كانت ولاية بهلا يوم الأحد الموافق ١٥ يناير ٢٠٢٣ م على موعد مع زيارة عاشق (لغة القرآن الكريم) وصاحب الامتياز في تأصيل الوجود العماني في الجزيرة الخضراء التي لا تزال تتحدث بلسان عماني فصيح من خلال صروحها الدينية والمعمارية والزراعية والبحرية،وكذلك العادات والتقاليد فلا تزال السمة والبصمة العمانية حاضرة هناك بأدق تفاصيلها وأروع معانيها، بفضل الله ووجود قامات عمانية سامقة، ومن بينهم الأمير العماني ناصر بن سعيد الرواحي فارس البيان ومؤسس أكاديمية سمائل لعلوم القرآن الكريم، وكلية سمائل للعلوم والصناعة، ولا يزال لديه الكثير والغزير مما يقدمه هنا وهناك بعون الله وتوفيقه..
وكان بمعية الضيف الزائر ثلة من المرافقين الكرام يتقدمهم الأستاذ الفاضل / سعيد بن خلفان النعماني رئيس تحرير مجلة التكوين ، والرواحي والنعماني يمثلان (توأماً )في ساحة الفكر والابداع بما لديهما من ملكات متفردة في مضمار الثقافة والمعرفةالانسانية ،فكما أن للشيخ ناصر الرواحي فضائل كثيرة على الجزيرة الخضراء، فكذلك للأستاذ سعيد النعماني بصمات مضيئة من خلال الأفواج الغفيرة من الزوار العمانيين الذين يصطحبهم إلى هناك للتعريف بهذه البقعة الغالية في نفوسنا جميعاً، كما كتب الكثير من المقالات وأجرى العديد من الكتابات الصحفية عن الجزيرتين ..
بوصول الضيوف الكرام مقر الاستضافة بولاية بهلا استقبلهم أعضاء رحلتنا إلى زنجبار والجزيرة الخضراء التي نفذناها في نوفمبر ٢٠٢٢م، وبلهفة اشتياقهم لهذه الزيارة الكريمة حرصوا على استقبال الوفد الزائر منذ الوهلة الأولى، وشاركوهم في كل محطات التجوال..
بعد أخذ العلوم والأخبار والتعريف بالضيوف وتناول القهوة العربية قدّم الشيخ ناصر بن سعيد الرواحي نبذة تعريفية عن المشروع الوقفي الذي ينوي تنفيذه لخدمة الدعوة الإسلامية وإعمار بيوت الله ومدارس القرأن الكريم ومساعدة طلبة العلم والفقراء والأيتام ، والذي يُعوّلُ عليه كثيراً في استدامة العمل الخيري وديمومة المشاريع الخيرية، وهو عبارة عن مجمع تجاري سكني، وقد تم شراء الأرض التي سيقام عليها المشروع في العاصمة التنزانية دار السلام، وسيتم تمويل بناءه بإذن الله بواسطة المحسنين وصناع الخير الذين يسعون إلى الادخار من أجل الآخرة..
منوهاً بأن أيادي أهل عمان سخية ومعطاءة في دعم وتمويل مثل هذه الوقوفات والأعمال الخيرية، التي ستعود عليهم بالخير الوفير يوم القيامة، وتزيد في بركة اموال وأعمار وذراري المنفقين، وقد أناط إلينا مشكوراً التنسيق مع الراغبين في المساهمة في هذا الوقف الخيري
المبارك ..
عقب ذلك بدأ برنامج الزيارة بالإرتقاء إلى جبل المحطة الذي يتيح للصاعدين إلى قمته إلقاء نظرة بانارومية على ولاية بهلا من أقصاها إلى أقصاها، وتجعله في مواجهة حصن الطماح المهيب، وسور بهلا المحيط، والسوق والحارات القديمة ،الواقعة ضمن إطار واحة بهلا، بما فيها المساجد والمدارس والبيوت القديمة والحديثة التي تتظلل بأشجار النخيل، فيما تبدو بحيرات المياه في وادي بهلا بلونها الأزرق الجميل، حيث انعكاس سماء الشتاء الصافية، وهناك أخذت عدسات الهواتف والكاميرا توثق صوراً في غاية الجمال والروعة لهذه المشاهد البديعة ..
بعد ذلك شقَّ الركب طريقه وسط الأزقة والطرق الضيقة ميمماً وجهته نحو مصنع الفاضل عبدالله بن حمدان العدوي للصناعات الفخارية ،الكائن في حارة خليفة ،وهو أقدم مصانع الفخار بالولاية، ولا يزال أهله يعملون به حتى اليوم، وقد عملوا على توريث هذه الحرفة لأبنائهم الذين قبلوا عليها برغبة وشغف .
وقدّم الأستاذ / سعيد بن عبدالله بن حمدان العدوي بسعة قلبه وعفويته الصادقة شرحاً وافياً عن هذه الصنعة واحتياجاتها وأنواع التربة وكيفية التصنيع والحرق والفرز والتسويق، كما أتاح الفرصة لمن يرغب في تجربة التعامل مع طينة المدر، ووجه الدعوة لمن أراد الاستفادة من فرص التدريب لمزاولة مهنة صناعة الفخار، وذلك في إطار خطة المصنع لتوسيع رقعة العمل بهذه المهنة لحمايتها من الانقراض، وقام واحد من أبناء الضيوف بعمل محاكاة لصناعة كوب ماء من مادة الفخار ..
بعد الانتهاء من زيارة مصنع الفخار السريعة يممنا وجهتنا إلى ولاية الحمراء ومنها إلى قمة جبل شمس الأشم، وهناك عشنا مع الضيوف أجواء استثنائية في تلك الهضبة الجبلية الشامخة بأجواءها الباردة، وتضاريسها العجيبة، وأشجارها ونباتاتها البرية الطبيعية التي تتغذى على الندى، وتقتات منها الماشية التي تسرح من الصباح إلى الرواح في تلك الروابي المعشوشبة..
بعد العصر عدنا إلى مقر الاستضافة بولاية بهلا لنبدأ أمسيتنا على دفء فاكهة الشتاء، وعلى أقداح شاي الزنجبيل الساخنة، واستعراض صور رحلتنا الماضية إلى زنجبار والجزيرة الخضراء، وقام الأستاذ النعماني باستهلال الأمسية بتقديم رائع رحب فيها بالحضور، وتحدث عن مضامين رحلاته المكوكية إلى الجزيرتين، وعلاقته الوطيدة بالشيخ الرواحي، والتعاون القائم بينهما لخدمة الأهداف المشتركة..
وشنَّف الرواحي عاشق الضاد الأسماع برائعته الجميلة التي نظمها بمناسبة زيارته لولاية بهلا، وهذا نصها :
١ سُلوايَ في عُرف الهوى سلواه
ومِراسنا في ذي الدنى بُهلاه
٢ بُهلاي رمزٌ في المجال تمثلت
علمٌ يفسر جمعنا ذكراه
٣ أُحصي كلامي أم أغادر عده
أَلقيت بحراً مُرقماً دِلواه ؟
٤ ارمي خُطاي الى البعيد تمدني
مشكاةُ حزبٍ لم يحد مرماه
٥ أُغشي على جسم الزمان سكينةٌ
من نحو بيمبا والحجى يغشاه
٦ أنفاس قلبي في البيان قصائدٌ
بُهلا وحمرا منهما نزواه
٧ في كل شطر من حروف قصائدي
عرفانُ ودٍ يُشتهى لقياه
٨ جئنا إليكم والملائك حولنا
يبغون ألفاً بيننا سكناه
٩ هُزم الوجيجُ بصارمٍ من عزمةٍ
فدنا البعيدُ بموكبٍ سرناه
١٠ ذي بلدة ذي مهجة ذي قلعة
طافت على حقب الزمان يداه
١١ قومي رجالي أنتم في محملي
أقلام رسم في الملا لوحاه
١٢ نَعمان سبقٍ والهنائي صنوه
كالجعفريُ مبرةٌ شَقصاه
١٣ من آل عَبرة والجوابر مثلهم
وابن الرواحة مسهرٌ قمراه
١٤ أما اليحايا والأماثيل احتفت
بالخاطري الفذ من ملفاه
١٥ قرباك يا عدوي عمق الفنا
كالطير سطر في الفضا شدواه
١٦ رباه هبنا نظرةٌ قدسيةٌ
أنت المرجىَ في الملا رباه
١٧ واكرم كلانا حكمةً عَلويةً
مثل البراق بليلة مسراه
١٨ وامنح سلاماً عاطراً لنبينا
وارحم قبيلاً منْ هنا زرناه
١٩ والجمع من ضمت قوافي شعرنا
والجو والجبل اللطيف شذاه
٢٠ ما سطّر الشعر المبرز قائلٌ
سُلواي في عرف الهوى سُلواه
تلاه الشاعر الدكتور/ علي بن هلال العبري بقصيدة شاعرية بثَّ فيه أشواقه إلى الجزيرة الخضراء، خاصاً في أكثر مفرداتها بالثناء الجزيل للشيخ الرواحي لما يبذله من فضل عميم في خدمة الإسلام والمسلمين..
في ختام الأمسية قام الشيخ ناصر بن سعيد الرواحي بإهداء المشاركين في رحلة زنجبار لوحات تذكارية من القصيدة، لتكون خاتمة هذا اللقاء المبارك الذي لولا رغبة الضيوف في العودة لاستمر حتى الصباح، على أمل اللقيا في لقاءات ودية قائمة بإذن الله وتوفيقه ..
مسهريات: يكتبها ناصر بن مسهر العلوي