يُعد قطاع السياحة واحدًا من أهم المرتكزات الاقتصادية المُهمة في أي بلد في العالم؛ إذ يشكل هذا القطاع الواعد نصيب الأسد من الناتج المحلي في العديد من الدول التي تُحسن إدارة السياحة وتعمل من خلال استراتيجيات واضحة المعالم لتحقيق طموحات الوطن والمواطن، وذلك بهدف رفد التنمية وتحقيق الرفاهية للمجتمع بشكل عام، وعلى وجه الخصوص الدول التي تتمتع بأجواء استثنائية كما هو الحال في محافظة ظفار التي تُشبَّه بسويسرا الشرق، كما إن كرم الضيافة وحسن استقبال الضيوف من أهم صفات المجتمع العماني الذي يستمد تلك القيم الخالدة من تراثه العريق وإرثه الثقافي الفريد الذي لا يوجد مثله إلّا في القليل من البلدان في هذا العالم المترامي الأطراف، وقبل ذلك كله؛ تُصنّف السلطنة في القائمة الصفرية للإرهاب طوال السنوات الماضية من قبل المراكز والمنظمات التي ترصد وتدرس الإرهاب حول العالم على الرغم من وجودنا في إقليم ملتهب تنتشر فيه الحروب وتظهر فيه المنظمات الإرهابية بين وقت وآخر.
كل هذه المقومات، ارتبطت بأبناء هذا البلد منذ القدم تجعل الزائر يشعر بالارتياح والاطمئنان وهذا ما نلمسه عندما نقابل كل من زار السلطنة على الدوام.
وموسم ظفار السياحي على الأبواب؛ إذ تفصلنا أيام عن دخول موسم الخريف الذي يدخل فلكيًا يوم 21 يونيو من كل عام، والأنظار تتجه في مثل هذا التوقيت من السنة إلى ما تم إنجازه من الوزارات والهيئات الحكومية المنوط بها إنشاء المرافق الجديدة ورفع جودة الخدمات التي تقدم للسياح القادمين من داخل السلطنة ومن دول مجلس التعاون الخليجي، إلى هذه المنطقة التي تتمتع بأجواء استثنائية طوال فصلي الخريف والصرب (الربيع)؛ بل تمتد تلك الأجواء إلى موسم الشتاء؛ حيث الشواطئ والخلجان التي تمتد من ضلكوت غربا إلى الشويمية شرقًا.
لقد حان الوقت أولًا أن نتعرّف على المعوقات والتحديات التي تواجه صناعة السياحة في السلطنة بشكل عام وظفار بشكل خاص. ولعل ما تابعناه خلال الأسابيع الماضية عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي من ردود أفعال الرأي العام العماني على ارتفاع تذاكر الطيران العماني وكذلك طيران السلام خير مثال على مثل تلك التحديات، فلم تكن المرة الأولى التي ترتفع فيها أصوات المواطنين والمقيمين على ارتفاع أسعار تلك التذاكر على خط مسقط صلالة.
هذه الشركات الوطنية، وخاصة الناقل الوطني “الطيران العماني”، تعمل منذ سنوات على محاولة تغطية خسائرها التي تقدر بمئات الملايين، وذلك لعدم وضوح رؤية صناع القرار في هذه الشركة الوطنية التي استنزفت الكثير من الموارد، فتلجأ إلى رفع أسعار التذاكر بطريقة جنونية في كل مواسم السنة، وإن كانت هذه الارتفاعات في أسعار التذاكر لا تُطاق في موسم الخريف. في حين أن الطيران العماني يقدم- في بعض الأحيان- عروض أسعار للمسافرين على خطوطه إلى الدول المجاورة، وخاصة دول شبه القارة الهندية تلامس أو تقترب من أسعار خط صلالة مسقط.
يجب يدرك الجميع أن دول العالم قاطبة تشجع السياحة الداخلية والتواصل في رحاب وأرجاء الوطن؛ إذ يتم دعم سعر التذاكر على الخطوط المحلية وتخفيضها إلى مستوى التكلفة بهدف تشجيع التواصل بين أبناء الوطن وأسرهم في مختلف الولايات بهدف تواصل المواطنين. لقد كان المبرر الذي قدمته شركات الطيران هذه المرة ارتفاع أسعار الوقود في مطار صلالة. من هنا لم تتأخر التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- للجهات المعنية بهذا الموضوع، بتقديم دعم مباشر في أسعار الوقود في مطار صلالة، وذلك بما يعادل أسعار الوقود في مطار مسقط الدولي، على أمل أن تقوم شركات الطيران بتخفيض الأسعار لتشجيع السياحة الداخلية لخريف ظفار؛ إذ بلغ عدد العمانيين الذين زاروا خريف 2022 ما يقارب النصف مليون مواطن، بينما سافر عبر المنافذ الجوية حوالي 20% فقط، و80% عن طريق البر!
علاوة على أن ازدواجية طريق هيماء- ثمريت الذي يمتد بطول 400 كيلومتر، وأُسند للشركات التي فازت بالمناقصة قبل أعوام، قد توقف رغم أنه طريق حيوي يربط محافظة ظفار مع مختلف محافظات السلطنة، وكذلك بدول الجوار مثل السعودية والإمارات، خاصة أثناء موسم الخريف، وفي كل عام يتسبب هذا الطريق المزدحم في إزهاق الأرواح.
وفي الختام.. نتطلع إلى قائد هذا البلد العظيم جلالة السلطان المفدى- أيده الله- لحسم إشهار مطار صلالة كمحطة دولية بشكل رسمي لتشجيع حركة السياحة الخارجية، على أن يتم استكمال مرافق المطار الأساسية؛ كورشة أو مركز لصيانة الطائرات، وكذلك مبنى ثانٍ لتوفير خدمات التموين لجميع الخطوط الدولية العابرة، وتزويد هذه المرافق بالمهندسين والفنيين، كما يجب على الناقل الوطني “الطيران العماني” استحداث رحلات مباشرة بين مطار صلالة وجميع العواصم الخليجية كمرحلة أولى.
د. محمد بن عوض المشيخي/ أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري