يبدو أنَّ سيناريو فواتير الكهرباء والمياه سيعود إلى الواجهة مع ارتفاع درجات الحرارة والتوقُّعات بازدياد استهلاك خدمات الكهرباء والمياه للمنشآت السكنيَّة والتجاريَّة والزراعيَّة والصناعيَّة وغيرها، وأرجو أن لا نقرأ مع نهاية شهر مايو الحالي والأشهر الثلاثة التي تليه (يوليو ويونيو وأغسطس) ارتفاعًا في فواتير الكهرباء والمياه، واستغلال شركات الكهرباء لمسألة الفوترة وإعادة تنظيم التسعيرة والحسابات التقديريَّة، وحالة عدم الثبات التي تعيشها وتصريحات وزير الماليَّة مؤخرًا حوْلَ مراجعات قد تطول فوترة خدمات الكهرباء والمياه، كمبرِّرات لهذا الارتفاع، وقد يبدو أنَّ السيناريو أيضًا سيبدأ عَبْرَ هاشتاق «تويتر» والمنصَّات الاجتماعيَّة وما قد يثيره هذا الموضوع من نقاشات حادَّة وتفاعل كبير من المغرِّدين، ووجهات نظر تتفق على وجود ارتفاع غير اعتيادي في فواتير هذه الأشهر؟ هذا الحدس الذي أرجو أن لا يكون صحيحًا يؤكد أهمِّية العمل على تداركه ومنع وقوعه، وأن تتجه جهود المختصين والجهات المعنيَّة ومتَّخذي القرار بوجود تنسيق مشترك بَيْنَ مختلف القطاعات ذات الصِّلة في الحيلولة دُونَ ارتفاع أسعار الفواتير، وطمأنة المواطن بأنَّ حقوقه محفوظه، وأنَّ توفير جودة الحياة المعيشيَّة له والعمل على اتِّخاذ كُلِّ الإجراءات الكفيلة بالتخفيف عنه وعدم تكليفه فوق طاقته، نهج عملي أصيل لا يصحُّ التراجع عنه أو المساس به، ترعاه الحكمة الرشيدة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ وأنَّ الأزمات والظروف والمتغيِّرات لن تبرِّر أو تؤثِّر على هذا النهج. ومع هذا السيناريو المتوقَّع تتَّجه الأنظار إلى دَوْر محوري للحكومة الموقَّرة ممثَّلة في مجلس الوزراء الموقَّر بتوجيه جهات الاختصاص ممثَّلة في هيئة الخدمات العامَّة وشركات الكهرباء والشركة العُمانيَّة لخدمات المياه والصرف الصحي «حيا»، باتِّخاذ إجراءات عاجلة في مراجعة فواتير الكهرباء والمياه وإعادة فوترتها بالشكل الذي يقلل من ارتفاع أسعارها على المواطن، ويضمن الاتِّفاق عند سقف محدَّد يراعي طبيعة الصيف وظروفه ومتغيِّراته، وما قد يسبِّبه ارتفاع درجة الحرارة من ضغوطات نفسيَّة وطبيعة وفسيولوجيَّة في حياة الفرد، الأمْرُ الذي ينعكس على طبيعة تكيُّفه معه وممارسة حياته اليوميَّة في اعتدال وطمأنينة، ناهيك عن الأضرار الصحيَّة والجسديَّة التي بات يولِّدها ارتفاع درجات الحارَّة على العاملين تحت الشمس ليضيف ذلك فصلًا آخر إلى الضغوطات الماليَّة الناتجة عن ارتفاع معدَّل استهلاك الكهرباء والمياه وغيرها كثير من قائمة طويلة من المنغِّصات الماليَّة التي لا تنتهي؛ وبالتالي ما يعنيه ذلك من أهمِّية استشعار هذا الوضع والمخاطر المتوقعة منه والآثار السلبيَّة التي قد تنتج عنه، ومزيد من التشاور والحوار الاجتماعي واستدراك متطلباته وتوحيد جهود التعامل معه بوعي