يقصد بـ المديونية إغراق الدول الفقيرة في العالم بديون ضخمة للدول الغنية والمؤسسات الدولية، والتي وصلت إلى حد بدأت فيه وسائلالإعلام ترفع شعار وتسمية هذه الديون بأنها “قاتلة”.
وقد أقامت منظمة الصحة العالمية “يونسيف” لأول مرة صلة رسمية بين أزمة ديون العالم الثالث وما سمته “الأخلاقية الطفولية” وذلك في تقريرها السنوي عن أطفال العالم، فمن بين أكثر من 14 مليون طفل ماتوا في العام 1987 كان نصف مليون منهم ضحية الفقر الناتج عنالمديونية من أجل تسديد حكوماتهم فوائد القروض، وتدل الدراسات أنه خلال السنوات السبعين من القرن العشرين كانت قروض الدول كثيرة، ومن بين الحكومات التي حصلت على الحصة الأكبر من التمويلات العامة كانت الأنظمة الأقل ديمقراطية والأكثر طغياناً.
ومن الأمثلة حول هذا الموضوع أن الفلبين كانت كالولد المدلل لدى صندوق النقد الدولي، وكان حاكم زائير قد صرف 5 مليارات دولار لحسابه الخاص أي ما يعادل كل الدين العام لبلاده، وتمكن جنرالات الأرجنتين من اقتراض عشرات المليارات من الدولارات، في الحين الذي كانوا يبيدون فيه آلاف الأشخاص، وأقل ما يمكن قوله هو أن حقوق الإنسان لم تكن الهم الرئيس للمقترضين، خاصة وأن تلك القروض لم توجه لمصلحة مواطنيهم.
إن المديونية الوطنية ظاهرة مألوفة عندما تكون القروض مخصصة للاستثمارات الإنتاجية ولكن هذه الحالة نادرة في بلدان العالم الثالث، و20% على الأقل منها خصصت لشراء الأسلحة، وقد جرى تكريس مبالغ ضخمة إلى ما يدعوه في أمريكا اللاتينية بمشروعات فرعونية مثل المراكز النووية والسدود العليا الكارثية للبيئة أو مشروعات للمظاهر مثل الملاعب الضخمة والفنادق ومراكز الاتصالات الالكترونية في بلدان لا ينعم فيها عدد كبير من السكان بنور الكهرباء وتخصص ملايين أخرى لاستيراد مواد تعود للطبقات فاحشة الثراء، أو ما يعود للبنوك الخارجية على شكل ودائع، أي تهريب رؤوس الأموال، وكانت بنوك أمريكا وأوروبا سعيدة جداً بمساعدتها للعالم الثالث.
ونظراً لأن أغلبية حكومات العالم الثالث لم تكرس قروضها لاستثمارات منتجة ومنشئة للموارد فإنه من غير المفاجئ أن نرى عدداً من بينها أصبح شيئاً فشيئاً غير قادر على تسديد قروضه، وهكذا لوحظ على سبيل المثال أن أمريكا اللاتينية باتت مضطرة لتعيد دفع أكثر من 40% من عائداتها للتصدير إلى دائنيها، هذا يذكرنا بسؤال كان قد طرحه الكاردينال “باولو يغاريستوار” من سان باولو في الأرجنتين “هل ينبغي علينا سداد الديون على حساب جوع وتعاسة شعبنا؟”، الجواب نعم وللحديث بقية عن المديونية وخاصة الدول الأفريقية.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ مستشار قانوني – الكويت.