◄ لماذا تتشكل تلك المجموعات المُزعجة في مؤسساتنا الحكومية منها والخاصة؟
في هذا العالم الذي كُتب لنا فيه أن نُقابِل غيرنا من البشر ونتعايش معهم ونتفاعل مع محيطنا الاجتماعي في الدراسة أو العمل؛ بل وفي مختلف منافذ ومشارب هذه الحياة، تواجهنا الكثير من التحديات والمواقف الصعبة التي لم نحسب لها حسابًا على الإطلاق، ولا ندرك لماذا ندفع ثمن مثل تلك التحديات والصعاب التي لم نكن سببًا فيها ولم نقدم أو نؤخر فيها؟
البداية تأتي منذ فترة مبكرة ونحن في مقاعد الدراسة؛ فالذين يتفوقون على غيرهم من زملاء الدراسة يدفعون ضريبة النجاح والتفوق، لكونهم مستهدفين من الفاشلين والكسالى من حولهم، والسبب هو التفوق والنجاح في الدراسة، وتحقيق المراكز الأولى. من هنا يحاول الفاشلون والأغبياء أن يعزلوا أقرانهم الذين ظهرت عليهم علامات النبوغ والتفوق ونعتهم بأسماء وألقاب سلبية لكي يتم نبذهم والتقليل من إنجازاتهم العلمية، مما يترتب على ذلك العُزلة والحزن الذي يعتري هؤلاء النجباء من الطلبة.
أما في بيئة العمل؛ فهناك ما يُعرف بـ”الشللية” و”اللوبيات” التي تتشكل لمحاربة غيرهم من الزملاء المُسالمين الذين قادهم حظهم العاثر للعمل وسط هذه البيئة الطاردة والمزعجة وغير الصحية، فيشعر المستهدف من هذه اللوبيات أنه قد وُضع على فوهة المدفع؛ فالتوتر والقلق خلال ساعات العمل التي أحيانًا ما تزيد عن الأوقات المخصصة للبيت والأسرة هو سيد الموقف، مما يترتب عليه دفع بعض الموظفين إلى الغياب المتكرر عن الدوام، وذلك لتجنب المضايقات التي لا مُبرر لها؛ بل والاستقالة من الوظيفة في بعض الأحيان لكي يكسب الإنسان حياته الغالية بعيدًا عن الأجواء المربكة والضغوط اليومية في ذلك النطاق الكارثي الذي يسوده التلوث والسموم.
والسؤال المطروح، لماذا تتشكل تلك المجموعات المُزعجة في مؤسساتنا الحكومية منها والخاصة؟
الإجابة على هذا السؤال تتمحور حول وجود أفراد يعانون من عقدة النقص والخوف من الآخرين الذين ينظر إليهم كأعداء مفترضين؛ فيجب أن لا نترك للآخرين فرصة للنجاح والتفوق علينا في العمل. وأفضل الطرق عند هؤلاء تشكيل اللوبيات التي تستمد تكوينها من خلفيات قبلية أو عرقية أو مناطقية بل وأحيانا مذهبية بغيضة، هو الحسد والغيرة من نجاح الزملاء الآخرين في تلك المؤسسة. وهنا استحضر مقولة نرددها باستمرار مفادها “النجاح غالبًا يولِّد الأعداء، ومن لا يستطيع اللحاق بك لا يملك سوى طعنك من الخلف”. هذه حقيقة هؤلاء البشر الذين يجدون في صدورهم غلًا للذين من حولهم من العاملين بجوارهم حتى ولو لم يضروهم بشيء!
يجب أن يدرك الجميع أن ما كان لهذه النباتات الخبيثة أو اللوبيات أن تزدهر وتمارس أعمالها السيئة إلا بوجود رئيس مغرور ومهزوز الشخصية يحتضنها ويحميها، وتبدأ العملية من المدير إلى رئيس الوحدة الذي همّه الأكبر البطش بالآخرين وتقسيم الموظفين في الوزارة أو الهيئة أو الشركة إلى موالين للرئيس أو أعداء يجب إذلالهم والعمل بكل الطرق على اتباع سياسة الكيل بمكيالين؛ فالترقيات والمكافآت يستأثر بها المقربون ويتم استبعاد الآخرين من المعارضين والمناوئين للمسؤول الذي لا يُدرك أنه قد حوَّل المؤسسة إلى ملكية خاصة وليست عامة للجميع. وأول ضحايا هذه السياسة هم المخلصون والمتميزون وأصحاب الإنجازات الذين يدينون بالولاء لقيم العمل والإخلاص وحب الوطن وليس لشخص المسؤول.
هناك من البشر في هذا العصر من يصابون بخيبة أمل وانزعاج شديد؛ عندما يرون غيرهم من الناس قد حققوا مكاسب مالية، ومناصب رفيعة، وشهادات عُليا من أعرق الجامعات، حتى ولو كانت مكاسب هؤلاء المغضوب عليهم، سوف تعود بالنفع للوطن والمجتمع بشكل عام. من هنا أتذكر كلامًا مُعبرًا عن هذا الواقع المرير؛ للعالم المصري الراحل أحمد زويل الذي قال “الأوروبيون ليسوا أذكى منّا، لكنهم يقفون ويدعمون الفاشل حتى ينجح، أما نحن فنحارب الناجح حتى يفشل”. بالفعل هناك أعداء النجاح في كل المنافذ والزوايا المحيطة بنا، والذين يتمنون أن يعُمَّ الفشل الجميع دون تمييز، لكي يتساوى معهم الناجحون والمجتهدون، ويتقاسم الجميع الأصفار. إنها خيبة أمل ونظرة سلبية للأمور، فمنطق هؤلاء الحُسَّاد أنهم لا يحبون الخير لغيرهم؛ فهم لا يتحملون أن تنزل النعم على من حولهم من العباد!
ماذا لو نظر أعداء النجاح بعين الرضا لهذه الحياة القصيرة، واعتبروا تلك الإنجازات والمكاسب التي حققها الآخرون- الذين في العادة يُنظر لهم بعين الريبة والتوجس- أنها خير وقيمة مضافة لنا جميعًا، إذا أحسنا الظنّ بمن حولنا، فندعو لكل الناجحين في هذا البلد العزيز بالتوفيق والهداية.
د. محمد بن عوض المشيخي/ أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري