الزيارة الكريمة لجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى جمهوريَّة مصر العربيَّة مطلع الأسبوع الجاري تحمل أبعادًا كبيرة وتعزيزًا للعلاقات الثنائيَّة بَيْنَ البلدَيْنِ الشَّقيقَيْنِ، كما أنَّ هذه الزيارة تُعدُّ امتدادًا للعلاقات التاريخيَّة التي تربط سلطنة عُمان ومصر، وتأكيدًا على حِرص قيادتَي البلدَيْنِ على توثيق الروابط الراسخة بَيْنَهما، والعلاقات العُمانيَّة المصريَّة قديمة قِدم التاريخ والحضارة. فقد كانت حضارة الفراعنة تجلب اللبان العُماني من مدينة ظفار التاريخيَّة، وكان ميناء البليد مرفأ للأسطول الفرعوني. وقد زارت الملكة حتشبسوت ظفار العُمانيَّة، كما تُشير تلك المصادر، حيث كان الفراعنة يستخدمون اللبان العُماني في تعطير المعابد والتحنيط وفي الطقوس الدينيَّة. واستمرت العلاقات بَيْنَ البلدَيْنِ في العصر الحديث، حيث كان للعُمانيين موقف عظيم من الحملة الفرنسيَّة على مصر عام 1798م، حيث أعلن سُلطان بن أحمد سُلطان عُمان آنذاك استياءه من هذه الحملة، وأوقف المفاوضات الفرنسيَّة العُمانيَّة التي كانت تُمهِّد لعقد معاهدة تعاون ملاحي بحري بَيْنَ الدولتَيْنِ، وأعلن احتجاجه الرَّسمي على اعتداء فرنسا على دولة عربيَّة مُسلِمة، كما شارك سُلطان عُمان في مراسم افتتاح قناة السويس عام 1869م. فقد كانت العلاقات العُمانيَّة المصريَّة علاقات يسودها كثير من الاحترام والتعاون المتبادل بَيْنَ امبراطوريَّة عُمان حينها وامبراطوريَّة مصر التي شيَّدها محمد علي باشا وابنه إبراهيم. وعندما قام العدوان الثلاثي على مصر أعلنت عُمان تأييدها لمصر وانفجرت مشاعر الغضب لدى العُمانيين، وتميَّزت تلك العلاقات بشكلٍ مطَّرد بَيْنَ البلدَيْنِ، فأطلق جلالة السُّلطان قابوس ـ طيَّب الله ثراه ـ مبادرة تاريخيَّة حينما أصدر مرسومًا بالتبرُّع بربع رواتب الموظفين لدعم جبهات القتال في حرب أكتوبر 1973م المَجيدة، وأرسلت السَّلطنة بعثتَيْنِ طبيتَيْنِ إلى مصر، وأوقفت تصدير النفط كما هو معلن في الصحافة العُمانيَّة، وما زال أرشيف الوثائق والمحفوظات العُمانيَّة يحتفظ بنسخ من تلك الأخبار والمواقف العُمانيَّة. كما كان لسلطنة عُمان موقف مستقلٌّ بعدَم قطع العلاقات مع مصر أعقاب توقيع اتفاقيَّة كامب ديفيد، ورأت السَّلطنة أنَّ قطع العلاقات بَيْنَ العرب ومصر ليس حلًّا، بل إنَّه فرصة للأعداء لتكريس سياسة «فرِّقْ تَسُدْ»، فأعلن جلالة السُّلطان قابوس ـ رحمه الله ـ أنَّ مصر لا تُقاطع ولا تُعزل، واستمرَّت العلاقات العُمانيَّة المصريَّة على أكمل وجْه، بل إنَّ السَّلطنة أسْهمَت في عودة العرب إلى مصر وعودة مصر إلى الحضن العربي، وفي حادثة المنصَّة 6 أكتوبر 1981م التي قُتل فيها الرئيس السادات كان من بَيْنِ الضحايا ضابط عُماني كبير كان من ضِمْن الحضور. واستمرَّت العلاقات العُمانيَّة المصريَّة كنموذج للعلاقات العربيَّة العربيَّة في كُلِّ عهود رؤساء مصر. ففي خِطاب العيد الوطني الرابع عشر أعلن جلالة السُّلطان قابوس ـ غفر الله له ـ في خِطابه: «أنَّ مصر عنصر الأساس في بناء الكيان والصَّف العربي، ولَمْ تتوانَ يومًا في الدفاع عن قضايا العرب، وإنَّها لجديرة بكُلِّ تقدير…»، كما تُوِّجت تلك العلاقات بزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى السَّلطنة عام 2018م والاستقبال المهيب الذي خصَّه جلالة السُّلطان قابوس ـ رحمه الله ـ ترحيبًا بمصر وقيادتها.
العلاقات العُمانيَّة المصريَّة في عهد جلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله استمرَّت بنفس الوتيرة والنموذج التاريخي نظرًا لأهمِّية مصر ومحوريَّتها العربيَّة والإقليميَّة، كما تظلُّ مصر هي نقطة المرجع التي يعود إليها العرب في الحواسم التاريخيَّة، فمنها خرجت الجيوش، ومنها تحقَّقت الانتصارات لصالح الأُمَّة العربيَّة، وعلى العرب إدراك هذه الحقيقة عرفانًا بِدَوْر مصر التاريخي في قضايا الأُمَّة وما قدَّمته من تضحيات، ولا شكَّ أنَّ قوَّة مصر هي قوَّة للعرب جميعًا. ومن هنا فإنَّ أمن مصر يُمثِّل الأمن القومي العربي وبالتالي يجِبُ الوقوف مع مصر في مختلف قضاياها الأمنيَّة، وخصوصا قضيَّة سدِّ النهضة، وفي هذا الصَّدد فقد أكَّدت سلطنة عُمان تضامنها مع مصر في قضيَّة سدِّ النهضة، ودعم موقف القاهرة في السَّعي إلى حلِّ الأزمة عَبْرَ الحوار. حيث جاء في بيان لوزارة الخارجيَّة العُمانيَّة بتاريخ 30 مارس 2021م «أنَّ السَّلطنة تُعرب عن تضامنها مع جمهوريَّة مصر العربيَّة وتؤيِّد جهودها لحلِّ الخلاف حَوْلَ سدِّ النهضة عَبْرَ الحوار والتفاوض، بما يُحقِّق استقرار المنطقة ويحفظ مصالح جميع الأطراف». ولا شكَّ أنَّ موقف سلطنة عُمان هو موقف ينطلق من قاعدة عروبيَّة قوميَّة والتزامًا من السَّلطنة تجاه الشَّقيقة الكبرى مصر، ولا شكَّ أنَّ هذه الزيارة الكريمة لجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ تجسِّد متانة النموذج العُماني ـ المصري واستنادًا إلى لغة التاريخ والجغرافيا والعروبة التي شكَّلت نموذجًا للعلاقات العربيَّة.
خميس بن عبيد القطيطي