إذا كانت القرون الوسطى التي تشكلت فيها أوروبا قد تكون فيها دولها نمت ببطء، ومقاطعة تلو الأخرى أو ولاية تلو الولاية، فإن القرون الوسطى التي تكّون خلالها الإسلام كانت باتجاه معاكس، أي أن الدويلات أخذت تختفي بسرعة لتتشكل إمبراطوريات من السند إلى الأطلنطي، وضواحي البلطيق وجنوب شرق آسيا ومن أوروبا إلى الفرات.
وعندما بزغ فجر الإسلام في الجزيرة العربية، كان للأعراف دور القوانين والأنظمة في عصرنا، وكان من سنّ تلك الأعراف يطمح إلى تحقيق الأهداف نفسها التي يطمح إليها أخلافهم، إي إمكانية قضاء حياتهم بحرية وتحت أفضل الشروط الممكن إبتكارها مهما كان تصورهم للحياة السعيدة، ومما لا شك فيه أن أنه كان لمؤسساتهم في ذلك الحين ذات الأهداف لمؤسساتنا في عصرنا الحالي، إن كان لجهة ضمان الأسرة والأمن والقبيلة والشعب بمجموعه، حيث كان لمؤسساتهم المنسجمة مع المرحلة الحضارية التي وجدوا فيها والمكلفة بالحفاظ على النظام العام سواء أكان ذلك من الناحية القانونية المتعارف عليها لضبط المجتمع وتنظيم الحياة داخل المجموعة والحفاظ على تماسكها وأمنها داخلياً وخارجياً.
مدلولات كثيرة
يدل الشعر العربي كما تدل النصوص التي وصفت حياة الشعب، على أن العرب في جزيرتهم عند بزوغ الإسلام كانوا يعيشون على قيم عليا كغيرهم من الشعوب المماثلة في تطورها الحضاري، وكانت لديهم خصوصيات كثيرة تتعلق إن أردنا أن نسميها بـ “الديمقراطية العربية”، حيث بلغت حداً من الفردية والجموح، كما جاء في قول لإبن خلدون: “إن العرب أصعب الأمم إنقياداً بعضهم لبعض”، حيث أن الواقع يقول إن شعوراً بالمساواة كان حاضراً بين جميع أرباب الأسر، أغنياء وفقراء.
ومن المعروف أن العرب اشتهروا بالعصبية، لكن كان ذلك يُلغى عندما يتعلق الأمر في خدمة الجماعة التي كانت تؤدي إلى تواضع شخصي وزهو عشائري، وكان للعرب خصال ومزايا كثيرة أعظمها، الحكمة والمروءة. ومن هذه القيم، القيمة الكبرى لحياة الإنسان، حيث كان يؤدي قتل فرد من قبيلة إلى حروب وعداوات تستمر زمناً طويلاً، ومنها التضامن والتكافل بين أفراد القبيلة وتشاور أهل الرأي، كما في هذين البيتين الشعريين:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن * برأي حكيم أو مشورة جازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضةً * فريش الخوافي قوة للقوادم
لكن إلى جانب القيم الخيّرة، كان هناك قيم بدوية معاكسة لتلك القيم، مثل الغزو بلا سبب وقضايا الثأر، فبقيت هذه الأمور حتى بعد مجيء الإسلام، وهذا ما اتضح من مسألة معالجة الخلافة عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلقد كانت معالجة سياسية محضة، لأن المنطق السائد آنذاك كان منطق القبيلة خاصة في النقاشات، وبالتالي تعامل الصحابة مع المسألة على إنها مسألة إجتهادية حيث اعتبروا أن ميزان القوى والقدرة والكفاءة ومصلحة الدولة هي العوامل التي يجب مراعاتها وفقاً لمنطق القبيلة.
لكن هذه الأمور لم تعق الإسلام بل خلال فترة وجيزة توسع في البلدان المجاورة، فكان في تنوع معالم حياة الشعوب التي اعتنقت الإسلام أن دخل الكثير من التمازج في الثقافات والقيم في الأصقاع المختلفة.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ مستشار قانوني – الكويت.