أُلاحظ وعلامات التعجب ظاهرة على وجهي الذي بدأت تدب فيه تجاعيد العمر، كما هي تماماً حال طريق بهلا الرئيسي الذي أمسى هرماً إلى أبعد الحدود رغم أنه يصغرني بحوالي خمسة عشر عاماً، إذ أنا على مشارف الستين عاماً وفقاً لتقديرات العمر المعمول بها بالنسبة لمن ولدوا في ذلك الزمان الذي لم تكن تعرف فيه شهادات الميلاد أو التوثيق إلا من قبل القلة القليلة.
أُلاحظ حالياً بضعة ترقيعات على الطريق الرئيسي الذي يشق ولايتي العزيزة (ولاية بهلا) رابطاً إياها بمحافظات السلطنة، ولا أدري هل أن تلك الترقيعات يقوم بها كالعادة أحد المحسنين الفاعلين للخير وصنع المعروف، وما أكثرهم في هذا الوطن الكريم عامةً، وولاية بهلا على وجه الخصوص؟
فإن كان الأمر كذلك فجزى الله المحسنين خير الجزاء، ولهم منا كل الشكر والثناء.
أما إن كانت تلك الترقيعات تقوم بها جهة مسؤولة حسبما تحدث بذلك مصدر مسؤول حول نية الجهة المختصة القيام بإجراء صيانة لطريق بهلا، فلربما أن هذه الترقيعات هي الصيانة المعنية.
لكن هذا الفعل لن يُغير من الأمر شيئاً، فالطريق أمسى متقعراً ومتشققاً ومتهالكاً، وهو بدون أكتاف وحالته الراهنة تشكل خطراً على مستخدميه، ولا جدوى من ترقيعه سوى هدر المال العام، فالسائر فيه كالسائر على طريق وعرة، وكان الله في عون مركباتنا التي تسير عليه، وعوننا على دفع تكاليف الصيانة المرهقة للمركبات، وأتذكر هنا مقولة الفاروق رضي الله عنه ( لو أن بغلة تعثرت في العراق لسُئِل عنها ابن الخطاب) فما أكثر البغال المتعثرة في هذا الزمان، وما أقل السائلين عنها.
كما يحضرني بيت الشعر الذي يُردد دائماً عند التكلف في محاولة إخفاء عيوب الشيخوخة والهرم بإضفاء الأصباغ والمساحيق لستر تلك العيوب التي سرعان ما تذوب وينكشف المستور.
يقول الشاعر الإعرابي الذي تزوج من عجوز إعرابية :
تروح إلى العطار تبغي شبابها
وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
لا أدري لماذا ولاية بهلا نصيبها الترقيع دائماً في معظم احتياجاتها من خطط التنمية، فذاك مستشفاها المتهالك أُشبع ترقيعاً سواءً من جانب الوزارة المعنية، أو من المواطنين جزاهم الله خيراً، وتلكم الحديقة الموعودة تخضع للترقيع المستمر على أمل بأن تسجل ضمن الحدائق المعلقة، وذلكم سوقها القديم رُقّع بعضه وترك الباقي بحالة يرثى لها، وحدث ولا حرج عن سورها التاريخي المحيط الذي يتم ترقيعه بين فترة وأخرى بواسطة عمالة غير ماهرة ولا متخصصة، وبدون استشارة هندسية، ولا أتحدث هنا عن شوارعها الداخلية المتهالكة التي تجد بعضها معبدة جزئياً، وتركت أجزاء منها لترقيعها في قادم الأيام، وأكثر الطرق تنتظر التعبيد الكامل.
ترى لماذا كل هذه النظرة الدونية لهذه الولاية التاريخية العريقة التي كانت في عصر من العصور الماضية عاصمة للامبراطورية العمانية ؟ وتعد من الولايات العمانية الأكبر مساحة وكثافة سكانية.
ألم يأن الأوان أن تنال هذه الولاية نصيبها من الخدمات التنموية الضرورية، وعلى رأسها ازدواجية الطريق الرئيسي، وبناء المستشفى الذي طال أمده، وكلا المشروعان على درجة عالية من الأهمية والإلحاح، وقد بحَّتِ الأصوات، وتعبت الحناجر في سبيل المطالبة بتنفيذهما، وفي كلخطة منتظرة يصدمنا صانع القرار بأنهما خارج نطاق التغطية، وأن هناك ولايات أهم منها بكثير ، ولا ندري ما هي تلكم المعايير التي يستندون عليها!
فهل لنا الحق بأن نتفائل بمستقبل زاهر لولاية بهلا يعيد لنا الأمل الباسم بأن مطالب ولايتنا الهامة ستكون ضمن الخطط التنموية القريبة القادمة ؟
أم أن قدر هذه الولاية وأهلها أن تعيش على الهامش، وتكتفي بالأحلام والوعود التي يأسنا من تحقيقها على بساط الواقع ؟
وللتذكير فقط فإن مشروع ازدواجية طريق بهلا / دارس صدرت بشأنه توجيهات كريمة من لدن السلطان الراحل طيب الله ثراه، وأن هناك نهجاً بتنفيذ أوامره التي أمر بها في حياته، كما أن خرائط التنفيذ جاهزة كما هو معلوم، فهل سيشفع لنا ذلك تقديراً لأوامر المغفور له بإذن الله ؟
وأخيراً ننوه هنا إلى أنه يتردد حالياً التفكير بنقل هذه الازدواجية وربطها بأي من الطرق المزدوجة التي تربط الولاية، فهذا إضرار بينٍ وصريح بمقومات الولاية الاقتصادية والسياحية، ونأمل عدم تكرار هذه الأخطاء التي أضرت بالكثير من الولايات في السلطنة .
ناصر بن مسهر العلوي
السبت ١٣ رجب ١٤٤٤هـ
الموافق ٤ فبراير ٢٠٢٣م