لا يكاد يمر يوم إلا تطالعنا وسائل التواصل الاجتماعي بحالات عجيبة وغريبة، لا نكاد نصدّق أنها تحدث- إلى وقت قريب- في بلادنا، حالات تقشعر لها الأبدان، وتتمزق لها القلوب، وتبكي لها العيون، عن أسر دون عائل، وعن عائل داخل السجون، وعن إلقاء القبض بقوة القانون على “مطلوب” للعدالة، كل ذنبه أنه تجرأ فاقترض لبناء منزل له، ولأسرته، أو أنه اقترض ليحقق حلمه بمشروع بسيط وصغير بعد أن أنهكته الحياة، وأضناه التعب، ويئس من الحصول على وظيفة، فاتجه لإقامة مشروع صغير بعد أن سمع عن التسهيلات التي تقدمها الحكومة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، فإذا به بين قضبان السجون، ينتظر من ينقذه من الجمعيات الخيرية، أو أصحاب الأيادي البيضاء أو السمراء- لا يهم- فالمهم هو أن يعود إلى الحرية، وإلى صغاره الذين ينتظرون إطلالته عليهم بفارغ الصبر.
ولعلها ليست المرة الأولى- ولن تكون الأخيرة- التي أتطرق فيها إلى هذه الحالات الإنسانية، لأنَّ ما يحدث في المجتمع لا يمكن السكوت عليه، ولأن الحلول الناجعة من الحكومة لم تخرج علينا بعد، رغم منظومة “الحماية الاجتماعية” المنتظرة، ورغم الأصوات والصرخات التي تنطلق من بعض البيوت التي أصبحت قبورًا لساكنيها، فمن يصدق أن أرباب الأسرة- الأم والأب- كلاهما في السجن؟! ومن يصدق أن شبابًا في مقتبل العمر أصبحوا في عداد الهاربين من تنفيذ أحكام قضائية؟ ومن يصدق أن أطفالًا دون عائل يقبعون وحيدين في البيوت بعد أن حُكم على والديهما بالحبس؟ ومن يصدق أن أسرًا تنهار بعد أن أدمن أبناؤها المخدرات، أو اتجهوا للسرقة، أو انحرفت بناتها بعد أن فقدوا المُعيل والموجّه بسبب شيك مرتجع أو تعسّر أو تسريح أو خسارة تجارية؟ من يصدق أن هذا يحدث في المجتمع العماني الصغير والمحافظ؟
فحين تخرج فتاة صغيرة في وسائل الإعلام- غير التقليدي- تبكي والديها اللذين يقبعان في السجن بسبب خسارة مشروع، وحين يصرخ معاق بأعلى صوت “أنقذوني”، وحين نسمع صوت أب أو أم يبكيان ويستغيثان القلوب الرحيمة لفك كربتهما، فإن هناك خلل واضح في المنظومة الاجتماعية، وأن هناك مجتمع على بوابة تحولات أخلاقية وثقافية كبيرة، وأننا أمام أزمة اجتماعية ستحصد- عاجلًا أو آجلًا- أمامها الكثير من القيم التي غرسها الآباء والأجداد منذ مئات السنين في نفوس الأجيال، وسيتحول البعض في المجتمع إلى جسد ممزق، لا يمكن رتقه، أو إعادة تجميع شتاته من جديد، ولن تنفع الأموال أو المشروعات لترميم الشرخ الاجتماعي الذي بدأ في التضخم إلى الحد الذي لا يمكن تصوره، ولن تجدي الحلول المؤقتة والطارئة لسد فجوة تكبر يومًا بعد يوم، فحين ننشغل ببناء الحجر، وننسى في طريقنا البشر، فإن كل ما يتم إنجازه لن يكون له أثر في علاج ما دمرته ترسبات وتحولات المرحلة الصعبة على الأسرة العمانية.
مسعود الحمداني