لمّا كانت المخدرات والمؤثرات العقلية بأنواعها المختلفة من أكثر الآفات والظواهر السلبية فتكا بالشباب والطلبة، وبات انتشارها في المجتمع يمثل تهديدا لأمن الإنسان وحياة الشباب وسلامة الطلبة، وأصبح طلبة المدارس والشباب من أكثر الفئات المستهدفة من عصابات ترويج المخدرات في سلطنة عمان وخارجها، الأمر الذي أدى إلى سرعة انتشارها بين فئة الشباب بشكل كبير نظرا لحجم الترويج لها ودور المنصات الاجتماعية والمواقع والحسابات الإلكترونية فيها، وبات طلبة المدارس من أكثر الفئات عرضة لهذه الجريمة والآفة، حتى باتت تتعاطى من قبل طلبة المدارس، فقد زادت نسبة استخدام الأمفيتامينات المنشطة مثل مخدر (الكريستال ميث ICE أو الشبو كما يطلق عليه بين أوساط المتعاطين) خلال السنوات الثلاث الماضية من 8% عام 2019 لتصل إلى 31% عام 2021 حسب إحصائيات السجل الوطني للإدمان 2021. وتشير إحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لعام 2021 إلى أن جرائم المخدرات شكلت المرتبة رقم (4) في تصنيف الجرائم بسلطنة عمان، بما نسبته (13.2%) من التوزيع النسبي للجرائم لعام 2021، حيث بلغ عدد جرائم المخدرات التي تم ارتكابها في هذا العام (1376) جريمة، أما من حيث نسبة الجناة من العمانيين والوافدين في جريمة المخدرات فقد جاءت نسبة الجناة العمانيين بنسبة (19.4%) أما نسبة الجناة الوافدين فقد بلغت (6.6%)؛ وبشكل عام تشير إحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن (4) جناة هو معدل الجناة في سلطنة عمان لكل 1000 من السكان، وأن نسبة الجناة في الفئة العمرية (18- 39) بلغت (70%) من الجناة، وأن نسبة الجناة الأحداث ممن هم أقل من 18 عاما بلغت (3.8%) وأن إجمالي عدد الجناة في جريمة المخدرات لوحدها بلغ (2.360) منهم (1747) عمانيون و(613) وافدون.
عليه وتأكيدا لدور التعليم ومسؤوليته في تحقيق الأهداف الوطنية العليا، لما يمثله من صمام أمان لحياة الإنسان، والطريق الأمثل لبناء الذات وصقل المهارات وتهذيب الأخلاق وترقية السلوك وتوجيه المتعلم لما فيه صلاحه وأمانه وسعادته واستقرار وطنه، فالمدارس كالجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية الأخرى مركز إشعاع حضاري للمجتمع، ومساحة احتواء لأبنائه في استنطاق القيم واستنهاض الهمم وغرس الروح المعنوية ورسم صورة إيجابية لمستقبل النشء، واحتوائه من الوقوع في المحظور، بما تشغلهم به فكريا ونفسيا وبدنيا واجتماعيا واقتصاديا، في ظل تعظيم المهارات وترقية السلوك وصناعة النماذج وإنتاج القدوات في بيئة تعليمية آمنة تتجلى فيها فرص التغيير وصقل المواهب وتجديد الخبرات وبناء الأفكار وتصحيح المفاهيم عبر الأنشطة الطلابية والتعليمية الهادفة، والبرامج المنتقاة الموجهة والمنتظمة في أيام العام الدراسي أو كذلك في أوقات الصيف، لوقايتهم من الوقوع في الخطر وجرائم المخدرات الناتجة عن ارتفاع الهدر في أوقات الفراغ وغيرها.
