أؤمنُ دائمًا بأنَّ الله يهبنا السعادة مع كل صباح، ويمنحنا جرعة من الأمل مع كل نفس يخرج أو يدخل إلى صدورنا.. إنها نعمة البقاء للاستمتاع بمباهج الحياة، وبكل ما نمتلكه، إنها النعمة التي تجعلنا في سباق مستمر مع الزمن، سباق نحو الإنجاز، نحو العمل والإتقان، نحو الآخر المتوافق معنا، نحو الطرق المليئة بالحب والعطاء.
نعيشُ كمن يبحث عن شيء مفقود، دون أن ندرك للحظة واحدة أننا نمتلك كل شيء دون الحاجة لشعورنا بالنقص؛ فالنقص الحقيقي ليس فيما نملك أو ما لا نملك؛ بل في قدرتنا على الرضا والاكتفاء وشكر الله على نعمه مهما بدت بسيطة.
دعوني أُقرِّب لكم الصورة أكثر.. إننا نعيش الحياة لمرة واحدة وتلك المرة تستحق منَّا دائمًا المغامرة، تستحق منَّا اختبار قدراتنا، وتستحق منَّا القليل من المعارك الصعبة لنربح معركتنا مع أنفسنا، غير أنه في نهاية المطاف سنموت جميعًا، وهذه حقيقة لا مفر منها، مهما كانت صادمة ومؤلمة، ومهما كان قبولها صعبًا. لكن هناك الكثير من البشر ممن يتناسون هذه الحقيقة على اعتبار أنهم يمتلكون كل شيء، ورغم ذلك لا يستمتعون بالحياة، ولا يستمتعون بالفرص، ولا يُبادرون بالتجربة، بالرغم من امتلاكهم كل مُمكنات السعادة، غير أنهم يبخلون على أنفسهم كي يعيشوها، مفضلين بذلك جمع المال وتكديسه دون أن يتعاملوا معه على أنه وسيلة لصناعة السعادة.
وهناك من يبخل في المشاعر، يعلم جيدًا أنه يُحب هذا الآخر، ويرفض مصارحته، بل هناك من يستحق الشكر لكنه لا يتلقاه؛ لأنَّ هناك من يبخل حتى بكلمة “شكرًا” على أي صنيع قام به أحدهم!
صناعة السعادة تكمن في قدرتنا على معرفة أننا لن نعود شبابًا أكثر من هذه اللحظة التي نحن فيها الآن، فإن كنَّا نملك من المال ما يمكنه أن يجعل من حياتنا أكثر جمالًا وروعة وسعادة فلنحصل عليه؛ إذ لماذا يقضي الفرد مِنّا ساعات يومه في العمل، بالتأكيد من أجل أن يحقق ذاته وكذلك يضمن ما يساعده على عيش حياة كريمة.
وكما نقول دائمًا “الكفن بلا جيوب”؛ فجمع المال أكثر من استهلاكه والاستمتاع باكتنازه لن يذهب بنا لأي مكان؛ بل سنجد أنفسنا بين ليلة وضحاها نبكي ما فاتنا من عمر اللحظات التي كان باستطاعتنا أن نشتري سعادتنا فيها.
الأمر لا ينطبق فقط على المال؛ بل يتجاوزه إلى المعرفة، فهناك أناس يملكون المال، وآخرون يملكون المعرفة، والبعض يملك أشياءً أخرى، وكل هذه الأشياء قد يحتاج لها شخص آخر ويرغب في أن تكون معه، لكنه لا يستطيع الحصول عليها.
هنا أتذكر نظرية الكاتب تود هنري في كتابه الشهير “مُت فارغًا”، والتي ترتكز في أساسها على أن يقدم الفرد كل ما يمتلكه من تقدم وإنجاز وإبداع للآخرين وأن ينقل خيره وعلمه للآخر قبل أن يموت،، لأنه في الحقيقة لن يأخذ هذه الأموال أو المعارف معه إلى العالم الآخر. نظرية كهذه تحتاج منا أن نطبقها على كافة جوانب حياتنا، بما يساعد المرء على الاستمتاع بمباهج الحياة.
وأخيرًا.. لمن يقرأ سطوري، عليه أن يسأل نفسه: ماذا قدمت في حياتي من جهد لإسعاد نفسي والآخرين؟ إذا لم تستطع الإجابة، فاعلم أنك تعاقب نفسك دون داعٍ، وتحرم روحك من السعادة التي يجب أن تحصل عليها، وتعارض نواميس الكون التي تتيح لكل إنسان أن يحيا لحظات عمره كما يشاء، بما يُبهجه لا بما يسبب له التعاسة، فكما قلنا “الكفن بلا جيوب”!
مدرين المكتومية