عمليّة غير اعتياديّة واستثنائيّة في مكانها وتوقيتها اصابت “اسرائيل” في مقتل.. من مكان من خارج الحدود المتوقّعة، وفي خضمّ المناورة الضخمة التي يُجريها جيشها تحت اسم” القبضة السّاحقة” التي اطلقها مساء الاثنين الماضي وتستمرّ اسبوعَين، وتحاكي حربا متعدّدة الجبهات: سورية-لبنان-غزّة والضفّة الغربية، ولتخرق تلك المناورة والتهديدات عالية السّقف ضدّ ايران عمليّة مؤلمة وغير متوقعة سدّدها احد عناصر شرطة الحدود المصريّة مع فلسطين المحتلة قتل خلالها 3 جنود “اسرائيليين” واصاب رابع.. فتح هذا الحادث الباب واسعا امام علامات استفهام كبرى في الكيان بينها..” “هل على اسرائيل بعد عملية السبت ان تضيف جبهة الحدود المصرية الى الجبهات الأخرى المقلقة التي تحيط بنا”؟ “ماذا لو تأكد انّ عمل منفّذ العمليّة ليس فرديا؟ “هل عمل المحور المعادي على تجنيد خلايا في تلك الجبهة ضدّ اسرائيل ظهرت باكورتها في عملية السبت؟ وقد نشهد “اخوات” لاحقة لها هناك وربما اكثر خطورة”؟
“كيف لمنفّذ العملية ان يمشي مسافة 5 كم من موقعه ويتسلّق الجرف ويصل الى السياج وكان على ظهره حقيبة تحتوي على معدّات، ويقطع الأقفال التي تُغلق المعبر الموجود في السياج ويدخل “اسرائيل” ثمّ يقترب من موقع الجنود دون ان يتمّ التعرّف عليه ويفتح النار”؟.. هذا بعض من علامات الاستفهام الكثيرة التي طرحها موقع “كود كود” العبري، من ضمن تساؤلات محللين وخبراء ووسائل اعلام عبرية تبقى الى الان دون اجوبة، الا انها بلا شك مثّلت خرقا وفشلا كبيرَين في “اسرائيل” وستتسبب ليس فقط في عزل الضباط “الاسرائيليين” في الجبهة الجنوبية، بل في “تطيير” رؤوس امنية كبيرة.. وهو ما اضاء عليه عدد من المحللين في المواقع والقنوات الاخبارية العبرية بينهم اولر هيلر-ألمحلّل في القناة “13” والذي قال “إنّ المنظومة الامنية والعسكرية تدرس سلسلة إقالات وطرد لعدد من الضباط بسبب الإخفاقات الكبيرة في المنطقة الجنوبية”.. قبل ان يتوقف المراسل العسكري لموقع “واللاه” العبري امير بوخبوط، عند “النقص المريب في اعداد القوات في هذه المنطقة”، مضيفا “انّ كبار القادة الامنيين “الاسرائيليين” يصلون اليها في دوريّاتهم دون سلاح”!
ورغم “إطباق” الرقابة العسكرية “الإسرائيلية” على جري العادة، حيال نشر اي معلومات “حساسة” حول الحادث الامني “الخطير” على الحدود المصرية- “الاسرائيلية”، الا انّ موجة من التسريبات الصحفية في الداخل “الاسرائيلي” نُقلت عن مرجعيّات امنية، شكّكت في رواية” تصرّف الجندي المصري منفردا في العملية”، بل انّ بعض القادة الامنيين ذهبوا ابعد من ذلك في التحذير من انّ عمليّة السبت “قد تكون أُعدّت وتمّ التخطيط لها من ضمن عمليات اخرى في اروقة المحور المعادي لإضافة جبهة اخرى مقلقة الى نظيراتها التي تحيط بإسرائيل تحضُّرا للمواجهة الكبرى المرتقبة”، قبل ان ينقل المحلل العسكري والأمني “الاسرائيلي” يوني بن مناحيم، عما اسماه مصدر امني رفيع المستوى، تشديده على عدم اغفال بصمات حزب الله عن العملية”!
