قال الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا)، من موقعي كرجل قانون، يعرف حقوقه وواجباته عملاً بالقانون ووفق الدستور المتشابه تقريباً في أغلب الدول، وانطلاقاً من عناصر الدولة وفق القانون الدولي “الشعب، الأرض، الحكومة” يعني أن المسؤولية يجب أن تقضي بمراعاة هذا المجتمع وخصوصية هذا الشعب.
فالدستور كفل حقوق المواطنين، وانطلاقاً من الحالة الوطنية ينبغي على الإنسان أن يكون حصيفاً واعياً عاقلاً فاعلاً للخير، وأن يطغى الوطن والوطنية على الميول والانتماء مهما كانت المناسبة الدينية التي يتكلم بها، ليس لشيء، بل احتراماً للدستور الذي أقسمت على ألا تخونه، كائناً من كنت ومهما كان منصبك أو وضعك الاجتماعي، خاصة في بلد يضم مكونات عديدة وعقائد متعددة، فهذا تعدّي على الحريات وتعدّي على حرية المعتقد وهناك مجلدات قانونية تتحدث حوله وقد كفلها القانون.
من هذه المقدمة البسيطة، أتفهم أن لو كنا في زمانٍ مضى قبل قرون عدّة، كنت وجدت بعض التبرير، لكن في زمن الحداثة والميديا والإعلام بكافة أنواعه، أن تُرتكب أخطاء، فهذا غير مقبول وغير مدروس خاصة في حالة من الخصوصية التي تتميز بها العراق.
بالتالي إن التعرض للصحابة لهو خطأ فاحش، فالله تبارك وتعالى ميزهم وأكرمهم بصحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتلقي عنه والتزكية على يديه، وبالائتمان على تبليغ رسالة الإسلام، والله سبحانه وتعالى خصهم بذكره المبارك بالقول: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلّاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم).
وقد اتفق المحدثون على أن الصحبة أعلى مراتب التوثيق، فلا يُسأل عن الصحابي كما يسأل عن غيره؛ لأن عدالته ثابتة بيقين فلا يحتاج إلى مراتب المعدلين، ولا تؤثر فيه أقوال الجارحين، هم ببساطة خير أمة أخرجت للناس، وهذا ليس لأنهم يخصون طائفة معينة من الطوائف الإسلامية لا أبداً، الصحيح والمفروض أنهم يخصون عموم المسلمين كما آل البيت الكرام، فيكفي مغالطات وضحك على العقول بأن هناك من يُسب على المنابر، هذا الكلام مرفوض جملة وتفصيلاً وعارٍ عن الصحة في كل مناهج أهل علم الحديث والجرح والتعديل، ووجب الرد ولو باقتضاب.
وكما (نُسب للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام) في نهج البلاغة: “لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى، من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفا من العقاب، ورجاء للثواب.”
بالتالي، كلنا أبناء الله وكلنا أبناء الأمتين العربية والإسلامية، وكلنا يتعايش مع جميع المكونات وفق ما أوصانا به النبي الأكرم وطبقاً للقانون، لكن أن نزرع الفتن ونجيش الناس على الاقتتال وفق العقائد، فسيكون الأمر كارثياً، وبنفس الوقت، لا نقبل المساس بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا بالمقدسات ولا بالصحابة ولا بالقرآن، فأعدائنا ينتظرون الهفوة لكي تتصيد بالماء العكر، وهل عندما حمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القرآن الكريم في أحد مساجد داغستان عبّر من ذلك عن الإيمان أم وقف إلى جانب شعبه من المسلمين وربما جنّب البلاد من أتون حرب أهلية، فلماذا نفعل نحن المسلمون عكس ذلك؟ مفارقة عجيبة.
فمن يتعرض للصحابة الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم إنما خالف أمر الله عز وجل، (لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريبا).
فالفقه الإسلامي كان واضحاً في هذا الأمر فالتعرض للصحابة من البدع والكبائر ففي ذلك عقوبة دنيوية وعقوبة في الآخرة وهي الأعظم الطرد من رحمة الله عز وجل.
فلا يكفي بيانات الاستنكار أو الشجب أو الرفض، يجب أن ينطلق الإنسان من نفسه، وأن يعمل بما أمر الله به ورسوله الأكرم وأن يلتزم التزام المؤمن المسلم الحق، فلا الدين يسمح ولا القانون، ولا حتى في أي دولة في العالم، فليتعلم كل من يريد قبل أن يتكلم، ولعمري في هذا لحكمة لمن يفهم ويتعظ، فمن لا يقرأ ويتعلم علم الرجال والجرح والتعديل وعلم مصطلح الحديث وفحص الأسانيد والسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فليصمت وألا يكون ملكياً أكثر من الملك.
قال الله تبارك وتعالى(ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك).. فلا نسمح ولا نقبل وعند كرامات الصحابة وآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلنا سد منيع ضد كل من يتجرأ في تطاوله، وأكرر “تعلّم قبل أن تتكلم”.
عبدالعزيز بن بدر القطان