بخلسة شيطانة تحرك خلخالها قليلاً فعرجت ليتمايل رداؤها ونقشاته، اقترب جسدها نحو سورٍ عالٍ، رفعت رجليها قليلاً لتنظر للعالم المتكون خلف السور.
حراس، رجال، نساء، عشاء.
رنت حينها لجيدها الطويل الذي تصمد فيه قلادة من قصدير عتيق وبضع أصداف، عليها أن تتمنى أمنية، بالطبع أمنيةً تخص الغجر وحدهم.
حملت قلبها معها ليعينها على القفز.
قالت كليمانتينا لنفسها: هكذا يقفز الغجر.
لا يعرفها أي أحد باسمها كلهم ينعتونها.
الإنسانة الشيطانة.
العابثة بالعقول والقادمة من المجهول.
والصانعة للجنون والمحبة للمجون.
والقادرة على تحريك المشاعر العالقة غير الناطقة.
ماذا تفعل هنا في العشاء الأخير للذاهبين إلى الدنيا البعيدة الجديدة.
إنه عشاء يخص الكونكيستدور والبحارة ومن يلبسون لآلئ المحارة.
بعيداً عن المطحونين والمسحوقين في ظلم مستمر.
ففُتحت أبواب موصدة وكأنها أبواب فيها حساب وعقاب.
أبواب فيها سؤال وجواب.
لكن من سيحاسبها؟
من سيعاقبها؟
جاءت لتقابل الكونكيستدور الشاب، الذي سيأخذها لسفينته الرصينة.
التي ليس فيها ظلم أو قهر.
فهي كسفينة نوحية.
ستأخذها إلى بر الأمان.
بعد كل طوفان.
لتقدم القربان.
كما يفعل الشجعان.
الذين يقدمون أرواحهم.
ونفوسهم.
وهناك ربما ستكون شيئاً آخر.
لن تكون روحها ذاتها الطائشة.
ستخمد فجأة.
كما تخمد البراكين.
وتنسى ظلال المساكين.
وتصبح آنسة صاحبة مروحة يد.
ومن أصحاب الفساتين.
المطبوعة بالضجر والملل.
كما هم أهل هذا العشاء.
حتى صدح خلخالها من جديد.
ليرنو الجميع لها.
إنها الإنسانة الشيطانة.
التي تتمايل على وتر قيثارة.
وتعتاش من قرع الطبول.
وتأكل من سلب العقول.
اوقفوها!
صرخت نساء المراوح.
أمام جمالها ودلالها.
وبغضب وغيرة كبيرة.
طلبوا أن تكون أسيرة.
تحركت كليمانتينا كما تتحرك الشياطين.
وعبثت في المكان، وأشاعت الفوضى لوهلة.
صعدت ركضاً السلالم الملتوية.
ووصلت للثريا الثمينة.
بددتها وكسرتها.
بعثرت شموعها.
فكبلوها وقيدوها بحبال بالية واهية.
وطلبوا أن يلامس جسدها الأرض.
وصار هيكلها ملقياً مرمياً على الأرضية اللامعة لأهل العشاء.
صرخ أحد الحراس: من جاء بها وسط الناس؟
قالت الغجرية:
القدر جاء بي إلى هنا.
طبعاً كاذبة كما يكذب الغجر.
يتلونون.
ويتبدلون.
ينسجون خيوطاً عظيمة حولك.
ويحولونك إلى شيء صغير.
بينما هم يتعاظمون ويكبرون.
ويتمايلون ويرقصون أمام سذاجتك وحمقك الكبير.
ويلقونك إلى أحلك مصير.
صدح أهل العشاء: كاذبة!
ليس لها غير التمني.
ليس لها غير الترجي.
وتمنت في خلجانها.
أن يسمعها أحد.
وأن تنادي الحياة على أحدهم.
فسمع نداءها ورجاءها.
رجل ذو سترة بحرية.
وابتسامة سحرية.
رجل كل سفينة وكل رحلة.
الكونكيستدور.
أمير البحر.
واللحظة.
صدح الكونكيستدور: فكوا قيدها، إنها من المدعوين.
صمتت، لم تكن من المدعوين أصلاً.
وقفت شامخة.
وقالت الغجرية: لم أقل للحراس أنني مدعوة.
ابتسم لمكرها.
خرجت أمامهم جميعاً.
ومضت وباتوا خلفها.
وقالت لنفسها السنية في اللحظة.
أنها ستعود بكرامة الغجر.
وأنها ستأتي بقلبها الظمآن المشاغب.
وتصنع لهم بالطبع المتاعب.
وستنام الليلة وهي تفكر في هذا النصر والظفر.
مُزنة المسافر