تُطالعنا المؤسسات الأكاديمية التي تتولى تصنيف الجامعات العالمية بتقاريرها السنوية التي تشير إلى جودة التعليم وقوة المخرجات وتميزها في سوق العمل، وكذلك رصانة البحث العلمي وأهميته للمجتمعات التي تتواجد فيها تلك الجامعات، بل تُسهم البحوث العلمية والاختراعات الطبية والعلمية بشكل عام في خدمة الإنسانية جمعاء.
وبالفعل، بدأت معظم قيادات العالم السياسية تعمل وتحث المسؤولين عن تطوير التعليم في تلك الدول على الاهتمام بوصول جامعاتهم الوطنية إلى قائمة أفضل مائة جامعة في العالم. ولعل ما قام به الرئيس الروسي قبل عامين بالعمل على وضع عدة جامعات روسية في قائمة أفضل الجامعات، وتحقيق ذلك بصعود 5 جامعات وطنية روسية إلى مصاف أفضل الجامعات، خير دليل على سعي قادة العالم لتحقيق التميز في التعليم العالي والبحوث العلمية للوصول إلى ما يعرف بالاقتصاد المعرفي والرفاهية الاقتصادية.
ومن أهم المؤسسات المعروفة في التصنيف العالمي للكليات والجامعات في مختلف أنحاء العالم والتي تنتشر في جنوب آسيا وأوروبا وأمريكا، ومن أشهر هذه المراكز الأربعة: تصنيف شنغهاي “Shanghai Ranking”، الذي كان مسيطرًا على الساحة الأكاديمية في تقييم الجامعات، و(QS)، والتايمز (Times Higher Education)، وأخيرا يبوميتركس (Webometrics) الإسباني.
ويعدُّ تصنيف “كيو إس” الأشهر في التصنيف العالمي للجامعات خلال السنوات القليلة الماضية. وتحتكر الجامعات الأمريكية والبريطانية المراكز العشرة الأولى لأفضل جامعات العالم في جميع التصنيفات المذكورة؛ مثل: جامعة كامبريدج وأكسفورد وهارفارد وماساتشوتي. أما عربياً، فقد احتلت جامعة الملك عبدالعزيز بجدة مركزا متقدما إذ حققت أفضل مركز بين الجامعات العربية متقدمة بذلك 9 نقاط عن العام الفائت.
وقد تابعنا خلال الأيام الماضية عبر منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك وسائل الإعلام العمانية، الحدث الأبرز في الساحة العمانية والمتمثل في تراجع جامعة السلطان قابوس في تصنيف (كيو إس) وللعام الثاني على التوالي؛ إذ خسرت 70 نقطة محتلة بذلك الترتيب 454، ولم تتأخر إدارة الجامعة في الكشف عن الأسباب التي جعلت من المصنفين في (QS) يقيمونها بهذه الطريقة القاسية وغير المتوقعة، لكون العديد من كلياتها أثبتت جدارتها وتميزها على المستوى الإقليمي وبشهادة معظم المهتمين بجودة لتعليم الجامعي وعلى وجه الخصوص كليات: الطب والهندسة والآداب والعلوم الاجتماعية.
وبمجرد الكشف عن نتائج هذا العام 2023 لتصنيف الجامعات، تحدَّث لوسائل الإعلام المسؤول عن مشروع تعزيز مكانة جامعة السلطان قابوس في التصنيف العالمي للجامعات؛ إذ قال: إن خروخ واستقالة عدد من الهيئة الأكاديمية أدى إلى نزول نسبة عدد الطلبة إلى الهيئة التدريسية، هذا فضلاً عن دخول عشرات الجامعات الجديدة في التصنيف لأول مرة. كما أن هناك نسبة قليلة من الطلبة الوافدين من خارج السلطنة الذين كان وجودهم سوف يُساعد على رفع مستوى التصنيف. والأهم من ذلك كله هو عدم الأخذ بعين الاعتبار من الفريق المختص برفع مكانة الجامعة المعايير الجديدة في تصنيف (كيو إس) والمتمثلة في مؤشر الاستدامة ومؤشر مخرجات التوظيف ومؤشر شبكة الأبحات الدولية، إذ يتطلب الأمر إجراء التغييرات اللازمة على تلك المعايير والمؤشرات لكي تحافظ هذه الجامعة الرائدة على مركزها الذي كان قبل عامين (368).
