المرحلة الأولى: “التقبل والرضا”
لقد تقبّلنا هذا الرجل مع بداياته، واعتبرناه بطلاً قومياً، خاصة وأنه قد انتخب رئيساً للوزراء، وكان عليه حكم بالسجن، وقد أستلم الحكم خلال فترة سجنه صديقه عبدالله جول، وبعدما خرج من السجن رجب طيب أوردوغان أستلم رئاسة الوزراء، واستلم عبدالله جول رئاسة الجمهورية، يوم كان الرئيس يقوم ببعض الأمور البروتوكولية وحسب، وقد كانت نظرتنا إلى رجب أوردوغان على إنه عبقري زمانه، وإنه يُمثل السلطان محمد الفاتح أحد أشهر سلاطين الدولة العثمانية.
وقد بدأ عمله كرئيس للحكومة بسياسة صفر مشاكل، وزار سورية وألتقى بقياداتها، ودخل في تسويات لحلحلة المشاكل مع الجوار، وخرج بصيغة مرضية فيما يخص لواء الأسكندرونه السوري، وفرحنا بهذا الزعيم الذي سيفتح تركيا أمام العرب، وسيحولها من دولة نافرة من العرب والعروبة، ومنفّرة لهم منها، فحوّلها إلى دولة جاذبة ومحبة للعرب، أو على الأقل متقبلة لهم، وباعثة للتاريخ الإسلامي المتآلِف مع شعوب الأمتين العربية والإسلامية.
ومن الأمور التي لم نتنبه لها، هي تلك الملاحظات التي أوردها الزعيم نجم الدين أربكان رئس حزب الرفاه، والذي كان رئيس الوزراء في تركيا في فترة سابقة، والذي تبنى رجب أوردوغان وعبدالله جول، ولكنهما غدرا به وورثا الحزب منه، وقاما بتغير تسميته إلى حزب العدالة والتنمية، ووقتذاك لم يستمع أحد للزعيم أربكان؛ عندما قال؛ أن أوردوغان هذا يَلبسُ قميص الفضيلة، ولكنه قميص الناتو وليس قميصه الحقيقي، وأنه سوف يشكل خطورة على تركيا والأمة الإسلامية، فلم نصدق كلامه وقـتذاك، وظننا إنه يقول هذا الكلام بدافع الغيرة من النجاح الذي أخذ يحققه هذا الشاب الموهوب الطموح، ولكن بمرور الأيام، أخذا أوردوغان يُكشّر عن أنياب السوء والغدر، فبدأ يتخلص من الزعامات البارزة في حزبه، وقد أبعد زميله عبدالله جول الذي استلم رئاسة الوزراء نيابة عنه، ومن ثم أبعد مهندس سياسته الخارجية أحمد داود أغلوا، ثم علي بابا جان رئيس وزرائه، بعدما صار هو رئيساً للجمهورية بنظام يشبه نظام اخوانه الرؤساء العرب، وقد منح نفسه سلطة مطلقة بعد محاولة الإنقلاب عليه عام 2016م، وسجن كل معارضيه في تركيا.
المرحلة الثانية: “المرفوض والمستنكر”
لقد تحول أوردوغان من صفر مشاكل إلى كومة من المشاكل، فقد تغير توجهه وتحول إلى نمر شرس، لا يكن أي إحترام للجوار، وفتح بلاده لتكون بوابة للشر، ولكل إرهاب العالم بإتجاه سورية، وأعلن رغبته في تدمير النظام في سورية، وذلك بناءً على التوجيهات التي تلقاها من أمريكا والناتو وإسرائيل بالطبع، وقد عاونه في ذلك بعض الدول العربية، والتي كانت تأتمر بأوامر الغرب، ورُصد لذلك 137 مليار دولار، يوم كان التكليف مسند لدولة قطر، وهذا ما صرح به حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها يومذاك.
