كان يتابع ويترصد حركتها منذمنتصف عام 1973 فقام بضم عدد 7 قضايا مختلفة فى الاعوام 1974 و1975 و1976 وهى قضايا سبق ان قبض فيهاعلى المتهمين وحققت معهم النيابة و افرج عنهم الا انها بقيت فى الصندوق تنتظر اللحظة المناسبة والظرف الملاءم فلماقامت انتفاضة يناير وجدها امن الدولة فرصة لتصفية هؤلاء فطلب من النيابة ضم القضايا القديمة الى القضية الاساسيةالحاملة رقم 100 لسنة 1977. مما ظهر جليا فى اضطراب التهم وعدم ارتباطها ببعضها البعض ناهيك عن انفصام اىصلة بين معظمها وبين وقائع ما حدث يومى 18 و19 يناير.
ثالثا ـ امن الدولة:
قدم الدفاع للمحكمة احصائية تفصيلية عن نسبة الخطأ او الكذب فى تحريات امن الدولة فى 10 قضايا تم نظرها فىالفترة من 1974 وحتى 1977. وكان معيار التقييم هو النسبة بين عدد الذين شملتهم بلاغات امن الدولة الى نسبة الذينقدمتهم النيابة فعلا الى المحاكمة. وكانت نسبة الخطأ او الكذب 78 %. وبناء عليه اكد “سيف الدولة” ان ” هذا الجهازحين يتلقى المعلومات من المصادر، وحين يدخلها فى التعميمات، وحين يضيف اليها او يحذف منها، وحين يدونها فىالسجلات، وحين يختار منها مايبلغ عنه، وحين يقدم عن بلاغاته مذكرات، وحين يبدى ضباطه الاقوال امام المحققين اوامام المحاكم، يكون خاضعا لاوامر سياسية تأتيه من خارجه ولايكون الحرص على الشكل القانونى الا محاولة لسترالاستبداد بقشرة من الاجراءات القانونية ” وهو ما يجعل هذا الجهاز وادلته غير جديرين بثقة القضاء.
الشاهد الوحيد: طلب الدفاع عدم الاعتداد بكل البلاغات المقدمة الى النيابة والتى تبدأ بعبارة واحدة هى “دلت التحرياتومصادر المعلومات” والتى تعتمد على شهادة شهود مجهولين ومحجوبين عن المحكمة. واستند فى ذلك على شروطالشهادة المقبولة شرعا، كما استند الى حكم سابق لمحكمة امن الدولة العليا جاء فيه ” ان المحكمة لا ترى ان تعرف ضابطواحد بمفرده على اى من المتهمين دليل مقنع على اثبات الاتهام ضده. ولا يبقى بعد ذلك الا التحريات مجهولة المصدروهى فى مثل ظروف الدعوى لا تستقيم حتى كقرينة قبل اى من المتهمين “
الاوراق الخطية: طالب الدفاع باستبعادها كدليل ادانة لعدد من الاسباب ابرزها هو انها غير معدة ” للتوزيع بغير تمييز” وهو شرط التجريم الذى تنص عليه المادتين 171 و 174 من قانون العقوبات.
كما طالب باستبعاد الصور الضوئية لاى اوراق مقدمة كدليل ادانة وذلك طبقا لما نص عليه القانون المدنى من انها لاتصلحدليلا على مطابقتها للاصل اذا جحدها من تنسب اليه
رابعا ـ نفى الادلة:
اما عن الكتب المضبوطة فان الدفاع طلب استبعادها على اساس انه لا يوجد نص فى القانون يجرم حائزيها حتى اذاكانت كتبا ممنوعة وانما يقع التجريم فى هذه الحالة على المؤلف و المستورد والطابع والبائع والموزع.
اما عن الاوراق المطبوعة المنسوبة الى احزاب غير مشروعة فان ضرورة استبعادها تتأتى من ضرورة اثبات وجود هذهالاحزاب اصلا، واثبات انتماء المتهم لها، واثبات انه شريك فى اصدار هذه الاوراق على وجه التحديد. هذا بالاضافة الىان المباحث قدمتها الى المحققين بعد بداية التحقيق ولم تعرض مع المتهم مما يلقى شبهة التلاعب بها او دسها على المتهمعلى غير الحقيقة وهو ما نظمه قانون الاجراءات الجنائية.
الصور الفوتغرافية والتسجيلات: وجه الدفاع ضربة قوية الى هذا النوع من الادلة فنجح فى تحقيق نتيجة ايجابيةوهامة، وهى استبعادها من القضية وكل القضايا المماثلة حيث تحققت سابقة قضائية وهى عدم الاعتداد منذ ذلك الحينباى صور اوتسجيلات لسهولة التلاعب بها. وكان ما فعله د. سيف الدولة انه قدم للمحكمة صورا للهيئة القضائيةمستبدلا فيها وجه اعضاء المحكمة بوجهه هو شخصيا. اما عن التسجيلات فقام باعداد وتقديم تسجيل صوتى للعقيدمنير محيسن احد شهود القضية بعد ان اعاد تركيب شهادته بحيث تظهر وكانه شاهد نفى وليس شاهد اثبات.
واختتم الدكتور/ عصمت سيف الدولة مرافعته بالدفاع عن حق المقاومة الشعبية مستندا الى نصوص من الدستور وقانونالعقوبات والشريعة الاسلامية والشريعة المسيحية والمبادئ القانونية.
وأصدرت المحكمة حكمها المتقدم ببراءة الجميع.
محمد سيف الدولة