لا شك أنَّ جامعة السلطان قابوس بإدارتها الأكاديمية الحالية المشهود لها بالحكمة وسمعتها العلمية تملك مفاتيح النجاح لتحقيق طموحات الوطن والمواطن الذي ينظر لذلك الصرح العلمي الذي أسسه المغفور له السلطان قابوس -طيب الله ثراه- لتكون بيت خبرة لكل الوزارات والشركات الحكومية والخاصة، وكذلك تتولى إعداد القيادات المستقبلية للسلطنة، فعودتها مرة أخرى إلى تحقيق المراكز المتقدمة في التصنيف العالمي للجامعات ليس بالأمر المستحيل، ليس فقط على مقياس (QS) بل في التصنيفات الأخرى؛ مثل: التايمز وشنغهاي. فهذه الجامعة فيها أفضل الطلبة وكادر أكاديمي متميز ومتنوع من أربعين دولة حول العالم. كما أن المباني والقاعات ومصادر التعلم والكتب والبيئة الأكاديمية بشكل عام تعتبر الأفضل بين جامعات المنطقة قاطبة.
لقد تشرفت بأن أكون ضمن أول فريق يُعيِّنه رئيس الجامعة في مطلع العقد الماضي للعمل على رفع مكانة الجامعة في التصنيفات العالمية، ومن ضمن النتائج التي توصلنا إليها في ذلك الوقت غياب الكثير من المعلومات الأكاديمية كالبحوث والإنتاج الفكري والتأليف… وغير ذلك من ملفات التقييم التي عادة تتطلع عليها لجان التحكيم في “QS”…وغيرها من مؤسسات التصنيف في الشرق والغرب على الرغم من وجود إنتاج غزير للهيئة الأكاديمية في جامعة السلطان قابوس، ولكنْ هناك عزوف من الأساتذة عن نشر تلك البحوث في موقع الجامعة لكي تُساعد في رفع التصنيف. ولحل تلك المشكلة تم تشكيل فريق فني لجمع الأعمال المنشورة في الدوريات العلمية ووضعها في المكان المناسب للمحكمين الخارجيين.
هناك من يُشكك في مصداقية هذه المؤسسات وأساليب عملها، وتتهم من البعض بالمحاباة والميل إلى رفع تصنيف الجامعات التي تكون لها علاقات تعاون مالي وإداري وفني معها؛ إذ نسمع بأن بعض الجامعات التي تحقق مراكز متقدمة تكون قد قامت بإرسال المسؤولين عن التصنيف لتلك المؤسسات بهدف التدريب لتحقيق المعايير المطلوبة في التقييم الأكاديمي السنوي.
وفي الختام.. أسطِّر رسالتين مهمتين حول تراجع التصنيف:
- الرسالة الأولى مُوجهة للجهات العليا في هذا البلد العزيز: وذلك للتعجيل بإعداد كوادر أكاديمية من الأوائل في مختلف التخصصات والأقسام في جامعة السلطان قابوس لسد فراغ الاستقالات والإقالات والتقاعد المبكر للأكاديميين العمانيين الذين أصبحت نسبتهم قليلة جدا في الجامعة على الرغم من مرور 37 سنة على تأسيسها، وذلك من خلال تخصيص درجات للمُعيدين ثم وضع مسار علمي واضح لهؤلاء الأوائل لفتح الطريق لهم لتكملة الدراسات العليا لتولى المرحلة القادمة.
- الرسالة الثانية موجهة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار: للعمل على وضع خطة إلزامية للجامعات والكليات الخاصة لتعيين الأوائل من مخرجاتها في السلك الأكاديمي.
د. محمد بن عوض المشيخي