وانطلاقا من أولويات رؤية عمان 2040، (مجتمع إنسانه مبدع معتز بهويته، مبتكر ومنافس عالميا، ينعم بحياة كريمة ورفاه مستدام) ومسؤولية التعليم في المحافظة على الناشئة وإدارة الانضباط السلوكي الطلابي، ووقاية المتعلمين من كل ما يؤدي بهم إلى الانحراف العكسي، ملتزما بهويته ومواطنته وثقافته التي تجرّم هذا السلوك الشائن انطلاقا من الهدف: “منظومة شراكة مجتمعية مؤسسية متكاملة تعزز الهوية، والمواطنة، والترابط والتكافل الاجتماعي”، ولمّا كانت المخدّرات تتنافى مع أولوية التكافل الاجتماعي والترابط المجتمعي وتتعارض مع بناء شخصية مواطن معتز بهويته، وتتجافى مع معايير الاستقرار والبناء واستحقاقات الإنجاز والتنمية، في كونها جريمة مشينة، وآفة خطيرة، وعادة مهينة، وممارسة وخيمة، وسلوك مستهجن، وانحراف عن الفطرة السوية التي لا تليق بأن تصدر من المتعلم أو أن تمارس في بيئة التعلم؛ فقد أجاد قانون التعليم المدرسي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (31/2023) في رسم صورة مضيئة لدور المدرسة ومسؤوليتها والهيئة التعليمية في هذا الأمر بشكل غير مباشر في أحايين كثيرة وبشكل مباشر في أحايين أخرى، ما يؤكد على أهمية تبني أهداف وسياسات وإجراءات وأساليب واضحة في المحافظة على الطلبة من آفة المخدرات ووقاية بيئة التعليم والمدارس والصفوف الدراسية من خطرها الفتاك وأثرها على حياة النشء، حيث جاء في المادة (48) المحظورات على الطلبة، ما نصه: “يحظر على الطالب القيام بأي من الأعمال التالية، ومنها: “ترويج أو تداول المواد المخدرة أو المسكرة أو المفترة، أو أي مؤثرات عقلية أو تعاطيها أو حيازتها” وألزمت المادة (49) المدرسة بتطبيق الإجراءات الإدارية حيال ذلك، حيث ورد ما نصه: “تلتزم إدارة المدرسة باتخاذ الإجراءات الإدارية على المخالفين لأحكام المادتين (47) و(48) من هذا القانون وفقا لما تبينه اللائحة”، وحددت المادة (95) عقوبة لكل من يخالف أحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية، حيث ورد ما نصه: “يعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون أو اللائحة أو القرارات الصادرة تنفيذا له بالسجن مدة لا تزيد على (30) ثلاثين يوما، وبغرامه لا تزيد على (3000) ثلاثة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
إن قراءة هذا الأحكام تحمل في ذاتها صفة الضبطية القانونية والإجراءات الضابطة التي تتسع فيها الحلول وتتفاعل خلالها الأجندة وتتناغم في ظلها الأطر والشراكات بما تعكسه من صفة التكاملية والشراكات التي يعتمدها المدارس في تعزيز الحوار الاجتماعي التشاركي في كل ما يتعلق ببناء الانضباط السلوكي للطالب، وأهمية أن تتخذ المدارس الإجراءات اللازمة للحيلولة دون وقوع الطلبة في شبكة المخدرات والمروجين لها والمتعاطين أو غيرهم وعبر سد منافذ ذلك ما يضع المدرسة أمام أدوار استباقية واتخاذ إجراءات للوقاية والتوعية والتثقيف والتوجيه الذي يضمن منع الطلبة من الوقوع في المخدرات أو تعاطي المؤثرات العقلية سواء ذلك داخل المدرسة من خلال تكثيف عمليات الرقابة والمتابعة وإدارة السلوك الطلابي تحقيقا للمواد (43) و(44) و(45) والوقوف على مستوى التزام الطلبة بواجباتهم والتزامهم بتنفيذ المحظور عليهم كما هو في المادتين (47) و(48) لما في ذلك من ضمان استيعاب المدرسة لمسببات هذا السلوك وسرعة الكشف عنه وتبني إجراءات الوقاية منه والتوعية بشأنه.
