وفرت المستجدات المرتبطة بـإصدار قانون التعليم المدرسي بالمرسوم السلطاني رقم ( 31/ 2023 )، وانطلاقا من المادة (4) منه ” التعليم مهنة سامية، وعلى جميع أفراد المجتمع ومؤسساته المساهمة في حفظ مكانة المعلم وتعزيزها” والمادة (53) ” لأعضاء الهيئة التعليمية مكانة مهنية مصونة يمنع النيل منها بالقدح أو التشهير بها” والمادة (57) “يلتزم أعضاء الهيئة التعليمية بكل ما يكفل الحفاظ على مكانة وظيفتهم، والسمو بمهنة التعليم”، موجهات أمان في الحديث عن جمعية المعلمين والتربويين العمانيين، ومدخلا مهما في تعظيم دور المعلم والتربوي في تحقيق الاستدامة لرؤية عمان 2040، ورفع سقف التوقعات الوطنية والمجتمعية من المعلم في ظل متغيرات اقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية باتت تؤثر على الناشئة، وتؤكد أهمية دور المعلم في تأصيل المواطنة والهوية والقيم والثوابت، وبناء المهارة ورعاية الموهبة واحتواء القدرات وصناعة القدوات، من خلال منظومة الصلاحيات والحوافز والممكنات والحماية التي تتيح للمعلم فرص التعبير عن رأيه وإبداء وجهات نظره بكل حيادية وموضوعية ومهنية، ومشاركته الفاعلة في منظومة العمل الوطني، وما يرتبط به أيضا من الدفاع عن حقوق المعلمين وتحقيق تظلماتهم وفق القوانين النافذة في هذا الجانب، ويفرض حضورا استثنائيا للمعلم ينطلق منه في ميادين البناء والتطوير والتشريع والتنفيذ والمراجعة والتقييم، والإصلاح.
ونظرا لما يمثله المعلمون والتربويون من صمام الأمان للتنمية الوطنية، والعقل الإستراتيجي الجمعي لتحقيق مستهدفات رؤية عمان 2040 ومدخل القوة في بناء نظام تعليمي عالي الجودة، وفي ظل ما يشكله المعلمون من رقم صعب وثقل وظيفي في أعداد العاملين في منظومة الجهاز الإداري للدولة ، حيث تشير الاحصائيات إلى أن عدد المعلمين في جميع مدارس سلطنة عمان مع بدء العام الدراسي 2022/ 2023 بلغ (57033) معلمًا، منهم (17396) معلما بنسبة (30.5%) و(39637) معلمة بنسبة (69.5%)، كما وصل عدد الإداريين والفنيين في المدارس الحكومية إلى (10834) إداريا وفنيا منهم (4341) فنيا وإداريا بنسبة (40.1%) و(6493) إدارية وفنية بنسبة (59.9%). واستجابة لمعطيات الواقع التعليمي وما يشهده من متغيرات اقتصادية وتقنية واجتماعية وثقافية في ظل مرتكزات الحوكمة والمحاسبية واللامركزية، وانطلاقا من معطيات الحالة العمانية واستجابة لدواعي التحول في منظومة الأداء الوطني ، وتعزيز مفهوم التشاركية في العمل المؤسسي؛ تأتي الدعوات المتكررة من المعلمين والمتابعين للشأن التعليمي بأهمية وجود كيان مؤسسي داعم للمعلم ، وعبر ” إشهار جمعية المعلمين والتربويين العمانيين وإصدار نظامها الأساسي ” أسوة بغيرها من كيانات ومؤسسات المجتمع المدني ، وبما يضمن لهم الحق التشاركي في الحصول على كيان تنظيمي يحفظ حقوقهم ويحافظ على أدائهم ويرفع من مستوى ايجابيتهم ويضمن لهم مساحات أوسع في الإنتاجية.
وانطلاقا من حوكمة النظام التعليمي وتعظيم قياس منظومة الأداء المؤسسي، وتطوير البنية التشريعية والتنظيمية والأدائية التي تكفل للمعلم العمل في بيئة تعليمية تربوية ناضجة وداعمة للإبداع والمشاركة والمبادرة، ومحفزة للعطاء والإنتاجية في سبيل رفع كفاءة الأداء ؛ إضافة إلى ما يوفره هذا القانون من أطر وموجهات تستشرف مستقبل التعليم المدرسي والمدارس، من خلال ضبط وتقنين مسار الخطة الدراسية للتعليم المدرسي، والتنويع في مسارات التعليم التقني والمهني، والانضباط المدرسي والسلوك الطلابي وحقوق المعلمين وواجباتهم وحقوق الطلبة والبحث التربوي وتقويم أداء المدارس وتحسينه وضمان البدء الجاد في تحقيق الطموح الوطني نحو إعادة إنتاج وهيكلة وصياغة متكاملة لنظام التعليم وحوكمة مؤسساته ، وجملة الالتزامات والمسؤوليات التي تقع على عاتق المعلمين والتربويين كأهم أقطاب المنظومة التعليمية بسلطنة عمان في تنفيذ مبادرات الرؤية ومستهدفاتها التنموية والتشريعية والاجتماعية والاقتصادية؛ لذا فإن إشهار جمعية المعلمين والتربويين العمانيين، يتناغم مع أبجديات رؤية عمان 2040 ذات الصلة بالحوكمة وقياس الأداء وتعظيم القيمة المضافة للمورد البشري وتأصيل ثقافة العمل المؤسسي، ويتوافق كليا مع القيمة المضافة التي يسعى قانون التعليم المدرسي إلى تحقيقها في جودة حياة المؤسسة التعليمية وكفاءة الأداء وتشكل امتدادا للسمو بمهنة المعلم واحترام مكانته ومقتضيات المادة (58) من القانون “على أعضاء الهيئة التعليمية تطبيق أفضل الممارسات والمبادئ التعليمية وتوفير البيئة المحفزة للتعلم النشط، بما يحقق المعايير التربوية وجودة التعلم” لأجل تحقيق أهداف وطنية طموحة ذات صلة بالشأن التربوي والتعليمي، ولصالح جمهور المعلمين والتربويين بشكل أساسي.
