المرأة الصالحة ترجو أن يُكتب لها الزواج بزوج يُحبها ويحترمها ويُقدرها ويُكرمها، وستكون هي لزوجها زوجة مطيعة مخلصة متفانية في أدائها لواجباتها ومسؤولياتها على أكمل وجه.
هكذا تكون البداية فتتزوج المرأة وتنتقل من بيت أبيها- الذي كانت فيه كالأميرة معززة مكرمة- إلى بيت زوجها في زواج أغلبه تقليدي تغلب عليه العادات والتقاليد وزواج الأقارب والمعارف دون أي أسس أو مقاييس أو قيم أو مبادئ تكون أساسًا لهذا الزواج والارتباط الوثيق الذي يجمع الزوج بزوجته، وبعيدًا كل البعد عن الزواج التقليدي السابق لآبائنا وأجدادنا الذين كان زواجهم نقيا تقيا كله معانٍ وقيم ليس لها مثيل في زماننا الحاضر إلا ما ندر.
وفي الغالب تكون سنوات الزواج الأولى بين الزوجين مقبولة من الطرفين؛ فالزوج يُعامل زوجته بشيء من الاحترام والتقدير، والزوجة تقوم بكل حب وإخلاص بأداء واجباتها تجاه زوجها وأهله، وتستمر الحياة الزوجية في استقرار ويرزقان بالأولاد وتقدم الزوجة كل طاقاتها وقدراتها وإمكانياتها لتسعد بهذه الأفعال زوجها وأهله وأولادها.
لكن للأسف الشديد سرعان ما يتبدل الحال والمُعاملة، ويقل شيئًا فشيئًا الحب والتقدير من الزوج لزوجته، وهي مستغربة ومتعجبة وفي حيرة من أمرها ومن فعل هذا الزوج- الملتزم الصالح كما يظهر بين أهله وعشيرته وأمام أفراد مجتمعه- ومن تغير تعاملاته، وتذكر هذا متسائلة لأخواتها وصديقاتها وتجد العجب العجاب بأن ما قد أصابها قد أصاب أغلبهن، وتكتشف أن أغلب الأزواج أصبحت تعاملاتهم مع زوجاتهم قاسية ولأسباب واهية.
الحقيقة بصدق وأمانة هي أنَّ الزوج قد ملَّ ويرغب بزوجة ثانية تجدد له- من وجهة نظري القاصرة- حياته التي كما يظن أنَّها أصبحت فاترة غير متجددة، وهو يظن واهمًا أنَّ الزوجة هي السبب، وهو يعلم في حقيقة الأمر أنه هو السبب، لكن النرجسية التي تسري في دمه وعروقه ترمي بالأسباب على الزوجة وهي الضحية؛ لأنها ضعيفة وأحيانًا ليس لها سند وظهر من أب أو أخ تستند عليه ليقوي شوكتها وتستطيع مواجهة زوجها والمطالبة بحقوقها وفق الشرع والقانون، ويكون اللجوء إلى القضاء مضطرة إليه في آخر الأمر ملجأ لها والقضاء العادل دائمًا ما ينصف الزوجة ويرجع لها حقوقها المسلوبة المستحقة كاملة من غير نقصان.
وتبدأ حكايات وقصص المشاكل والخلافات لسبب ودون سبب والغاية هي الزواج بزوجة ثانية لأنَّ الزوجة الأولى أصبحت- كما يتوهم- لا تقوم بواجباتها الزوجية كما يرجو ويتمنى هو ، وخلال أيام تتفاجئ الزوجة- التي قدمت لزوجها كل شيء- بأنَّ زوجها قد تزوج عليها ويُهددها بالطلاق والفراق وشتات الأولاد إن لم تتقبل الأمر.
إنها النهاية المتوقعة لمثل هذه الزيجات التي لم تبنَ على أسس ومبادئ أن تكون نهاياتها نهاية أليمة حزينة، كانت تأمل وترجو أن يكون زوجها صاحب مروءة وشهامة ويحافظ عليها ويكرمها،لا أن يهينها ويقلل من احترامها وكرامتها.
يا أيها الزوج.. زوجتك تحتاج من زوجها أن يعاملها باحترام وتقدير وأن لا ينتقدها ولا يجرح مشاعرها، وأن يبادلها الحب والاهتمام ويمدحها ويقدم لها الهدايا ولا يهملها ولا يخلف وعوده لها ويشكرها لما تقدمه له ولأهله وأولاده من جهد وتعب وعطاء ووفاء، ويتطلب منه التغافل عن الأخطاء البسيطة والتوجيه والنصح عند وقوع الأخطاء الكبيرة، ولا يحملها مسؤولية وقوع الخلافات والمشاكل في حياتهما الزوجية.
وتذكر جيدًا أيها الزوج- هداك الله- أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد أوصانا بالنساء خيرًا فقال للناس في خطبة الوداع “اتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرًا”؛ فالمعاملة مع الزوجة يتوجب أن تكون طيبة كريمة رقيقة لطيفة حنونة، وأن يكون الزوج ذا خلق وأدب رفيع ويتحلى بسمو الأخلاق والعادات الحسنة والصفات النبيلة والمروءة والشهامة والكرامة،لأنَّ هذه الخصال الحميدة هي التي يكتمل بها الإنسان ويكون رجلًا يستحق الثناء والمعزة والاحترام والتقدير.
لكن كيف يكون الحال لمن لا أدب له ولا عقل له، ويظن خاطئًا أن في عقله ما يغنيه ويكفيه عن زوجته وأهله وأولاده، وتكون تعاملاته مع زوجته- التي كانت وما زالت له مخلصة متفانية- بها حقارة وخسة وحمق ووضاعة، فلا تجد في لسانه حلاوة ولا طيبة ولا كرامة، ولا يختار مفرداته فكلماته دائمًا تكون قاسية كالحجارة. بالله عليكم كيف تعيش هذه الزوجة الصالحة الطيبة الكريمة مع زوج عديم المروءة والشهامة والرجولة والكرامة.
وهل يا ترى ستستمر الحياة الزوجية بينهما والزوج يترصد لزوجته أي زلة وأي شاردة وواردة، ويسترخص قيمتها أمام الآخرين، ولا يقدر العشرة ويترك زوجته لوحدها وقت الحاجة والشدة ويستكثر عليها الفرح والسعادة والسرور.
أيَّها الزوج.. لقد قالها لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم “إنما النساء شقائق الرجال ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم”، وقال أيضًا “أكمل المؤمنين إيمانًا وأقربهم مني مجلسًا ألطفهم بأهله”.. فاتقوا الله يا أيها الأزواج بزوجاتكم؛ فالرجولة هي الصفات والخصال الحميدة وهي المروءة والشهامة والكرامة. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.
حمد الحضرمي – محامٍ ومستشار قانوني