وحرص على تحقيق المصلحة العليا للمواطن، في اعتراف بحقِّه في العيش الأمن والمستوى الاقتصادي القادر على أن يُحقِّق من خلاله مستويات التوازن في حياته العامَّة والخاصَّة، تحقيقًا لأولويَّات رؤية عُمان «مُجتمع إنسانه مبدع، معتزٌّ بهُوِيَّته، مبتكر ومنافس عالميًّا، ينعم بحياة كريمة ورفاه مستدام». إنَّ فصل الصيف بما يفرضه من واقع جديد في حياة المواطن في ظلِّ كومة التراكمات المرتبطة بارتفاع أسعار فواتير الكهرباء والمياه، والتي سيكون لها تأثيرها في تحقيق معادلة التكامل في فِقه الأُسرة بَيْنَ الوفاء باستحقاقات هذا الالتزام ودفع الفواتير وبَيْنَ قدرتها على الوفاء باستحقاقاتها الأُسريَّة في السفر والسياحة والتنقل إلى البيئات السياحيَّة الموسميَّة، وترقية مشاعره في التعاطي مع مواقف الحياة اليوميَّة، الأمْرُ الذي يفرض عليه حالة من التأثير بَيْنَ تحقيق هذيْنِ المطلبَيْن، وللقناعة بأنَّ سدَّ فجوة التباينات تؤثِّر سلبًا على مفهوم الاستقرار النَّفْسي للمواطن وقدرته على الاستماع بالصيف وتوجيه هذه الفرصة لترقية مشاعره الخاصَّة والاستجمام واللقاء العائلي بعيدًا عن ضغوطات الحياة وغيرها، وتهيئة الظروف المنافسة التي يتعايش معها المواطن والتي يجد فيها مساحة أمان لقراءة هذا الوضع بكُلِّ مهنيَّة، إذ إنَّ هذه الظروف ليست باختياره بقدر ما هي أمْرٌ فرضه الواقع عليه؛ فإنَّ ما تُشكِّله الخدمات الأساسيَّة «الكهرباء والمياه» من أهمِّية في حياة المواطن وأمنه النَّفْسي والفكري وانعكاساتها على مواطَنته وهُوِيَّته، محطَّة اختبار للجهات العاملة في قِطاع الكهرباء والمياه في مراجعة وضبط استراتيجيَّات عملها وآليَّات التعامل مع ارتفاع الاستهلاك وعَبْرَ تبنِّي مبادرات وطنيَّة تستهدف تخفيض إيجاد تسعيرة أخرى لفصل الصيف والأشهر الأربعة التي أشرنا إليها أقلَّ من التسعيرة المعتادة للكهرباء والمياه في بقيَّة العام لحساب المواطن، أن تُعاد فيه صياغة الإجراءات ومسألة القطع والرصد وغيرها، مع قراءة إنسانيَّة واعية مدركة لتأثير هذه الظروف على حياة المواطن، ومزيد من العمل الوطني الكفء في تبسيط الإجراءات وتسهيل عمليَّات الدفع للفواتير وتقسيطها وتعظيم مفهوم الذوقيَّة والخِطاب الراقي للمواطن حوْلَ استهلاكه الشهري، وبما يوفِّر أقصى درجات الحماية للمواطن ويحافظ على درجة جاهزيَّته الحياتيَّة، فإنَّ ارتفاع فواتير الكهرباء والماء مع ما تُمثِّله من استنزاف مالي يقصم ظهر المواطن. من هنا تأتي الدعوات إلى مراجعة تطول هذه الخدمة الأساسيَّة التي لا يمكن العيش بِدُونها، واستدامة توفيرها ومنع قطعها على المواطن واجب أخلاقي ومسؤوليَّة إنسانيَّة لا يُبرِّرها عدم دفع الفواتير ـ خصوصًا تلك التي ما زالت تفاجئ المستهلك بأرقام مخيفة ـ وتصنع لها جملة من البدائل والخيارات التي تضْمن المحافظة على سقف التوازنات قائمة في إنفاق المواطن على الخدمات الأساسيَّة بما لا يؤثِّر فيه ظرف الصيف وارتفاع مستوى الاحتياج للكهرباء والمياه، وتقديم حزمة من المحفِّزات والممكنات والدعم الذي يقلل من تأثير هذا الارتفاع سلبًا على حياة المواطن، كما يضْمن امتداد جسور التواصل وخيوط الاتصال قائمة مع المواطن، في استشعار طبيعة الظروف والحيلولة دُونَ خضوع المواطن لردَّات الفعل التي قد تؤثِّر على قناعاته ومبادئه؛ ويصبح نهج المراجعة القائم على الاستباقيَّة وامتلاك عقليَّة الوفرة وتعظيم مسار الشعور الجمعي في فِقه المسؤول الحكومي، في توفير الحلول وتشخيص الحالة وقراءة سيناريوهات العمل القادمة مساحة أمان مرتبطة ببُعد المرونة والاحتواء والحماية الاجتماعيَّة التي تتحقق للمواطن في مواجهة الظروف الصعبة، ولذلك لَمْ تَعُدْ مسألة إدارة هذه الحالة والتعامل مع المشاعر قائمة على المزاجيَّة ووقتيَّة التنفيذ وتقدير المسؤول لها، بقدر ما هي استراتيجيَّات عمل أصيلة، ومسؤوليَّة أخلاقيَّة واجتماعيَّة تستهدف مراعاة وتقدير ظروف المواطن وخفض حجم القلق لدَيْه، والإعلاء من درجة التفاؤليَّة، والتقليل من تداعيات الإجراءات الاقتصاديَّة ذات الصِّلة على حياة المواطن، وتوفير بيئة أمان نفسي وفكري، تمنحه فرص إعادة إنتاج أفكاره وتطوير ممارساته، وترقية مشاعره بما ينسجم مع الروح الوطنيَّة والغايات السَّامية؛ فإنَّنا نقرأ اليوم في قدرة المؤسَّسات على خلق مساحة تواصليَّة مع المواطن بهذا الشأن محطَّة تحوُّل، سوف تضيف إلى مسار الإنتاجيَّة وإعادة الهيكلة والمرونة الاقتصاديَّة محطَّات متجدِّدة في استنطاق القِيَم والأخلاق، واستنهاض الهِمَم والروح العالية للمواطن، لتقوية السلوك المتناغم مع متطلبات الصيف واحتياجاته، ويرقى بمفهوم التغيير الذي يجب أن يرافق المواطن في حياته العامَّة. والذي يضْمن التزامه بكُلِّ القواعد والأُسس والمعايير التي وضعتها الجهات المعنيَّة، خصوصًا أنَّ ارتفاع درجات الحرارة أصبحت أحد أهمِّ أسباب الحرائق وفق تقارير هيئة الدفاع المدني والإسعاف، يرافق ذلك عدَّة مسبِّبات منها: إهمال الصيانة الدوريَّة لأجهزة التبريد والتكييف والأجهزة الكهربائيَّة، والاستعانة بأيدٍ وافدة غير مرخَّصة أو من غير المتخصصين أو المشتعلين وذوي الخبرة العاملين في مزاولة هذه المهنة، الأمْرُ الذي سيقلل من حجم المخاطرة في التعامل مع هذا الموضوع، كما يضبط الاستهلاك ويعكس فِقه الترشيد. وعليه، فإنَّ الرهان على تجاوز احتماليَّة تحقُّق سيناريو الارتفاع في فواتير الكهرباء والمياه، يكمن في تعظيم وجود لغة حواريَّة تواصليَّة تكامليَّة بَيْنَ الجهات الحكوميَّة المعنيَّة والشركات العاملة في هذا القِطاع، تتَّجه إلى تبنِّي فلسفة عمل متوازنة في قراءة هذه الأحداث وتقييم انعكاساتها على حياة المواطن، وأن يكون لمشاعر المواطن حضور في الجهد الحكومي ومساحة أمان تؤسِّس لأحقيَّة