وبالتالي دورها في تعظيم الحوار الاجتماعي التشاركي التربوي والتعليمي على مختلف المستويات التنظيمية وتقديم كل ما من شأنه أن يسهم في الارتقاء بالتعليم والمساعدة في حل مشكلاته والتعامل مع ملفاته ذات الصلة بالتوظيف والباحثين عن عمل من مخرجات التخصصات التربوية وإنتاجية المدارس والمهارات والقيم والهوية ، ويأتي متناغما مع محور الحوكمة في رؤية عمان 2040 “شراكة متوازنة ومستدامة وأدوار متكاملة بين أطراف العلاقة من القطاعين الحكومي والخاص والمجتمع المدني والأفراد لضمان أداء مؤسسي فعال” من خلال تأصيل ثقافة الحوكمة والعمل المؤسسي وتعظيم مسار اللامركزية في العمل الوطني وفتح المجال لمؤسسات المجتمع المدني عبر مواصلة تأسيس الجمعيات الأهلية وتعظيم دورها في بناء اقتصاد المرحلة وتفعيل نواتج الحوار الاجتماعي التشاركي في مسيرة البناء والتطوير، وتعكس مرحلة تغيير حضارية في عقيدة العمل وثقافة الأداء ومفهوم الوظيفية وتبني فقه المعايير في الاختيار والانتقاء المبني على الكفاءة ومهنية الأداء وصدق التوجه وإيجابية الفكر ، وتنطلق من مفاهيم إدارة التحولات المعاصرة عبر تحديث منظومة التشريعات والقوانين، وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه ومبادئه وتبني أحدث أساليبه؛ الأمر الذي يجعل من جمعية المعلمين والتربويين العمانيين حالة صحية ونهج قويم لاستدراك طبيعة مستجدات المرحلة وتطلعاتها.
وتبقى الطموحات الوطنية المتوقعة من إشهار جمعية المعلمين والترويين العمانيين في استدامة جهود التطوير والتجديد في منظومة التعليم ، وتنفيذ التوجيهات السامية لجلالة السلطان المعظم بشأن دور التعليم كبوابة دخول للمستقبل والمحافظة على الهوية والأخلاق والقيم العمانية وإنتاج المهارات والوعي الاجتماعي، أجندة عمل لهذه الجمعية تعمل على تحقيقها مع وزارة التربية والتعليم ومؤسسات التعليم الأخرى ، وخيوط ممتدة تضمن المزيد من الفرص ونقاط الالتقاء ومشتركات العمل في تكامل الجهود وتقاسم المسؤوليات ورفع مستوى ثقافة العمل المؤسسي لدى المعلمين، ودعوة لوزارة التربية والتعليم وغيرها من مؤسسات التعليم نحو تقييم برامجها وخططها وتوجهاتها في إطار من الشراكة المجتمعية في ظل الاعتناء بقيمة الرأي المجتمعي العام القائم على التعامل مع الرأي الواحد على أنه رأي الجماعة، وهذا بطبيعة الحال سوف يقلل من الضغط والعبء الملقى على وزارة التربية والتعليم بشكل خاص في التعامل مع ملاحظات المعلمين ومطالباتهم لتكون أكثر تحديدا وتقنينا، فإن دور الجمعية تقديم المساندة والدعم لجهود الوزارة في التطوير والتجديد القائم على الشراكة الفاعلة للمعلمين، وأن أي نجاح يحققه أحدهما إنما يكون في صالح العملية التعليمية برمتها.
أخيرا ومع أن المفهوم العام لجمعية المعلمين المتداول على المستوى الدولي والإقليمي؛ جمعيات مهنية أهلية ذات نفع عام وغير ربحية تعنى بفئة المعلمين والتربويين بشكل عام من أجل الرقي بالمهنة وتعزيز ثقافة الأداء المؤسسي لدى المنتسبين إليها والمحافظة على حقوق العاملين بها، ولها شكلها التنظيمي الرسمي والمؤسسي والصفة الشخصية الاعتبارية، وتسري عليها القوانين والأنظمة واللوائح والمسؤوليات التي تسري علي غيرها من الجمعيات الأهلية ، وفق المرسوم السلطاني رقم (14/2000) بإصدار قانون الجمعيات لأهلية ، ومع القناعة بأن جمعية المعلمين والتربويين العمانيين ليست العصا السحرية في حل المشكلات والتحديات التي تواجه المعلم العماني، ولكنها بالتأكيد سوف تكون واحدة من أهم مؤسسات المجتمع المدني التي ترفع مطالبهم بصورة قانونية واقعية عملية بعيدة عن التشويه والتأويل مقترنة بالأدلة والشواهد ، وتبقى مساحة الصلاحيات الممنوحة للجمعية ، وطبيعة الدور المعقود عليها، وحضورها في المشهد التعليمي والتربوي، الطريق لإنتاج حلول ومبادرات ومعالجات أكثر عملية وواقعية وقدرة على الـأثير والاحتواء في سبيل تجويد التعليم وتحسين صورة المعلم أمام الرأي العام من واقع الشواهد الحية والبصمات المثبتة التي يتركها المعلم العماني شاهدة على عطائه وانجازه وإخلاصه ، وتمكين المعلم من الإسهام في الجهود الساعية نحو إعادة هيكلة وإصلاح التعليم في سلطنة عمان.
د. رجب بن علي العويسي خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة