في أحد المساءات التي تختلط فيها مشيعات الشتاء ومبشرات الصيف يأتي جهاز الاستشعار الجلدي مخبرا بأن غاز السيارة يحتاج للمدد وبأن الدواء الناجع لهذا لا يتقنه الإ ( كومار ) صاحب التسعيرة المرتفعة نسبيا وبين فكر وفكر تسقط عيني على (استوري) محمد ولسان حالته ( الواتسابية ) يقول : نعم ، اشتعلت الحفرة.
الحفرة هي موقع متعارف لدى أهالي ولاية دبا منذ سنوات طوال وترتبط بذكريات متعددة في الأحوال والدوافع للقدوم إليها لبعدها سابقا عن التجمعات السكنية المتعارفة وغدت مرتعا لممارسات صحية وغير صحية سابقا وحتى الآن وأصبحت الحفرة نقطة للتخلص من المخلفات المعدنية والخشبية ومخلفات البناء وبقايا الأشجار وذلك ثمن مدفوع في مقابل قصور القوانين والنظم التي لا تتسع لخصوصية الولاية ومع تاليات السنين توسعت مساحة الحفرة شيئا فشيئا بدعم من تعرية الطبيعة البريئة والمخالفات البشرية التي تدار من فوق الطاولة وتحتها وتمر الأعوام لتتغير ملامح ما حول موقع الحفرة وأصبح لزاما النظر بتعمق ليس فقط لمعالجة ما خلفته تراكمات السنين بل لخلق نقطة جذب وفق المعطيات الإيجابية للموقع وهنا يصنع الفارق بين أن نكون متأثرين ونمارس ردات الفعل فقط او مؤثرين لنصنع واقعا نحدد نحن فيه قواعد اللعبة !
اشتعال النيران في موقع الحفرة لم تكن سابقتها الأولى ما حدث في مطلع الشهر الحالي بل هو منوال غير منتظم نراه بين الفنية والأخرى وما يزعج حقا قبل كل شيء ارتكاز بعض الجهات في أن معالجة موقع الحفرة ليس من اختصاصها – وهم محقون في ذلك – لكن التأمل في واقع الحياة ككل يقول أن النظم والشرائع البشرية تبقى قاصرة ولا تستطيع التعاطي مع مختلف معطيات الواقع ولذلك بغيت الحفرة مهملة إلى يومنا هذا بحجة أن التعامل معها كما يقولون : ليست من صلاحياتنا.
المعطيات على الأرض في محيط موقع الحفرة تغيرت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة فمن جانب هناك المنفذ الحدودي الجديد مع دولة الإمارات العربية المتحدة ومن جانب آخر هناك امتداد لرؤية تطوير مدرج هبوط الطائرات الذي سيمتد حتى حديقة الغرابية في موقعها الحالي ومن جانب آخر هناك مخططات الأراضي التجارية والصناعية ومن جانب آخر هناك المزارع والتجمعات السكنية القائمة حاليا ولك أن تتخيل عزيزي القارئ استمرار تراكم المخلفات في موقع الحفرة والتي تصبح قابلة للإشتعال بقصد وبغير قصد وعليه فإن كل من حولها هو قابل للإحتراق بفعل شرارة طائشة تطير على غير هدى وحينها الخسارة ستكون مؤلمة جدا جدا جدا.
الكيس الفطن من يفكر في جعل مشكلاته نقاط إنطلاق لإيجاد الحلول وتطبيقها فهناك المنفذ الحدودي الجاري تنفيذه الآن في منطقة من الجميل التفكير في تهيئتها لزيادة النشاط التجاري والصناعي وحتى الترفيهي في ظل ان الولاية ستنفتح مع المركز الإداري للمحافظة بعد الانتهاء من شارع (دبا-ليما-خصب) وعليه فإن المجال متاح لتغيير ثقافة التحرك البشري في المحافظة وأيضا التغيير في ثقافة الاستيراد والتصدير والعمل في فكرته سهلة ولكنها تحتاج الكثير والكثير وليس هنا مقام الأسهاب في ذلك وهناك فرصة جاهزة في اقامة الموقع الجديد للحديقة العامة بديلا للموقع الحالي (اللي رايح رايح) كما أن استغلال وتهيئة موقع الحفرة يوفر فرصا لانتعاش النشاط الصناعي الذي يحتاج إلى استثناءات ودعم حكومي وربط مع النهوض الصناعي في ولاية خصب والمحافظة ككل والنظرة الأحادية التي تعودنا عليها لن تحقق المأمول والقيادة على رأس الهرم هي المناطة بذلك ان كنا نريد التحسين والتطوير.
ان الفارق التنموي الذي ينشده أبناء المحافظة والولاية لا يكون فقط في استحداث الجديد بل يتكامل معه التركيز على الفرص المتاحة واستحضر هنا منطقة (الفقيت) التي كانت نقطة تجمع لاستعراض السيارات في حلبات ليس لها حدود ومع تكرر الخسائر في الحال والمال لم يأتي التفكير في الإغلاق لتلك المنطقة حاضرا لوحده بل أتبعه فكر سعى لإيجاد البديل والنتيجة ما نراه اليوم من منطقة سياحية يقصدها الزوار وعليه فإن معالجة موقع الحفرة لا يكتفى فيه بالأفكار التي تطرح هنا وهناك استعراضا في حين ورغبة صادقة في حين آخر .
مسؤولية معالجة موقع الحفرة تكمن أولا في وجود رغبة مجتمعية صادقة تتوائم مع نظرة حكومية نثق بأنها تدرك خافيات الامور وظاهرها وبأن يتم الإسراع في الإجراءات التنفيذية كالتخلص من المخلفات العضوية بآليات الردم والمعالجة الصحية المعروفة وتفعيل إعادة التدوير للمخلفات المعدنية ومعالجة مخلفات البناء بالوسائل المتاحة مع تحفيز القطاع الأهلي في تنظيم حملات مجتمعية تساهم في إعادة تهيئة المكان والمهم أن نبدأ دون التفكير في الحصول على نتيجة في ليلة وضحاها لاننا ببساطة لا نملك مارد المصباح وكما يقولون الإنجازات الصغيرة تحقق النجاح الكبير.
خاطرات كثيرات قد تطرح في هذا الشأن ولسنا نريد اللوم والعتاب – وان كان من محبة – بقدر ما نريد التقدم لهذا الوطن الغالي ولأن نرى (مانشيتات) الجرائد والمنصات الاخبارية و(الاستوريات) تصدع بما نراه من تقدم على أرض الواقع خيرا من حالة (واتسابية) تأتي منذرة ولسان حالها يقول : لقد اشتعلت الحفرة.
محمد بن عبدالله بن علي سيفان الشحي
١٣ يونيو ٢٠٢٣ م