وفي غمرة الإنهماك “الاسرائيلي” في محاولات ” تشفير” الغاز العمليّة على الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة، بدا لافتا قفز رئيس الوزراء “الاسرائيلي” بنيامين نتنياهو فوق العملية والتحقيقات الجارية فيها على قدم وساق نحو “تكثيف” تهديداته ضدّ ايران الى الحدود القصوى، وليبادر امس الاحد الى عقد اجتماع “نادر” لمجلس الوزراء الأمني المصغّر في غرفة قيادة تحت الأرض، لمحاكاة اتخاذ القرار خلال “الحرب المحتملة على عدّة جبهات” التي ستعقب على الارجح وسريعا مهاجمة المنشآت النووية الايرانية.. وأصدر مكتب نتنياهو لقطات لتدريب الحكومة الأمنية على الاستعداد لاتخاذ القرار خلال الحرب!
فهل يفعلها نتنياهو ويهاجم منشآت نووية ايرانية في غفلة عن الجميع في هذا التوقيت الحسّاس؟ كيف سيصل اليها.. في اراض مترامية الأطراف ومحصّنة بشكل هائل في اماكن سريّة؟ ولماذا ألغى وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن زيارته الى “إسرائيل” في هذا التوقيت الحسّاس؟..هل لإبعاد الأخيرة عن اجواء مفاوضات عُمان حيث تعتزم واشنطن التوصل الى اتفاق نووي “مرحلي” مع طهران كما تتحدّث المعلومات؟ .. ماذا عن الأنباء التي تسرّبت عن اكثر من مصدر عربي وفلسطيني تحديدا، وفيها تحذير عالي الجدّية من احتمال ذهاب نتنياهو مرّة اخرى الى تنفيذ عمليات اغتيال مرتقبة لقادة بارزين في فصائل المقاومة الفلسطينية داخل قطاع غزّة او خارجه.. وعليه، بادر جهاز المخابرات المصريّة منذ ايام، بشكل مفاجئ ودون سابق انذار، الى استدعاء قادة حركتَي “حماس” و”الجهاد الاسلامي” الى القاهرة!
وثمّة شخصيّات صحافية لبنانية مخضرمة، المحت الى تلقُف حزب الله خيوط “عمل ما” قد تسدده “اسرائيل” صوب مواقع لحزب الله في لبنان عبر ضربات خاطفة، او قد يقتصر على استهداف احد قادته رغم مخاطر هذا الاستهداف.. فكانت المناورة العسكرية غير المسبوقة التي اجراها الحزب عشية عيد التحرير تحت عنوان “سنعبر” على بُعد 20 كلم من حدود فلسطين المحتلة، وبطابعها “الهجوميّ” تقصّد اجراءها تحت أعين عدسات مئات الصحافيين والمراسلين المحليين والاجانب، ليمرّر رسائل نارية من خلالها، اهمها انّ “ملعب” الحرب القادمة لن يكون حصرا على الارض اللبنانية، بل في عمق الاراضي الفلسطينية المحتلة.. فهل يتجرّأ نتنياهو ويعمد الى محاولة كسر “قواعد الاشتباك” مع حزب الله؟ وهل جاءت الغارة “الاسرائيلية” على موقع للجبهة الشعبية في بلدة قوسايا البقاعية على الحدود اللبنانية –السورية فجر الاربعاء الماضي، بمثابة رسالة” إلى من يهمهم الأمر” في لبنان؟..
رغم ادراج التهديدات “الاسرائيلية” عالية السّقف مؤخرا باتجاه ايران وحزب الله في خانة “التهويل” ليس اكثر، الا انّ مقاتلي الحزب على الحدود الجنوبية في جهوزية عسكرية وامنية غير عادية، تحسُّبا لأي عمل امني او عسكري “اسرائيلي” ربطا بتعميم امينه العام السيّد حسن نصرالله-بعد اجتماع مركزي، توجيهاته للفرَق العسكرية بالبقاء على جهوزية تامة جنوبا.. فلا احد يضمن ما قد يفعله نتنياهو مع اصحاب “الرؤوس المتطرّفة الحامية” من حوله، دون التحسُّب للعواقب الخطيرة.. على “اسرائيل” نفسها قبل اعدائها!
وثمّة شخصيّة قيادية لبنانية المحت-نقلا عن” مرجع روسي كبير”، الى ضرورة شدّ الأحزمة” في المنطقة في هذه اللحظة المفصلية الحساسة، ربطا بإمكانية ان يبادر نتنياهو صوب مغامرة كبرى في اي لحظة، تحت جُنح حدث عالمي” من العيار الثقيل”!
ماجدة الحاج