إشراكه في تبنِّي الحلول والبدائل في مواجهة ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء والمياه، أو تمكينه من التعامل الواعي معها وفق تقنيَّات عالية وأساليب واضحة ومنهجيَّات رصينة وأُطر تنظيميَّة مقنَّنة وأدوات عمل محدَّدة أشرنا إلى بعضها سلفًا، بالإضافة إلى ذلك أن تنشط المسوحات وقواعد البيانات في قياس مستوى رضا المواطن حوْلَ الخدمة المقدَّمة، ومستوى الارتفاع في الفواتير، والقرارات والإجراءات والسياسات التي تنتهجها شركات الكهرباء والمياه في هذا الشأن، وأن يتَّجه عمل الجهاز الإداري للدولة نَحْوَ ترقية أساليب التعامل مع هذه المعطيات والتجاوب الفوري مع ما يطرحه المواطن من حلول وبدائل ومبادرات وطنيَّة جادَّة تعمل على تخفيف أثَر هذا الارتفاع عنه وثقله عليه ومواجهة ظروف ارتفاع الفواتير واحتياجات الصيف وتعسُّر الظروف والالتزامات الاقتصاديَّة والماليَّة والمعيشيَّة عليه، بالإضافة إلى تبنِّي مسار تواصلي حكومي واضح المعالم يستوعب حدث اللحظة بإعلام متفاعل محاور ومؤثِّر ومقنع ويمتلك مساحة أطول في منصَّاته يستوعب رأي المواطن ويقدِّم شكواه فيه بكُلِّ أريحيَّة، ويفتح باب النقاش والسؤال ووجهات النظر حوْلَه، وبناء منهج ذكي في التعامل مع ردود الأفعال والنقد واحتواء المشاعر، باعتباره حقًّا مكتسبًا للمواطن، وخيارًا استراتيجيًّا يتناغم مع مواد النظام الأساسي للدولة، ويتكيف مع رؤية عُمان 2040، وإعلام المؤسَّسات والمحافظات، فإنَّ إدراك الجوانب المرتبطة بالحياة المعيشيَّة للمواطن والتي باتت فواتير الكهرباء والمياه تُشكِّل أحد أهمِّ ملفاتها الساخنة، سوف يقلِّل من ارتفاع مستوى القلق وحالة الإحباط والتذمُّر واليأس وعدم الرضا التي يشعر بها المواطن، وتبقى مسألة الاستباقيَّة في المراجعة والتصحيح للثغرات التي ما زالت حاضرة في ملف الفواتير، وإعادة تقييم آليَّات العمل والإجراءات المتَّخذة في وقت سابق لظرف آني يرتبط بجائحة كورونا «كوفيد9» والتحدِّيات الماليَّة التي واجهتها الدولة في الفترة السابقة، فإنَّ في مفاتيح التحوُّل الحاصلة في التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان والنظرة الإيجابيَّة التفاؤليَّة، بالإضافة إلى التحسُّن الحاصل في الاقتصاد، دعوة إلى التفكير في ردِّ الدعم لهاتين الخدمتين اللتين تُمثِّلان عُنق الزجاجة في الأمن المعيشي للمواطن، فإنَّ رفع سقف المبادرات الوطني في الحدِّ من تأثير الفواتير على حياة المواطن المعيشيَّة والنفسيَّة خيوط اتِّصال ممتدَّة، لبناء حياة متجدِّدة، تضْمن مزيدًا من الشعور المشترك بموقع المواطن العُماني في أولويَّات القرار الوطني والاهتمام التي يحتلها في قلب القيادة الحكيمة وفكرها وعاطر التوجيه السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ للحكومة بتوفير سُبل الحياة الكريمة للمواطن.
د.رجب بن علي العويسي