ثم حُولت مسؤولية المهمة إلى الأمير بندر بن سلطان، وقد طلب مبلغ 2000 مليار دولار لإكمال المهمة، وهذا الكلام عن لسان الشيخ حمد بن جاسم نفسه، وفي كل هذه المراحل كان أوردوغان هو المحور الرئيس بين الشرق والغرب في مشروع تدمير سورية، وقد صدّر عمالة رخيصة للغرب من النازحين السوريين، الذي كان هو السبب في نزوحهم من بلادهم إليه، حتى أنه توعد بالصلاة في المسجد الأموي في دمشق خلال أيام قليلة، وقد مرت لحد الآن 12 سنة.. ولم تسقط سورية، ولم يصل أوردوغان في دمشق، والذي سبقه إلى الصلاة في المسجد الأموي أحد أركان محور المقاومة، ألا وهو الرئيس الإيراني.
وقد غزى سوريا بجيش جرار، بحجة مطاردة الإرهاب الكردي كما يزعم، وما يزال جيشه يحتل أجزاء كبيرة من الأراضي السورية، وكذلك استباح الأراضي العراقية تحت نفس الذريعة، هذا عدا الجيوش التي كانت تمثل داعش والقاعدة، وغيرهما من التشكيلات الإرهابية المدعومة من الغرب وإسرائيل، وتحت حماية عدد كبير من القواعد الأمريكية داخل الأراضي السورية، بالإضافة إلى القواعد الغربية والتركية بالطبع.
وقد تكشّف أكثر وأكثر سوء النظام الأوردوغاني، عندما بدأ الغرب بتنفيذ مشروع “الربيع العبري” الذي سمي بالعربي للتظليل وإغواء الشعوب العربية بأنها تمر بمرحلة تحرر من الطواغيت والطغاة، والحقيقة كان ذلك مخاض ولادة الفوضى “أللا خلاقة” التي وعدت بها كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا وقتذاك، بعدما فشل مشروعها في لبنان في تصفية حزب الله في حرب 2006م التي نفذتها إسرائيل برعاية أمريكية أوروبية وبعض العرب.
المرحلة الثالثة: “التّجلز والتقبل على مضض”
إنّ المرحلة التي سنتقبَّل فيها بتجلز ومضض، هي المرحلة الحالية؛ حين وضعتنا الإنتخابات التركية الأخيرة، أمام خيارين كلاهما مُرّ، ولكن الأكثر شدة ومرارة وهو منافس أوردوغان في انتخابات الإعادة، فهنا نجد أنفسنا نتمنّى فوز أوردوغان على سيّء السيط والسمعة المدعو “كمال كيليتشدار أوغلو” والذي يعلن صراحة هواه للغرب والناتو، وإنه ضد روسيا لصالح الغرب، وأن الذي يجعلنا نتمنّى فوز أوردوغان كذلك، هو ذلك البغض الشديد الذي تعلنه أمريكا والغرب ضده، وهي شهادة في الوقت نفسه، على أن أوردوغان قد خرج من عبودية الغرب المطلقة، ولذلك أصبح المفضل لنا لأنه يغيظ بقاءه في الحكم.. هذا الغرب الظالم، ونحن إذن؛ مع الذي يطأ أي موطئ يغيظ الكفار، وينغص عليهم حياتهم، ويصطف إلى جانب روسيا، الدولة التي نأمل أن يتحرر العالم على يديها من جبروت وظلم الغرب.
وكما أن أوردوغان هذا، الذي يَقْدُم اليوم بالفوز إلى رئاسة تركيا، فإنه يأتي نتيجة إنتخابات صعبة وعويصة، لذلك سيأتي إلى الحكم وقد كسِّرت قرون الغرور والغطرسة فيه، وخاصة بعد عودة سورية منتصرة إلى جامعة الدول العربية، وكذلك يكون قد أتى للحكم وهو يحمل في جعبته، خبرة تزيد على عشرين عاماً، وقد ذاق فيها المرُّ والخسارة، وذلك أكثر مما تذوق الحلو الإنتصار.. فهل يا ترى تظفر تركيا بحكم مستقر وراشد في مرحلة أوردوغان الجديدة؟!
بقلم/ حمد بن سالم العلوي – الأربعاء الموافق 24/5/2023م