تحملني ذكرياتي إلى الماضي البعيد ، في تلك اللحظة ابدأ في إجترارها ، مؤلمة هي ذكرياتي ، هل هي ذكريات فعلاً أم تراها حرباً ضروس أو قدها ضدي عقلي الباطن بسبب ويلات ما مررت به ،الماضي الذي التحف على وسادته منذ عقود كثيرة مضت ، لكنه ها هو اليوم يُقظ منامي لتهتز ذكرياته بداخلي وكأنه جسد ينتفض إنتفاضته الأخيرة وهو يودع الروح التي سكنته منذ النشأة الأولى له .
كل شيء بدأ يتمخض بداخلي ويولد من جديد وكأن الزمان يُعيد نفسه والأحداث تتسارع وتتنامى داخلي ، أرى احداثها تُنسج أمامي وكأنه فيلم روائي في دُورِ سينما يحكي ملحمة كانت لها نقش على صدرالزمن ، نقشاً غائراً حتى النخاع لا ينبش مكنوناته سوى عقلي البالي المتصدع الذي يشتاق إلى نزف الآلام والجراح في كل مرة ، فكل مامررت به من ألم وتعذيب طبع بداخلي كنقش فرعوني مهما تصدع تجوانبه بقيا محفوراً صلداً يستهزاء بالأيام والسنين المعفرة ، نعم مثل السجين الذي أعتاد على جلد سياط الكرباج التي تكوي ظهره وترسم عليه خرائط العالم المقهور المتباكي وسط الجدران الأربعة المحصور في فوهة جرف مظلم دامس لا يرى نوره سوى أنا المعتم المحتضر في زواياه المنسية ، المتحد مع الألم والعذابات ، أنا الوحيد الذي يسمع صرخاتي المدوية وأنا الوحيدالذي يكتوي بنيران بركاني الثائر المنصهر.
ذكريات تحاصرني من كل جانب حتى وإن حاولت الهروب منها لم أستطع ، تسكنني مثل الجني الذي يتلبس عابث في ليلٍ حالك بصراخة المدوي ليوقظ شيطان الشر المتدثر ، كثراً ما كنت أُأمل نفسي وأنا صغير بأني عندما أكبر سوف تكون هذه الأحداث بألمها مجرد شيئاً منسي تطويه الأيام والسنين ، لم أكن أعلم بأن للعقل سلاحاً فتاك يفتك بصاحبه ويكبر معه حتى يدخله مستشفى الأمراض العقلية، نعم المسرة ، أنا بين جدران غرفتي ورحمة الأطباء وعطف الممرضين والممرضات ، محاصر بقيود أبي وقساوة ظله الذي يسكن حتىّ جسدي المنهار ، ويشتاق إلى الموت بشدة ، فالموت هو السبيل الوحيد لخلاصي من أبي وقسوته .
للكاتب / يعقوب بن راشد السعدي