إن الذي تجريه بلدية مسقط من مخالفات، وغرامات مرتفعة القيمة، فإذا كان المجلس البلدي على علم بذلك- ولا يحرك ساكنًا- فتلك أزمة، وإن كان لا يدري فالأزمة أعظم… ترى هل يُعقل أن تكون مخالفة المواقف العامة تساوي مائة ضعف قيمة رسومها؟! وهي (100 بيسة) فإن نسيت أنت أو غفلت تحجز الموقف بمائة بيسة، تدون ضدك مخالفة بعشرة ريالات، وأن أنت أردت أن تحتاط لنفسك وتحجز الموقف قبل مغادرتك مسكنك حتى لا تغفل، سوف يتبخر الحجز في زحمة الطريق، فعلى سبيل المثال؛ تنزل تأخذ قطرة للعين من صيدلية ما، فتخرج وتجد المخالفة قد ألصقت على زجاج مركبتك، فما هذه القسوة وهذا الترصد والظلم في حق الناس؟! أليس من الظلم المركب.. ألا يعرف الناس حقهم في زمن بسيط للوقوف.
ففي بلاد غير المسلمين، لا تخالف السيارات إلا إذا توقفت فترة طويلة، فيأتي الموظف الموكل إليه مراقبة المواقف، فيتحسس غطاء المحرك، فإن وجد به سخونة ترك السيارة، وعاد إليها بعد فترة، ومن الدقة في حساب الوقت، فإنهم يعملون علامة بـ”الطباشير” حول أحد الإطارات، حتى يتأكد لهم، أن نفس السيارة لا زالت تقف في نفس المكان.
أما نحن وقد علمنا من خلال ديننا الحنيف، أننا محاسبون على مثقال ذرة، لا نكترث في محاسبة الله لنا، إذا ما نحن ظلمنا أحدًا دون وجه حق؛ بل قد أوجدت البلدية جهازا يسجل المخالفة بضغطة زر، فما على ذلك المراقب إلا إدخال رقم المركبة ورمزها، أما بقية المعلومات فمخزنة آليًا، وإرسالها في ثوانٍ، وذلك حتى لا يتردد هذا المتربص بالناس، أو يتراجع عن تدوين مخالفة ضدهم.
أليس من حق الناس؟ أن يعرفوا فترة السماح في الوقوف، وقد سبق لهم وأن دفعوا رسومًا يوم تسجيل السيارة، ودفعوا رسومًا يوم حصولهم على رخصة السياقة، وقد قيل لهم هذه الرسوم نظير استخدامهم للطرق، ألم تكن المواقف من ضمن نظام الطرق؟! أم أن السيارات لا يجب أن تقف إلا في منزل صاحبها!! وإذا كان الأمر هكذا، فما عليكم إلا أن تأخذوا قائمة من المرور بالسيارات التي تسير على الطريق، فتخالفوها كل صباح مرة، وفي المساء مرة أخرى، نظرًا لوجود احتمال بأن يأتوا ويقفوا بسياراتهم في الأسواق دون علم منكم.
وها أنتم قد نجحتم في الدفع بالناس إلى المجمعات الكبيرة، فهناك يجدون مواقف مظللة ومجانية، وليس فيها خطر تلقي مخالفات على المواقف، فيتركون المواقف المكشوفة تحت أشعة الشمس، وعرضة للمخالفات، إن هم نسوا حجز موقف، لذلك لا عجب إن أفلس أصحاب المحال الصغيرة، وكأن في الأمر مؤامرة تشبه مؤامرة أصحاب الوكالات الكبيرة، فيجعلون أسعار قطع الغيار في السلطنة أغلى ثلاث مرات عن أسعارهم “هم” أنفسهم في دولة أخرى!! وهو تصرف غريب ومريب، وهنا تدفع البلدية بالناس نحو المحال التجارية الكبيرة، والتي هي ملك لمستثمر أجنبي، وذلك بسبب كثرة المخالفات، ترى هل من تفسير لهاتين الحالتين؟!
قال لي أحدهم، إنه ذات مرة أنزل كرسي في محل لتنجيد المقاعد، كنموذج طلبه منه صاحب المحل، فعندما خرج من المحل وجد الموظف وزميلا له؛ يقفان عند باب السائق لسيارته، فيقول؛ توقفت قليلاً حتى لا أحرجهما، ظنًا مني أنهما في حوار خاص وسيذهبون، ولكن تفاجأت بأن أحدهما يسحب قصاصة المخالفة من جهازه الإلكتروني، ويلصقها على زجاج السيارة، فعندما قلت له أنا صاحب المركبة، وفقط أنزلت كرسيا وخرجت، فرد عليَّ بسخرية ألحق مخالفتك في البلدية، فأنا أرسلتها وليس بيدي استرجاعها.
طبعًا هذه قصة واحدة، وغيرها قصص كثيرة من هذا القبيل.. ألا من نظام يرفع الظلم عن الناس، فأنت ستضيع وقتًا كثيرًا في حجز الموقف، أكثر من الوقت الذي ستدخل فيه صيدلية، وتأخذ قطرة عين أو أي دواء آخر، فلماذا لا تقوم البلدية بوضع رجل آلي في المواقف، وأجزم أنه سيكون أكثر عدلًا وإنصافًا من بني البشر، ثم هل هذه المخالفة تشكل خطورة كبيرة على الناس حتى تكون بهذه القسوة والغلظة المفرطة، وتكون قيمتها عشرة ريالات، وأصل الموضوع مائة بيسة، وليست مخالفة المواقف وحدها الغالية؟!
فمخالفات البلدية أقلها قيمة 50 ريالًا، فمن هذا الشخص المترف الذي وضع قِيَم مخالفات البلدية هكذا.. فهل يا ترى أخذ الفكرة من سويسرا أو ألمانيا؟! حيث الدخل هناك مرتفع، والاقتصاد قوي جدًا، فهنا إن خالفت البلدية مطعمًا أو منزلًا أو مقاولًا، فعليه أن يأخذ قرض من أحد البنوك لسداد قيمة المخالفة.
ألم يقل السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- إن الرحمة فوق القانون؟! فهل يُعقل أمام الوضع الاقتصادي الضاغط على الأسر والأفراد، أن تكون غرامات البلدية قاسية بهذا الشكل؟! أم هم يعيشون في برج عاجي، فلا يشعرون بمشاعر الناس الآخرين.. اللهُم أني بلغت.. اللهُم فأشهد.
حمد بن سالم العلوي