احتار النَّاس في التَّعامل مع الشَّمس، ففي الصيّف يهربون من حرارتها، وفي الشِّتاء يستلذون بدفئها، وبين الفصول يجلسون بين الشَّمس والظِّل، فإذا أتى النَّهار أرادوا الليّل، وإذا حلَّ بهم الظّلام تمنوا النَّهار، وذلك رغم قوة أشعة الشَّمس عليهم، وأحيانًا شدة حرارتها، إذا كان الفصل صيفًا، فإذا كان حال الناس هكذا مع الشَّمس، وهي واحدة من نعم الله على خلقه، فكيف بهم مع خلق الله من البشر، إذا هم اختلفوا معهم في الأفعال والأقوال.
وعُمان يا سادة يا كرام، خلقها الله لتكون أنموذجًا حيًا للبلد الطبيعي، وذلك في تصرفاته واتجاهاته، ومذهبه في الحياة سيظل على نهج لا ضرر ولا ضرار.
وهنا تكمُن سياسة الحكمة في التمهُّل العُماني، واختيار السبيل الأفضل من بين السبل الكثيرة، فعُمان وعبر تاريخها الطويل، لم تصُف في صف الأشرار، وإنما كانت دائمًا في الصَّف المقابل.. وهو صف الأخيار، لذلك وجَدَتْ من الواجب عليها، أن تسعى إلى إصلاح ذات البين بين المتخاصمين، وهذا إرثٌ ومسؤولية توارثته عُمان نتيجة لماضيها العتيد، وخلقها الحميد، كونها تحمل كنه العروبة وجدِّيتها وشهامتها وشيمها الرصينة.
إذن؛ لا عجب، بل العجب إن لم تقم بواجبها الموروث من السعي بالمعروف، وذلك بين الأمم والأفراد في نشر الخير والمحبة والسلام، أليس أهل عُمان هم من امتدحهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو لم يزر عُمان ولم يطأ أرضها بخفٍ أو بحافرٍ، وقد قال عليه الصلاة والسلام للشخص الذي أتاه يشكو إليه بعض الناس في بلاد العرب، بأنهم سبُّوه وضربُوه، فقال له: (لو أن أهل عُمان أتيت ما سبُّوك وما ضربُوك) وهل من شرف أعظم من هذا الشرف؟! بل فيه تكليف لأهل عُمان! بالثبات على هذا النهج إلى أن تقوم الساعة.
العمانيون نشروا الدين الإسلامي في شرق آسيا والصين، بأسلوب أصبح يسمى اليوم بـ”القوة الناعمة” وليس بالسيف والخيل والمدفع، وإنما بالقدوة الحسنة من خلال التعامل مع الناس بالصدق والأمانة، وحُسن الخلق، والعدل والإحسان بين خلق الله، حتى إن الإمبراطور الصيني أطلق على السفير العُماني لقب سفير “الأخلاق الحميدة” نظرًا لتميزه عن غيره من سفراء العالم.
وهكذا؛ كان شأن عُمان في أفريقيا، وذلك بعدما طردت عُمان الغزاة الغربيين، بداية من سواحلها ومن ثم الخليج بضفتيه الفارسية والعربية، وكذلك فعلت في شبه القارة الهندية، ثم طاردتهم من بحر العرب وكل المحيط القريب منها؛ فأجلتهم من شرق أفريقيا ووسطها حتى البحيرات العظمى، ليس بهدف الإحلال محلهم، إلا لكثرة ظلمهم وغدرهم بالشعوب والأمم، وعندما وجد الناس الأمان والمحبة والسلام من أهل عُمان، طلبوا منهم الاستمرار في حمايتهم من الغرب الظالم.
ولقد كانت البلدان والجزر من حولنا يخطبون ود عُمان، حتى تقبل بحكم بلدانهم طمعًا في الأمن والسلام، ولكي تقيم لهم الحق والعدل في بلادهم، وذلك لحمايتهم من عودة المحتل الغربي البغيض.
وأنا لا أكتب هذه المقالة هنا للإشادة ببلادي عُمان، ولكن حتى أوضّح لمن يستغرب الدور العُماني، وسعي ساستها وسلطانها في الصلح بين المتخاصمين، وقد لا ألومهم في قولهم “إن العنب حامض” فذلك حال من لا تطال يده عناقيد العنب، حتى يتذوق حلوه ولذته، فمن يفتقد التأريخ الذي تتكئ عليه عُمان، فليُعذر إن لم يعرف سبب اهتمامها باستقرار الإقليم والعالم، وكيف تنظر عُمان باهتمام بالغ إلى السكينة والاستقرار والهدوء، بهذا القدر من الاهتمام والتفاني، ذلك لأنها جرَّبت مُر الحروب التي أُجبرت عليها في الماضي، وقساوتها وضراوتها وضررها على النفس والمال، وفي نفس الوقت هي تخشى غضب الله عليها، إن هي لم تفعل شيئًا لمنع الناس من التقاتل، وقد كان ذلك باستطاعتها، لأنَّ في قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق إثم عظيم.
أما الطارئون على الجغرافيا والسياسة، فتجدهم ينشدون الحروب والقتل والتدمير، ويستهويهم الفساد في الأرض، ويستنكرون على عُمان فعل الخير، والسعي بالصلح بين الناس؛ لذلك تجدهم يتساءلون ما مصلحة عُمان من الصلح بين الدول، ولا يقولون ذلك مباشرة، وإنما يؤجرون بعض الأقلام المخصصة للبيع، لقول ما في نفوسهم، ونيابة عنهم، فبعضه غيرة وحسداً، والبعض الآخر لعدم إدراك أهمية وقيمة السلام والاستقرار.
إذن؛ عُمان ستظل كشمس الضحى، لا يكدّر وضوحها حاسد أو جاحد، ولن تغيّر عُمان من سياستها الإيجابية قيد أنملة، مهما تكالب ضدها الخونة والمعتوهون، لأن الشمس يظل ضياؤها حاضرًا حتى ولو تراكمت السحب عليها، أما الظل فيختفي بمجرد اختفاء الشمس، فمن كان واقعه كالظل؛ فلا يحاول أن يمثل دور الشمس، لأن الفارق شاسع بين الحقيقة والخيال، والشمس لا قرين لها، وإنما تظل تكرر نفسها، حتى يأتي مطلعها من مغربها..
حفظ الله عُمان وشعبها الأبيِّ وسلطانها المُبجّل الأمين من كيد الكائدين وشر الحاسدين.. اللهم آمين يا رب العالمين.
حمد بن سالم العلوي