من هنا فإن مرتكزات قانون التعليم في تحقيق هذا المسار تضع القائمين على المدارس والهيئات التعليمية والطلبة وأولياء الأمور، أمام الاستفادة من كل الجهود الوطنية الداعمة لدور التعليم في الوقاية من المخدرات، وأول هذه الجهود مدركات الإستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بسلطنة عُمان للأعوام 2023 – 2028م، والتي اعتمدها المقام السامي لجلالة السلطان المعظم، وتمثل انطلاقة جادة ومنصة للعمل معا مع مختلف الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة ووسائل الردع الضرورية للحدِّ من هذه الظاهرة نظرًا لآثارها السلبية (صحيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا). حيث حددت الإستراتيجية أربعة أهداف رئيسية للمكافحة هي: تطوير القدرة الوطنية في الوقاية والتوعية؛ وتعزيز القدرة الوطنية في العلاج والتأهيل وإعادة الدمج؛ وتطوير القدرة الوطنية في المكافحة؛ وتطوير القدرة الوطنية في الرصد والدراسات.
ذلك إن المتتبع لبرامج الإستراتيجية المحققة للأهداف يجد بأن التعليم عامة والمدرسة والهيئة التعليمية بشكل خاص تضع الإستراتيجية عليها الدور الكبير في المواجهة، فالهدف “تطوير قدرات المعلمين في الوقاية والاكتشاف المبكر لتعاطي الطلبة للمواد المخدرة” يضع في أولوياته جملة من البرامج التي يحققها التعليم ومنها: تطوير المناهج الوطنية للوقاية من المخدرات؛ وتنمية مهارات الشباب لاستثمار أوقات الفراغ، وتنمية مهارات الحياة للشباب”؛ كما أن الهدف “تطوير القدرة الوطنية في الرصد والدراسات ” وبرامجه المتمثلة في: إنتاج بحوث علمية في مجال المخدرات والمؤثرات العقلية؛ وتطوير القدرة الوطنية في إنتاج ونشر المعرفة حول المخدرات والمؤثرات العقلية تضع التعليم أمام مسؤولية بناء أطر واضحة ينطلق منها في مكافحة المخدرات، واضعا السياسات والأساليب والآليات التي حددتها الإستراتيجية موضع الاهتمام ومنها على سبيل المثال: الاهتمام باستيعاب طاقات الشباب في العمل التطوعي؛ وتطوير مهارات الشباب المهنية وحثهم وتشجيعهم للانخراط في سوق العمل؛ والاهتمام بتطوير برامج الوقاية والتوعية عن المخدرات وفقا للمعايير الدولية للوقاية من المخدرات في المناهج الدراسية في التعليم العام والأنشطة الطلابية؛ والاهتمام بتعزيز الصحة النفسية لدى الطلاب؛ وتطوير المهارات الاجتماعية للشباب داخل المدارس والجامعات والأندية والأحياء؛ والاهتمام بتعزيز الوازع الديني والوطني لدى فئات المجتمع المختلفة بمخاطر تعاطي المخدرات؛ والاهتمام بتطوير القدرات الذهنية والفكرية للطلاب والشباب؛ والاهتمام باستخدام وسائل الاتصال والتقنية الحديثة في التعليم والتواصل الفاعل مع الشباب؛ والاهتمام بالبحث العلمي وتوجيهه نحو قضايا الشباب وقضايا المخدرات؛ والاهتمام بالموهوبين من الشباب ورعايتهم؛ وتوفير البنى التحتية الخاصة بالأنشطة الرياضية والترفيهية للطلبة والشباب بالأحياء والمدارس.
أخيرا تبقى هذه المقاربات بين مدركات الإستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، والأطر التشريعية والمعالجات التنظيمية والعقوبات والجزاءات الرادعة في قانون التعليم المدرسي؛ مسارات للتكاملية وحسم المواقف وترقية مفهوم الضبط الاجتماعي والتعليمي في تأكيد دور المدرسة والهيئة التعليمية في الوقوف على هذه الظاهرة في المجتمع المدرسي، للوصول إلى قراءة معمقة ومراجعات مقننة وحلول مستديمة تضع التعليم أمام مرتكزات واضحة المعالم لتوظف الفرص التعليمية والميزة التنافسية للتعليم وثقافة التعليم والتعلم، في البناء الفكري والنفسي والبدني للطالب بصورة متكاملة تراعي الأبعاد النفسية والاجتماعية والتوعوية والتثقيفية وبرامج الإرشاد والتوجيه المهني والنفسي والفكري في بناء التزام تعليمي نحو الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وحماية النشء من خطرها الفتاك وأثرها السلبي على حياته ومستقبله.
د. رجب بن علي العويسي خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة