صادف موسم معرض الكتاب لهذا العام، وأن أصابني فلت في الركبة اليمنى، وكنت أتمنّى أن تشفى قدمي لكي أزور معرض الكتاب المنتظر، ولكن القَدَم عاندت وتمادت في آلامها، وقد أبطأت مرحلة الشفاء عوامل أخرى، فلا عتب على من تجاوز الستين بنيفٍ من السنين، وصاحب ذلك داء السكري اللئيم، وأنا أعاتب قدمي على هذه الأنانية منها، وألومها على حرماني من زيارة صديقي الحميم “معرض الكتاب” فردَّ عليّ قدمي بالقول: لقد ذهبت في مرات سابقة كثيرة، وحشدت ما استطعت حمله من الكتب.. فهل قرأتها؟ فقلت له: ليس من الضرورة أن أقرأها كلها بين كل انعقاد وانتقاض للمعرض، وإنما سيأتي يوم ما فأجد الفرصة لقراءتها، ثم ما دخلك أنت يا قدم في ذلك؟! فإن لم أقرأها أنا، فهناك أولادي وأحفادي سوف يقرؤونها، أو قد أهديها لمكتبة عامة، فيستفيد منها أناس آخرون.
وقلت معاندًا لقدمي سوف أذهب إلى المعرض.. ولو بالعكاز، وحتمًا سأجد هناك من يحل المشكلة، وذلك بتوفير عربات كهربائية تحملني، وتدور بي في المعرض، فقالت لي قدمي: أتفكر نفسك في اليابان أو الصين أو دول أخرى مُتقدمة؟! وستجد كل الذي تتمناه متوفرًا وبحسب الطلب! فقلت لها: أو تجزمين بذلك أن لا شيء من هذا؟! فقالت: نعم، وليس لك إلا عكازك وقدمك اليسرى، أما أنا فلا أقوى على حملك، وأنت لن تكتفي بالمطالعة وحدها، وإنما ستريد شراء كتب كعادتك، فمن سيحملها لك وأنت أعرج بقدم واحدة؟!
فقلت لها: صدقتِ والله.. لكن هل يعقل أن لا وسيلة لأمثالي ولكبار السن ممن لا يستطيعون حمل الكتب التي سيشترون من المعرض؟ ألا من وسيلة تساعدهم على ذلك؟! فقالت: نعم، هذا شيء مؤكد، ولو كانوا استعدوا بمثل هذه الوسائل التي تحلم بها، لأعلنوا عنها مع بقية الإعلانات، وهي بالطبع- إن وجدت- لن تكون مجانية؛ بل وستدر دخلًا إضافيًا على إدارة المعرض، وهنا تأكدت أن قدمي تدرك هذه الأمور أكثر مني.
وأنا في هذا الحوار مع قدمي تذكرت قصيدة من التراث الشعبي المغنّى الذي يقول؛ “لأول يقولوا أهلًا يا الحبيب قرب يوم القدم يشلنّي وأدُور به، ويوم نكسر قدمي وقدّر عليّ الرّب، قالوا المسكين انكسر قدمه وما حد ساعده، ويا عين هللّي وأبكي على الوِلِيف بود، وخلّي الدموع بحر يطامي بموجته” (طبعًا القصيدة طويلة وجميلة وأخذت منها بتصرف مع العذر من الأستاذ محمد العيسائي.. وهي كأنشودة موجودة على اليوتيوب).
ورغم أني صرفت النظر عن زيارة المعرض هذا العام، وذلك بسبب الظروف الصحية الطارئة، ولكن يا ليت لو تضع إدارة المعرض في الاعتبار أن ليس كل الناس لا يحتاجون إلى مساعدة في الانتقال من مواقف السيارات إلى داخل المعرض، وهي مسافة ليست بالهينة على من لديه مشكلة في أحد قدميه، أو في كليهما أو حتى وهن العظم منه، وهو مواظب على زيارة معرض الكتاب، وينتظره بلهفة وشوق، وليس مناسبًا للأفراد شراء دراجة كهربائية لغرض لا يتكرر إلا في السنة مرة واحدة.
وقد كنت محبطًا لأنني لن أزور معرض الكتاب هذا العام، ولكن رغم التشويق الذي يدعوني للزيارة، حتى وردني نبأ عبر تويتر- غير متأكد من صحته- يفيد بوجود كتاب لشخص صهيوني في المعرض، فقد جعل في ذلك عزاء لي لعدم ذهابي إلى هناك، حتى لا يرتفع لدي منسوب السكري في الدم، خاصة وإن جراء الصهاينة بدأت هذه الأيام بالنبيح على سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، وهذا شيء يسيء إلينا، ونحن نعتبر سماحته يمثل عفة ديننا الإسلامي الحنيف، وهو يذود بالغالي والنفيس عن كرامة وحرية الإنسان، فلا نقبل أن يقابلوا التسامح في عبور الأجواء العُمانية، بالتهجم على بدر الدين، وشيخ الإسلام ومفتي الأمة الإسلامية، بقول أو فعل كونه يعتمد كتاب الله نهجًا، وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- هاديًا، لذلك فلن نسمح بقاذرة القول منهم وقد لعنوا في كتاب الله، أو من عبيدهم من المُتصهينين، وقد كتب الله عليهم التيه في الأرض إلى يوم يبعثون، أليس هم قتلة الأنبياء والرسل؟!
فإن الذي لم يتورّع عن معاداة الله ورسوله، فهل يتورّع عن معاداة العلماء الربّانين؟! وهم اليوم في قمة طغيانهم وظلمهم هذه الأيام، إلاّ إذا كان هناك من يصم أذنيه أو يغطيّ عينه عن سماع ورؤية أفعالهم وإجرامهم، على أرض فلسطين، ومسرى سيّد الثقلين، وأولى القبلتين، وثالث الحرمين.
حمد بن سالم العلوي