إنَّ المرسوم السُّلطاني الحكيم، الذي صدر مُؤخرًا وسمح بالزواج من الأجانب دون قيود، جاء ليخدم مصلحة فئة من هذا المجتمع مُضطرة إليه، وفي نفس الوقت يُعطي دفعة كبيرة في حرية المواطن، وذلك باختيار من يشاركه مسيرة حياته، وهذا أمر جيد إن حكّم المواطن العقل في الاختيار، ولم يراعِ مصلحته الفردية وحسب، وإنما وضع في الاعتبار، أن ذلك سيكون ضمن الضوابط الخاصة للمجتمع العُماني، وهذه الثقة التي أُعطيت له، بحيث يقوم هو نفسه بإدارة أموره بنفسه، دون ولاية من أحد عليه.
هذا التفويض يكون جيَّدا بالنسبة للإنسان العاقل السّويْ، أما من كان به سفه أو عته أو من ابتُلي بالسذاجة فهل يُترك وشأنه؟! فقد يكون موئلًا وصانعًا للمشاكل لنفسه ولبلده عند سوء التقدير منه في اتخاذ القرار! فهل يترك يلقي بنفسه في مهاوي الدهر؟! فسبحانه تعالى يقر في كتابه العزيز بالقول: {.. فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ..} [سورة البقرة: جزء من الآية 282] إذن؛ فإنَّ القرآن الكريم، قد أعطى حُكمًا بأن هناك بين خلق الله من هو ليس بسويّ، ويحتاج أن يكون له ولي بالعدل، فهل تكون عائلته ولية عليه؟ أو تكون الحكومة هي من تقوم بذلك؟ لذلك ينبغي ألاّ تكون الحرّية مطلقة للجميع في كل الأحوال.
لأنَّ القرار هنا لا يشبه قرار امتلاك منزل أو سيارة أو أي شيء آخر من المنقولات، فكل ما هو متوقع منه في مثل هذه الحالات، دين مالي قد يقع على المالك وحده، وفي أسوأ الحالات، أن يعجز عن السداد والدفع، فيخسر المشتري الشيء الذي اشتراه، وقد يترتب على المشتري عقوبة إلزامية، قد تورّثه السجن لبضع سنوات، وهنا يتضرر الفرد ولا يتضرر المجتمع.
أما الزواج غير المسؤول، أكان من ذكر أو أنثى، فإنه سوف يترتب على ذلك سلسلة من المشاكل في حالة فشل هذا الزواج. فعلى سبيل المثال؛ سينتح عنه خلخلة في النسيج الاجتماعي؛ فالمجتمع العُماني سار وعبر تاريخه الطويل، فقد سار على نمط مألوف له من القيم والأخلاق والضوابط الاجتماعية المعروفة، فقد صانته من الغلو والشطط على الدوام، وسوف ينتج عنه تفكك في قيمه الحميدة، وذلك إن خرج الأبناء من نتاج هذا الزواج الاستثنائي عن المسار المألوف، والمتعارف عليه وطنيًا، علمًا بأن هناك ظواهر بدأت تطرأ على سلوكيات المجتمع، نتيجة للمؤثرات الخارجية، فكيف وإذا صار النصف الأهم من الأسرة يحمل في ذاته هذه الفوارق الكبيرة؟!
لذلك فإن يضبط الطرف العُماني معيار تربية الأبناء على نواميس قيمنا الوطنية الراسخة، وخاصة إذا كانت الزوجة من قوم بعيدين عن عاداتنا وتقاليدنا، ولكن إذا حصل طلاق أو حتى مجرد فِراق مؤقت، واصطحبت تلك الأم الأبناء معها لصغر سنهم، فسوف تكون التربية على ما تربّت هي عليه، أو على نظام مجتمع أهلها، وقد تكون غير مسلمة، فسوف تنشئهم على دينها، أو عقيدتها أيما كانت تلك العقيدة.
وفي حالة أن يكون الزوج غير عُماني، فقد يهجر زوجته وأولاده لأتفه الأسباب، ويغادر البلاد إلى أية جهة كانت، بطلاق أو بدون طلاق، وسيبقى الأبناء عبئًا على الزوجة العُمانية، أو على الحكومة العُمانية، وأنا لي خبرة في تلك المشاكل من خلال عملي السابق، يوم كنت في الوظيفة العامة. وقد يتضرر المجتمع العُماني من كثرة الأولاد الذين لا ولي لهم على أرض الوطن، ليتعهد تربيتهم والصرف عليهم، ويتحمّل مسؤوليتهم الأدبية والأخلاقية، والدولة لا تستطيع منحهم الجنسية العُمانية، وذلك قبل بلوغهم السن القانوني.
إذن.. هناك أناس تحكمهم مشاعر فورة من العواطف والانفعالات السريعة، وبعضهم تحكمه دوافع الطمع والمصالح الشخصية، وهذه سريعًا ما تنتهي بكوارث لا تحمد عقباها، وقد تكون السلطنة قد حلت بعض المشاكل، وذلك بإيجاد وثائق سفر تحل جزءًا مؤقتًا منها، وبعض الجوانب التي تحدد هوية “أولئك الأحداث” من الزيجات المواطنات من وافدين، ولكن في دول خليجية أخرى هناك مشاكل كثيرة وكبيرة عرفت بمشاكل “البدون” وما تزال تتفاقم بمرور الوقت.
أما تأخر البعض عن الزواج في بلدنا، فهو وضع نتج عن الإرباك في الحياة الاجتماعية من الطرفين، فهناك شباب يفكرون في ارتفاع تكاليف الزواج، نتيجة سلوك البعض مسلك التباهي والتمادي، والتنافس في تكاليف الزواج، وبالنسبة للإناث الانشغال بالعمل ومحاولة تكوين الذات، وبعضهن تمادى ولي الأمر؛ إما في المهر المرتفع الذي يطلبه، وإما طمعًا في رواتب البنات، ويمر الوقت وتجد البنت نفسها وقد طافها قطار الزواج.
وقد اطلعت على دراسة نشرها في الواتساب الدكتور حمود النوفلي، وهو متخصص في عِلم الاجتماع، والدراسات الاجتماعية التخصصية، وهي دراسة شاملة ووافية، فكم تمنيت لو تقوم الدولة والمجتمع بوضع هذا الموضوع تحت المجهر، ووضع الضوابط الأخلاقية الملزمة للجميع، لتدارك الوقوع في كارثة الزواج الحُر، وذلك قبل أن تصبح النتائج هي الشغل الشاغل للجميع، نتيجة التهافت من الطرفين على الزواج من الخارج، نعم في ذلك إيجابيات.. ولكن له سلبيات أكبر، وذلك أن تخلى البعض عن الالتزام بالمسؤولية الوطنية، لمن تكون نظرتهم قصيرة، ورغبتهم فقط في تحقيق نزوات وقتية.
وختامًا.. أقترح الآتي: أن يُؤمر بفتح فرع في التأمينات الاجتماعية، وذلك لضمان الزواج من الخارج، ولنبدأ بحقوق الأنثى لأنها الأضعف- حسب اعتقادي- بحيث يُودِع الأجنبي المتزوج من عُمانية مؤخر الزواج في هذا الفرع الجديد، ومبلغ آخر تقدره وزارة التنمية الاجتماعية، وتقدَّر مدته، ومبلغ شهري يُضاف إلى نفس البند، وذلك لرعاية الأم وأولادها في حالة مغادرة الزوج للبلاد دون عودة أو الطلاق أو انقطاع العلاقة الزوجية لأي سبب آخر. وبالنسبة للذكر العُماني المتزوج من أجنبية، فعليه وضع المؤخر من الصداق، ومبلغ آخر تقدره نفس الجهة، وقيمة تذكرة سفر للعودة النهائية للأنثى الأجنبية، وذلك بحسب بعد بلدها، وفي حالة يتم عقد الزواج بشروط بلد الزوجة، ويكون مخالفًا للشريعة الإسلامية، فعلى السلطنة ألا تُلزم نفسها بتنفيذه، وفي كلا الحالتين؛ يجب أن يعطى الأجنبي (إقامة طويلة) وألاّ يُستعجل في منح الجنسية العُمانية لأي منهما، إلّا إذا بلغ سن الخمسين من العمر لضمان ثبات الحياة الزوجية واستمرارها.
حمد بن سالم العلوي